فيروس كورونا أسوأ فشل استخباري في تاريخ أمريكا.. أسوأ من بيرل هاربر و9/11

فيروس كورونا أسوأ فشل استخباري في تاريخ أمريكا.. أسوأ من بيرل هاربر و9/11

ناقش مايكا زينكو في مجلة “فورين بوليسي” أن فيروس كورونا هو أسوأ فشل استخباري في تاريخ الولايات المتحدة. وقال إنه فشل أسوأ من هجمات اليابان على بيرل هاربر في الحرب العالمية الثانية وهجمات القاعدة في 11 أيلول (سبتمبر) 2001.

وبدأ بالإشارة لمقابلة أجراها مرة مع نائب مدير شركة في واشنطن عمل لمدة طويلة سابقا في المخابرات، وسأله عن المخاطر التي تثير اهتمامه: “أي شيء يثير قلقك؟” وأجاب بدون تردد: “فيروس معد بدأ في مكان ما بالصين وانتشر بسرعة”.

وشرح نائب المدير التنفيذي الذي لشركته فروع في شرق آسيا الخطوات الوقائية التي اتخذتها الشركة لاحقا للتخفيف من أثر الفيروس. ومنذ بداية انتشار فيروس كورونا المستجد في كل أنحاء العالم تذكر زينكو حساب المخاطر الدقيق الذي قدمه هذا المسؤول، مقارنة مع القادة السياسيين الذين ينقصهم الإنضباط للقيام بتقييم روتيني للمخاطر التي تلوح بالأفق، وهناك عدد قليل جدا منهم من يستطيع إعداد الخطط الضرورية الطارئة.

والأندر من بين القادة هو القائد الذي يستطيع التنبؤ مقدما والتحديد بدقة الخطر الأكبر مقدما ويطور وينفذ خطة لمواجهته. ويكفينا القول إن إدارة دونالد ترامب فشلت بالكامل في بالتعامل بجدية مع التحذيرات المتكررة من المجتمع الأمني حول انتشار فيروس كورونا وتطوير رد وطني واسع ومبادرات تتناسب مع التهديد المتوقع.

ولدى الحكومة الفدرالية وحدها السلطة والمصادر لقيادة القطاع العام والمساهم ممن له علاقة لمواجهة الضرر المتوقع الذي يمثله الفيروس. ولسوء الحظ قام المسؤولون في إدارة ترامب بإصدار سلسلة من الأحكام التي قللت من مخاطر كوفيد- 19. واتخذوا قرارات رفضوا فيها التحرك بما يقتضيه الوضع الطارئ وهو ما عرض أمريكا للخطر وجعلها أقل أمنا.

وباختصار يقول زينكو إن إدارة ترامب جرّت كارثة مفاجئة على الشعب الأمريكي. وعلى خلاف المفاجآت الإستراتيجية السابقة من بيل هاربر والثورة الإيرانية عام 1979 وهجمات 9/11 ، فالأزمة الحالية جلبت معها لامبالاة وتجاهلا.
ففي الوقت الذي أشارت فيه لجنة التحقيق في هجمات 9/11 إلى مسؤولية إدارة رونالد ريغان إلى إدارة جورج دبليو بوش، فإن الأزمة الحالية هي مسؤولية الإدارة الحالية في البيت الأبيض.

ففي الفصل الثامن من تقرير لجنة 9/11 تحت عنوان” كان النظام يرمز للأحمر” واقتبس من مدير “سي آي إيه” السابق جورج تينيت والذي تحدث عن إشارات عدة نقلتها المخابرات، صيف 2001 عن حتمية هجوم في داخل الأراضي الأمريكية.

ورغم التحذيرات والجهود المحمومة من مسؤولي مكافحة الإرهاب، إلا اللجنة توصلت قائلة: “ليست لدينا إلا أدلة قليلة عن إرباك الحكومة لتقدم المؤامرة، ولم يعد هناك وقت”.

وفي الأسبوع الماضي نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أشارت فيه للتحذيرات التي قدمها المجتمع الاستخباراتي إلى البيت الأبيض في كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) بشأن فيروس كورونا. ولم تترك التحذيرات إلا أثرا قليلا على المسؤولين البارزين في الإدارة، والذين تأثروا بقرار دونالد ترامب المتكرر عن الفيروس، بدءا من 22 كانون الثاني (يناير) “نحن مسيطرون وبشكل كامل، وهو شخص جاء من الصين وقد وضعناه تحت الرقابة وكل شيء سيكون على ما يرام”.

ومع مرور الوقت، فإن هناك ملامح واضحة عن أسلوب قيادة ترامب والتي أدت إلى تدهور الوضع الذي يواجه أمريكا بسبب فيروس كورونا. الأول هو أنه عندما يؤمن بشيء، حتى لو كان غير صحيح وقائم على معلومات خاطئة، فسيظل متمسكا برأيه الأول.

وعادة ما يتسم القادة بالغرور ولديهم ثقة زائدة بالنفس. وبالنسبة للكثيرين منهم، فوصولهم إلى أعلى منصب في البلد دليل على حكمتهم. إلا أن القادة الأذكياء عادة ما يبحثون عن النصيحة ويقبلون النقد ويغيرون مواقفهم، وبالنسبة لترامب فهو يفتقد لكل هذه القدرات.

الملمح الثاني، أحكام ترامب لها خاصية العدوى والانتقال وإصابة تفكير وسلوك كل مسؤول أو مستشار يتصل بحامل الحكم الأول. ويحيط ترامب نفسه بأشخاص يستطيعون التفكير ويتصرفون بناء على هذا، إلا أن تعليقاته سيئة السمعة يمكن نقلها وإعادة إنتاجها من القادة العسكريين والأمنيين ورجال الأعمال البارزين، وأي شخص لا يقلد ما يقوله الرئيس مثل الببغاء، يتم عزله أو يتم تسريب معلومات أن عزلهم بات قريبا، كما في التقارير الأخيرة عن عدم تحمل الرئيس، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية أنطوني فوشي.

الثالث، عادة ما تلوث الأحكام الخاطئة والفقيرة للرئيس كل أجهزة صناعة القرار في الحكومة الفدرالية وبدون مقاومة أو مساءلة منطقية لها. وفي العادة ما يقود المؤسسات الفدرالية أشخاص يعتقد البيت الأبيض أنهم قادرون على تنفيذ السياسات. وكان هؤلاء المسؤولون لديهم هامش من الإستقلالية ولكن ليس في عهد ترامب.

وحتى المنظمات غير الحزبية مثل الأمن القومي والمخابرات باتت مليئة بأشخاص يدعمون البيت الأبيض بدلا من تميزهم بالخبرة والتجربة التي يحتاجها هذا العمل للوقوف أمام القرارات المثيرة للقلق. ونتيجة لهذا فقد فشل النظام بإعلام الرئيس رغم الإشارات الحمراء التي كانت تتردد.

وفي نفس تقرير “واشنطن بوست” نقلت ما قاله مسؤول لم يكشف عن هويته: “ربما لم يتوقع ترامب هذا، إلا أن الكثير من المسؤولين في الحكومة كانوا على معرفة بالوضع لكنهم لم يستطيعوا إخباره، رغم أن الإشارة التي كان يرسلها النظام كانت حمراء”.

فبعد استنتاج ترامب أن الفيروس لن يمثل تهديدا على الولايات المتحدة، فلن يغير رأيه مهما قال له المسؤولون من الإستخبارات أو خبراء الصحة وعلم الأوبئة. وقال مستشار الأمن القومي السابق هنري كيسنجر مرة: “لقد حذرتموني ولكنكم لم تقنعوني”.

ولكن رئيسا لا يقنعه إلا حدسه من الصعب إقناعه. وفي النهاية سيكون انفصام البيت الأبيض وعدم لا مبالاته في المراحل الأولى من انتشار وباء فيروس كورونا من أكثر القرارات كلفة التي قام بها أي رئيس في تاريخ أمريكا الحديثة.

وكان لدى المسؤولين تحذيرات واضحة حول التقدم والنقاط الحيوية لاتخاذ قرار، وأنه يجب تحضير البلاد. و”يجب علينا ألا ننسى الطريقة التي ضيعوا فيها هدايا بعد النظر أو سبب الإهمال: وكان ترامب منذ البداية مخطئا ولهذا قررت الدائرة الضيقة حول نشر أخطائه وكلامه الخطابي وتطبيق سياسات غير دقيقة، وحتى اليوم فستدفع أمريكا الثمن ولعقود قادمة”.

قدس عربي