بغداد – فشلت محاولة الأحزاب الشيعية العراقية في إعادة تنظيم اصطفافها بدوافع طائفية لضمان هيمنتها على منصب رئيس الوزراء، معلنة انهيار مفاوضاتها لاختيار مرشح بديل لتشكيل الحكومة الجديدة، بعد استقالة رئيس الوزراء الحالي عادل عبدالمهدي واعتذار رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي عن إكمال مهمته.
وأعلن تحالف سائرون النيابي، أكبر كتل البرلمان العراقي، الاثنين، فشل الأحزاب والكتل الشيعية السبع في العراق في التوصل إلى “اتفاق على اختيار مرشح لتكليفه بتشكيل الحكومة بدلا عن الحكومة المستقيلة الحالية”، داعيا رئيس الجمهورية برهم صالح إلى “ممارسة صلاحياته الدستورية بالتكليف”.
وأبلغت مصادر سياسية “العرب” بأن “خطة الأحزاب الشيعية المقرّبة من إيران، في حال لم تتوافق على مرشح يضمن مصالحها، أن تكلف شخصية من دون توفير دعم سياسي لها، كي تفشل في تشكيل الحكومة، بهدف ربح ثلاثين يوما جديدة”.
وأضافت أن “هذا التكتيك يوفر الوقت اللازم للتوافق على مرشح مضمون وآمن، ويمنح عبدالمهدي المدعوم المرضيّ عنه من إيران شهرا آخر في السلطة”.
وكان زعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، أشد وضوحا في موقفه، عندما طالب رئاستي الجمهورية والحكومة بمخاطبة البرلمان لإعلان حالة الطوارئ، ما يبقي على رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي في موقعه ويمنحه صلاحيات استثنائية، بذريعة مواجهة أزمة فايروس كورونا.
وتملك حركة الخزعلي 15 نائبا في البرلمان ووزارتين في الحكومة المستقيلة، وهي من أشد المدافعين عن إبقاء عبدالمهدي في موقعه، تنفيذا للرغبة الإيرانية.
وكانت الأحزاب الشيعية حاولت قطع الطريق على الرئيس ومنعه من التأثير في اختيار المرشح لتشكيل الحكومة، لكن فشلها في التوافق أعاد الكرة إلى ملعب صالح.
وتلقى برهم صالح، الاثنين، دفعة كبيرة من أعلى سلطة قضائية في البلاد، عندما أفتت المحكمة الاتحادية العليا بأن رئيس الجمهورية يحتكر حاليا سلطة تكليف مرشح جديد بتشكيل الحكومة، بعد اعتذار المكلف السابق محمد توفيق علاوي وفقا للمادة الـ76 من الدستور.
لكن عرفات كرم النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، أكبر الأحزاب الكردية في البلاد، بزعامة مسعود البارزاني، طالب صالح بعدم تكليف مرشح جديد، من دون توفر توافق شيعي عامّ حوله.
وأضاف كرم أن تكليف مرشح من دون إجماع شيعي عليه، سيعيد تجربة محمد توفيق علاوي، الذي سقط بسبب انقسام القوى الشيعية بشأنه.
وقالت مصادر مطلعة إن صالح يفاضل الآن بين ثلاثة خيارات على طاولته، الأول هو رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي والثاني هو النائب عن تحالف النصر عدنان الزرفي والثالث نعيم السهيل ابن أخ شيخ قبيلة تميم في العراق، موضحة أن الزرفي يحظى بتأييد أوسع داخل الأوساط الشيعية.
وحتى وقت متأخر من مساء الاثنين، كانت بورصة المرشحين تتحرك وقائمة الأسماء تتغير. فبعدما وردت أنباء عن أفضلية يتمتع بها الكاظمي على منافسيه، ذكرت أنباء متأخرة أن حظوظ نعيم السهيل باتت أقوى، وأن المنافسة انحصرت بينه وبين الزرفي، بعد الاعتراض الإيراني القوي على تكليف رئيس جهاز المخابرات بتشكيل الحكومة الجديدة.
وأصر الرئيس صالح على إعلان اسم المكلف، قبل انتصاف ليلة الاثنين على الثلاثاء، كي لا يتورط في خرق دستوري.
ويعكس انحسار الخيارات بين الكاظمي والزرفي والسهيل، المتهمين بميولهما نحو الولايات المتحدة والخليج على حساب إيران، عمق الأزمة السياسية التي تعاني منها الأحزاب الشيعية الموالية لطهران، بعدما فشلت في تمرير جميع مرشحيها، ما يجسّد تراجع تأثيرها بشكل كبير.
لكن الجزم بأن رئيس الوزراء العراقي الجديد سيعمل خارج العباءة الإيرانية في المرحلة القادمة، هو ضرب من الخيال، في بلد تمسك طهران بمعظم خيوطه السياسية والاقتصادية والأمنية.
ويرى مراقبون في صعود شخصية بعيدة عن المزاج الإيراني إلى أعلى هرم السلطة العراقية، مؤشرا على مرحلة يتوازن فيها نفوذ واشنطن وطهران داخل العراق، بعد سنوات من هيمنة الأخيرة على القرار السياسي في هذا البلد.
وبعد اعتذار علاوي عن تشكيل الحكومة مطلع الشهر الجاري، ذهبت الكتل الشيعية السبع وهي سائرون التي يرعاها مقتدى الصدر والفتح بزعامة هادي العامري وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي وتحالف النصر بزعامة حيدر العبادي والنهج الوطني بزعامة عمار طعمة وحركة العطاء بزعامة فالح الفياض، إلى خيار الاصطفاف الطائفي لضمان تمرير رئيس وزراء متفق عليه شيعيا.
وعقد ممثلو الأحزاب والكتل السبع سلسلة اجتماعات لمناقشة فرص العديد من المرشحين، أبرزهم المسؤول البارز في رئاسة الجمهورية نعيم السهيل.
ويوم الأحد، ورد من كواليس الاجتماعات السباعية أن حظوظ السهيل وافرة، قبل أن يتضح يوم الأحد أن التوافق لم يحدث.
من جهته، أعلن زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، الانسحاب من المفاوضات السباعية لاختيار رئيس الوزراء الجديد بسبب “حسابات سياسية لا تأخذ بنظر الاعتبار المصلحة العليا للعراق والعراقيين، ولا تراعي الظروف الحالية التي تمر بها البلاد”.
وقال الحكيم الاثنين، “قررنا أن لا نتدخل في مهمة اختيار أسماء المرشحين لمنصب رئيس الوزراء للمرحلة الانتقالية بعد الآن”، وأضاف أن “دخول تيار الحكمة كان لإيجاد مخرج للانغلاق السياسي وتعطيل مصالح الناس ليس إلاّ”.
وختم الحكيم بتجديد موقفه “المطالب بأن تنحصر مهمة المرشح القادم في إطار إعادة هيبة الدولة والتهيؤ لإجراء الانتخابات المبكرة خلال هذا العام”.
وقال نائب رئيس الوزراء السابق، بهاء الأعرجي، الاثنين إن “بعض القيادات السياسية وصلت إلى حد لا يصدق من عدم المبالاة في مثل هذه الظروف الصعبة والحرجة التي يمر بها عراقنا وشعبه”.
وأضاف “اقترح أحدهم الاتفاق مع أحد المرشحين على قبول التكليف ثم الاعتذار عنه بهدف كسب 15 يوما مرة أخرى، وبذلك يتوفر وقت إضافي لاختيار رئيس وزراء يُتّفق عليه”.
ويكشف رد فعل ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي على فشل مفاوضات اختيار رئيس الوزراء، عن طبيعة المواقف المتصلبة التي تتخذها الأحزاب الشيعية الموالية لإيران كلما تعلق الأمر برئاسة السلطة التنفيذية.
وقال ائتلاف المالكي الاثنين، “رغم عدم التوصل إلى مرشح مستقل تجمع عليه القوى السياسية السبع، إلا أننا لن نتخلى عن مسؤوليتنا في إدامة زخم الحوار مع إخواننا في الكتل لتقريب وجهات النظر، من أجل الوصول بإذن الله إلى مرشح نعتقد فيه كفاءة وقدرة على النهوض بالمهمة، ونقف خلفه ومعه في مواجهة التحديات”، مشددا على رفضه “صدور التكليف لأيّ مرشح قبل حصول توافق حوله”.
العرب