وسط تأزم المشهد السياسي العراقي، ولجوء أنصار التيار الصدري إلى اقتحام مجلس النواب العراقي كونه إحد المؤيسسات الدستورية العراقية، تعبيرًا عن رفضهم لترشيح محمد شياع السوداني رئيسًا لوزراء العراق في المرحلة القادمة، ودعودة الإطار التنيسقي أنصاره بمظاهرة شعبية أيضًا، قد يضع السلم المجتمعي في الدولة العراقية على حافية الهاوية، ويفتح باب القلق الإجتماعي على مصراعيه.
هنا يتجدد الحس والمسؤولية الوطنية لرئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي الذي شعر بخطورة الموقف ولابد من القيام بخطوة سريعة لتجنيب العراق ويلات الحرب الأهلية وأن يراق الدم العراقي على يد عراقي آخر، لذلك دعا الكاظمي” جميع الأطراف إلى الجلوس على طاولة حوار وطني؛ للوصول إلى حلّ سياسي للأزمة الحالية، تحت سقف التآزر العراقي، وآليات الحوار الوطني”.
وقال الكاظمي ” أقول للإخوة المتظاهرين: إن رسالتكم واضحة، والتزامكم بالهدوء والتنظيم واجب، ومحط تقدير؛ وقد حان الوقت الآن للبحث في آليات إطلاق مشروع إصلاحي يتّفق عليه مختلف الأطراف الوطنية، وأنا على يقين بأنّ في العراق ما يكفي من العقلانية، والشجاعة؛ للمضي بمشروع وطني يخرج البلد من أزمته الحالية”.
وأضاف الكاظمي ” على القوى السياسية أن تتحمل مسؤوليتها الوطنية والقانونية، فحكومة تصريف الأعمال قامت بكل واجباتها رغم تجاوزها السقف الزمني الذي رسمته التوقيتات الدستورية لتشكيل حكومة جديدة؛ مما يعد خرقاً دستورياً، ومع كلّ ذلك فنحن كنّا وما زلنا مستعدين لتقديم كلّ المساعدة؛ للوصول إلى صيغة حلّ مرضية للجميع، وبما يحفظ السلم الاجتماعي، واستقرار مؤسسات الدولة ومصالح الناس.
ومن هذا المنطلق وحرصاً على الدولة ومؤسساتها، وحقناً للدمّ العراقي، واحتراماً لقدسية هذه الأيام؛ أدعو جميع الأطراف إلى تبني أجواء التهدئة، ودعم مؤسسات الدولة من خلال الآتي:
1- على الإخوة المتظاهرين التعاون مع القوات الأمنية، واحترام مؤسسات الدولة، وإخلائها، والالتزام بالنظام العام.
2- على القوات الأمنية الدفاع عن الممتلكات العامة والخاصة، والمؤسسات الرسمية، ومنع أي اعتداء عليها بكلّ الطرق القانونية.
3- الدعوة إلى حوار وطني عبر تشكيل لجنة تضمّ ممثلين عن كلّ الأطراف لوضع خارطة طريق للحلّ”.
وحظيت مبادرة الكاظمي الداعية إلى الاحتكام للحوار بترحيب معظم القوى السياسية في العراق، إذ أعلن رئيس مجلس النواب العراقي العراقي محمد الحلبوسي تأييده دعوة الكاظمي، وقال في تغريدة الثلاثاء: نؤيد مبادرة السيد رئيس مجلس الوزراء لإيجاد صيغة حل بشأن الأحداث التي تشهدها البلاد”.
وأكد الحلبوسي “أهمية جلوس الجميع إلى طاولة الحوار، والمضي بخطوات عملية، لحل الأزمة الراهنة، وصولاً إلى انتخابات نيابية ومحلية وفق توقيتات زمنية محددة”.
كما اكد السيد عمار الحكيم تأييده مبادرة الكاظمي، قائلاً في بيان: “نعلن تأييدنا لما جاء في بيان رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي بخصوص الأحداث الأخيرة التي تشهدها البلاد، والتي تبنينا الكثير مما ورد في بنودها مرات عدة، للحيلولة دون انزلاق الوضع إلى ما لا يحمد عقباه، لا سيما ما يتعلق بركون وجلوس فرقاء وشركاء المشهد العراقي إلى طاولة حوار تتبنى مبادرة وطنية شاملة، تفضي لإنهاء الانسداد السياسي في البلاد”.
وأضاف البيان: “كما نؤيد مطالبة جميع المتظاهرين الالتزام بالسلمية، وباحترام مؤسسات الدولة وإخلائها، والمحافظة على الممتلكات العامة والخاصة، والتعاون مع قوات الأمن لحفظ النظام”.
بدوره؛ قال حيدر العبادي رئيس وزراء العراقي الأسبق في تغريدة: “أعلن تأييد مضامين بيان الأخ رئيس الوزراء الخاص بالأزمة الحالية”، مبيناً أن الدعوة إلى الحوار “تلتقي مع مبادرتنا ودعوتنا للحوار والاتفاق على خارطة حل للأزمة الراهنة”.
وأضاف العبادي: “أدعو الأطراف كافة إلى الاستجابة لها والبدء بحوارات جادة وصادقة خدمة للشعب والدولة”. وفي الوقت الذي يبدو فيه صدور تأييد من قياديين بارزين في “الإطار التنسيقي” (الحكيم والعبادي) لدعوة الكاظمي مؤشراً على بدء التعاطي مع إجراءات حل الأزمة، فإن عدم صدور إشارات من قبل قياديين آخرين في الإطار يوحي، من وجهة نظر المراقبين السياسيين، إما بوجود تخويل ضمني من قادة الإطار لكل من الحكيم والعبادي للتعامل مع المبادرة، وإما بوجود خلافات بين قيادات الإطار، وهو ما جري نفيه باستمرار.
كما دعم المشروع الوطني العراقي المبادرة من خلال التأكيد على ضرورة ان لا يكون حوارا لتقاسم مناصب وتغانم مصالح ما تبقى من كيان الدولة، بل ان يكون حوارا وطنيا شاملا يتبنى قرارات شجاعة لإجراء تغييرات جوهرية بالعملية السياسية وتعديل للفقرات الجدلية بالدستور، وفرض هيبة وسلطة القانون على الجميع، فضلا عن محاسبة الفاسدين وسراق المال العام وقتلة المتظاهرين وكل من يثبت تورطه بالدم العراقي.
من جانبه،قال رئيس الإقليم في تغريدة له على مواقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، تابعتها (المدى)، إنه “في الوقت الذي نجدد دعوتنا لحوار عراقي أخوي شامل في أربيل، أؤكد دعمنا لدعوة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي للحوار بين الأطراف السياسية العراقية لإيجاد مخرج للأزمة الحالية والعمل معًا للوصول بالوطن الى بر الأمان”. وأكد أن “العراق بحاجة الى الحوار والتفاهم والمسؤولية المشتركة لإنقاذه”.
دوليّا،أعرب الرئيس الفرنسي الثلاثاء عن “قلقه الشديد بشأن الوضع في العراق”، قائلا إنه يشاطر دعوة رئيس الوزراء العراقي إلى “الحوار والتشاور”. وكتب ماكرون في تغريدة باللغة العربية “قلقي شديد بشأن الوضع في العراق. يجب أن يسود الهدوء وضبط النفس. أشارك رئيس الوزراء في النداء الذي وجهه للحوار والتشاور استجابة لتطلعات العراقيين”.
و اعربت الولايات المتحدة الامريكية، اليوم الثلاثاء، عن دعمها لمبادرة الحوار التي اطلقها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. بيان للسفارة الاميركية في بغداد قال إن “الولايات المتحدة الأمريكية تدعم الدعوات الأخيرة التي تحث جميع الأطراف الى المشاركة في حوار وطني بناء يمكن أن يؤدي إلى تهدئة التوترات الحالية”.
وأضاف البيان “نؤكد مجدداً دعمنا للاحتجاج السلمي، ونشجع جميع الأطراف على الالتزام باللاعنف وسيادة القانون في ممارسة حقوقهم الدستورية”.
من جانبه، طالب السيد مقتدى الصدر حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، ولقد حظيت هذه المبادرة بتأييد كبير من القوى السياسية في العراق.
الكاظمي، الذي عرف عنه من اعتدال وبراغماتية وعدم ميل للإيديولوجيات الطائفية والنأي بالعراق عن المحاور الإقليمية، لذلك من خلال دبلوماسيته المتوازنة حقق نجاحات على المستوى السياسة الخارجية، استضافت بغداد عدة مؤتمرات ذات صبغة عربية وإقليمية وبحضور دولي، كما رعت بغداد في عهد الكاظمي المباحثات السعودية الإيرانية. فهذه المؤتمرات والمباحثات هي عبارة عن تتويج لجهوده الهادفة إلى إعادة وضع العراق عند تقاطع العلاقات الإقليمية، أو كجسر بين بلدان المنطقة بحسب تعبيره. لقد عمل الكاظمي، منذ كان مديرًا لجهاز المخابرات الوطني العراقي، على تطوير شبكة واسعة من العلاقات مع القادة وكبار المسؤولين في الشرق الأوسط، وحقق نجاحًا كبيرًا في أداء دور الوسيط الصادق وميسِّر الحوار، ولا سيما بين إيران وخصومها الإقليميين. واعتمد مقاربة “صفر أعداء” في إدارته للعلاقات الإقليمية.
أما داخليًا، هناك عدة أمور تسجل بشكل إيجابي لمصطفى الكاظمي، منها على سبيل المثال، حارب الإرهاب بكل ما أوتية من قوة، كما تصدى للفصائل التي أرادت أن تفرض على العراق حالة اللادولة، كما وضع أسس تجاوز الأزمات الاقتصادية والإجتماعية، كما نجحت حكومة الكاظمي بإجراء انتخاباب نيابية كانت نتائجها نزيهة.
فعلياً، بدا الكاظمي أكثر تصالحاً مع نفسه وتقديراً لقوتها، فلجأ إلى السهل الممتنع إلى الحوار، دعا الجميع في لحظة احتقان إلى تحكيم عقولهم وليس عضلاتهم، إلى حكمة الخوف، لعلها تُهَدِّئُ الرؤوس الحامية، دعوة تحتاج إلى قناعة مَن أيدوها بأنهم على استعداد لتقديم تنازلات شجاعة والقبول بتسويات كبرى، تأخذ بعين الاعتبار فضاء وطنياً عاماً تشكل بعد انتفاضة تشرين لا يمكن إنكاره أو مصادرته، وأي إهمال أو تخطٍّ له، سيدفعه إلى فرض نفسه من جديد بأشكال مختلفة يصعب هذه المرة احتواؤها.
فالكاظمي كأي مواطن عراقي حريص على أمن بلاده، وكأي سياسي مارس العمل السياسي كرجل دولة سعى بجد لكي يستعيد العراق مكانته العربية والإقليمية والدولية، من هنا جاءت مبادرته ليس طمعًا في منصب سياسي زائل وإنما محاولة وطنية خالصة لإنقاذ حاضر ومستقبل العراق.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية