ناشد قبطان حاملة الطائرات النووية “تيودور روزفلت”، التي أصيب ما يزيد عن مئة من بحارتها بفيروس “كورونا المستجد”، قادة البحرية الأميركية تأمين الموارد اللازمة لعزل طاقم سفينته بالكامل تجنباً لحدوث أي وفيات جراء “التدهور السريع” للموقف على متن سفينته.
النداء غير المعتاد الذي أطلقه القبطان بريت كروزييه، الذي ينحدر من مدينة سانتا روزا بولاية كاليفورنيا، كشفت عنه صحيفة “ذي سان فرنسيسكو كرونيكل” حصريا، وأكده لها ضابط كبير موجود على متن “تيودور روزفلت” التي ترسو حالياً في أحد أرصفة جزيرة غوام، بعدما تفشى فيروس “كورونا المستجد” في صفوف طاقمها قبل أسبوع من اليوم. وبعد ساعات من تسرب خبر النداء، تداولت منصات إخبارية أخرى معلومات حول تفشي فيروس كورونا في صفوف بحارة حاملة طائرات ثانية هي “رونالد ريغان” التي تعمل في نفس نطاق “تيودور روزفلت” ضمن أسطول المحيط الهادي.
لا ضرورة لرؤية جنودنا يموتون
وكتب قبطان حاملة الطائرات النووية “تيودور روزفلت”، التي يتجاوز تعداد طاقمها الأربعة آلاف فرد، في ندائه: “أعلم أن تأمين الموارد اللازمة (لمكافحة تفشي كورونا) يتطلب قراراً سياسياً رفيعاً، ولكن هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله. نحن لسنا في حالة حرب، ولا ضرورة لرؤية جنودنا يموتون. إن لم نتحرك الآن، فسنفشل في الاحتفاظ بأصولنا الأكثر ثقة: بحارتنا”.
وأوضح كروزييه في رسالته المؤلفة من أربع صفحات والموجهة إلى كبار القادة العسكريين في البحرية الأميركية، إنه تم إجلاء حفنة صغيرة من البحارة الذين أصيبوا بالفيروس، فيما لا يزال معظم أفراد الطاقم على متن السفينة، حيث يستحيل علينا اتباع الإرشادات الرسمية الخاصة بالحجر الصحي والتباعد الاجتماعي التي يجب أن تمتد لـ14 يوما. وكتب كروزييه “جراء محدودية المساحات في سفينتنا الحربية، لا يمكننا فعل ذلك. المرض ينتشر بشكل مستمر ومتسارع”. وطالب قائد الحاملة بتأمين “غرف حجر صحي متوافقة مع المعايير الطبية” لطاقمه بالكامل، وتشييدها على شواطئ جزيرة غوام “في أقرب وقت ممكن”. وقال كروزييه إن “إفراغ حاملة طائرات نووية أثناء انتشارها من غالبية طاقمها، وعزلهم مدة أسبوعين قد يبدو بالفعل إجراءً إستثنائياً.. لكنه مخاطرة محسوبة. ذلك إن إبقاء أكثر من 4000 شاب وشابة على متن “تيودور روزفلت” يمثل خطرا لا داعي له، ويكسر جدار الثقة مع البحارة الذين ائتمنونا على رعايتهم”.
وتجسد أزمة “تيودور روزفلت” كارثة متحركة للبحرية الأميركية، وتسلط الضوء على المخاطر التي قد يتعرض لها البنتاغون إذا تمكنت جائحة كورونا من التسلل إلى بعض أهم أصوله، مثل أسراب قاذفاته النووية بعيدة المدى وغواصاته ووحدات عملياته الخاصة النخبوية وأيقونة قوته العسكرية: مجموعات حاملات الطائرات.
إشكالية العزل
وكشف مسؤول في البحرية الأميركية في بيان صدر أمس، أن قائد حاملة الطائرات تيودور روزفلت “نبه قيادة أسطول المحيط الهادي مساء الأحد من تعاظم التحديات لعزل الفيروس، ودعاها إلى إسكان المزيد من أفراد الطاقم في مرافق تسمح بعزل أفضل”. وتابع البيان “إن قيادة أسطول المحيط الهادي تتحرك بسرعة لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان صحة وسلامة طاقم الحاملة “تيودور روزفلت”، وتتابع الخيارات المختلفة لمعالجة المخاوف التي أثارها الضابط القائد”. وتتمثل إشكالية العزل في “تيودور روزفلت” وغيرها من السفن الحربية الأخرى، في استحالة وضع مسافة اجتماعية كافية بين البحارة لوقف انتشار فيروس “كورونا المستجد”. فأماكن المعيشة لدى هذه السفن وممراتها ومداخلها ضيقة، في ما تشكل الحمامات والكافيتريات مناطق مشتركة.
ولم تظهر حتى الآن، أي أعراض خطيرة على بحارة “تيودور روزفلت” المصابين. لكن عدد أولئك الذين ثبتت إصابتهم، قفز بشكل كبير، منذ أن أبلغت البحرية عن إصابة ثلاثة من أفراد طاقمها يوم الثلاثاء 24 مارس (آذار) الماضي، وهي المرة الأولى التي تم الكشف فيها عن إصابات بفيروس “كورونا المستجد” داخل سفينة في مهمة بعرض البحر. وأوضح مسؤولون عسكريون بارزون الأسبوع الماضي أن طاقم “تيودور روزفلت” بأكمله، الذي يزيد على 4000 فرد سيخضع للاختبار.
وتعليقاً على هذه الأنباء، أعرب توماس مودلي، وزير البحرية بالإنابة، عن ثقته في تحديد جميع البحارة الذين كانوا على تماس مع البحارة الثلاثة الذين أصيبوا في بداية الأمر وتم عزلهم جميعا. وأوضح مودلي: “هذا مثال على قدرتنا إبقاء سفننا منتشرة في أعالي البحار، حتى في ظل وجود حالات كورونا نشطة”. ودافع مودلي عن قرار السفينة الرسو في وقت سابق بأحد موانئ فيتنام على الرغم من انتشار كورونا عبر آسيا. وقال إنه عند ذاك، كانت حالات الإصابة بفيروس “كورونا المستجد” في فيتنام أقل من 100 حالة تركزت جميعها في شمال البلاد حول هانوي.
من جهتها، ذكرت صحيفة “ذي سان فرنسيسكو كرونيكل”، وفقاً لمصادرها الخاصة، أنه بحلول يوم الجمعة 27 مارس (آذار) الماضي، أي عندما وصلت “تيودور روزفلت” إلى ميناء غوام، كان عدد الحالات قد وصل إلى 25، ثم ارتفع إلى 36 بعد يومين من ذلك.
نأخذ التهديد على محمل الجد
ورد الأدميرال مايك جيلداي، رئيس عمليات البحرية الأميركية، على الأعداد المتزايدة للإصابات في أواخر الأسبوع الماضي بقوله إن البحرية تأخذ “هذا التهديد على محمل الجد، وهي تعمل على عزل الحالات الإيجابية لوقف الانتشار”. ووعد الأدميرال بزيادة معدلات الاختبار وبعزل البحارة المصابين. وشدد على أن الأولوية القصوى الآن هي رعاية البحارة والحفاظ على “التأهب والجاهزية لتنفيذ المهام”، وقال “نحن واثقون من أن رد فعلنا الحاسم تجاه الفيروس سيُبقي حاملة الطائرات تيودور روزفلت قادرة على الاستجابة لأي أزمة في المنطقة”. لكن ضابطا كبيرا على متن حاملة الطائرات تيودور روزفلت، رفض الكشف عن هويته لأنه غير مصرح له التحدث إلى وسائل الإعلام، قال إن نتائج اختبار ما بين 150 و200 من طاقم الحاملة جاءت إيجابية يوم الاثنين الماضي. وأوضح المصدر نفسه أنه لم يتم إدخال أي من هؤلاء المصابين إلى المستشفى بعد.
ويقول كروزييه في رسالته إلى قيادة البحرية الأميركية، إنه “لو كانت “تيودور روزفلت” تعمل في زمن الحرب، فإنها كانت ستواصل عملياتها بيد وتحارب المرض بالأخرى بأفضل ما يمكنها. لكننا لسنا في حالة حرب، وبالتالي لا يمكننا السماح بوفاة بحار واحد نتيجة لهذا الوباء دون داع. المطلوب اتخاذ إجراءات حاسمة الآن من أجل الامتثال لتوجيهات البحرية ومراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، لتجنب النتائج المأساوية قدر الإمكان”.
نداء نادر من قائد كبير
ويعلق لورنس كورب، مساعد وزير الدفاع السابق في عهد رونالد ريغان، على نداء كروزييه قائلاً “إنه أمر نادر بالنسبة لقائد حاملة طائرات أن يكتب مثل هكذا نداء”؛ فهو شخص عادة ما يكون على سكة مسار وظيفي ليصبح أميرالاً. يضيف كورب، قائد البحرية المتقاعد الذي أصبح الآن كبير الزملاء في مركز أبحاث التقدم الأميركي: “يُظهر النداء أن هذا الضابط وضع رفاهية بحارته قبل حياته المهنية”.
وكان الأدميرال جيلداي قال للصحفيين الأسبوع الماضي إنه من غير الواضح ما إذا كان البحارة أصيبوا بالعدوى في أوائل مارس بعد زيارتهم ميناء دا نانغ بفيتنام. فقد تم فحصهم قبل عودتهم إلى “تيودور روزفلت”. ويقول مسؤولون في البحرية إن اختبارات البحارة الثلاثة الأول لم تظهر إيجابية إلا بعد مرور 15 يوما على مغادرتهم فيتنام.
وقتذاك، بات من الصعب احتواء فيروس “كورونا المستجد” على متن حاملة الطائرات. وتوصي المبادئ التوجيهية الفدرالية والعسكرية في هذا الحال بالحجر الصحي الفردي، بما في ذلك الامتناع عن استخدام المناطق المشتركة. وبهذا الصدد كتب كروزييه يقول: “نظرا للمساحات الضيقة للسفينة الحربية والعدد الحالي للحالات الإيجابية المصابة بالفيروس، يجب اعتبار كل بحار على متن تيودور روزفلت بغض النظر عن رتبته، على اتصال وثيق بزملائه”. وأوضح أن المساحات الضيقة لحاملة الطائرات “ملائمة كثيراً لانتشار الفيروس”، جراء تواجد أعداد كبيرة من البحارة في مكان ضيق، وأماكن النوم المشتركة، والاستراحات العامة، وغرف العمليات الجماعية، وقاعة صلاة الجماعة، والوجبات المطبوخة من قبل أفراد معرضين، ومناطق العبور التي تتطلب الاتصال الجماعي مثل السلالم والفتحات. ووصف كروزييه الاستراتيجية المتبعة الآن، والقائمة على نقل مجموعة صغيرة مصابة إلى رصيف الميناء وتكثيف عمليات التنظيف ومحاولات التباعد الاجتماعي، بأنها “غير فعالة”. وكتب “الاستراتيجية الحالية ستبطئ الانتشار فقط. إن الخطة الحالية قيد التنفيذ على متن تيودور روزفلت لن تقضي على كورونا ضمن أي جدول زمني”.
المطلوب سفينة نظيفة
وقارن قائد “تيودور روزفلت” وضع حاملة طائراته، بسفينة “دياموند برنسيس” السياحية التي باتت تعرف عالمياً بـ”السجن العائم”، مستشهداً بدراسة تحدثت حول ما كان يمكن أن يحدث لهذه السفينة لو لم يتم إجراء أي عزلة لركابها. فقد وجدت الدراسة أن العزلة المبكرة أنقذت 80 بالمئة من ركاب وطاقم السفينة، وأنه لو تم إخلاء السفينة فور حدوث الإصابات الأولى لتم تخفيض الإصابات بشكل هائل. ويقول كروزييه إن وضع “تيودور روزفلت” يمكن أن يكون أسوأ من ذلك، ذلك أن السفينة الحربية غير مصممة لتوفير بيئة العزل المرفهة التي توفرها غرف وكبائن نزلاء السفينة دايامنود السياحية. وكتب “بالنظر إلى بيئتها الحالية، فإن أفضل النتائج التي قد تحققها تيودور روزفلت ستكون على الأرجح أسوأ بكثير من دياموند برنسيس”.
وفي ما يتعلق بالاختبارات الواعدة التي جرت لجميع أفراد الطاقم على متن حاملة الطائرات الأسبوع الماضي، قال كروزييه إنها ليست حلاً، “إذ ليس للاختبارات أي تأثير مباشر على انتشار فيروس كورونا. إنها تقول لنا فقط أن الفيروس موجود”. وكتب القبطان أنه يجب إجراء اختبارات كورونا بعد 14 يوما من الحجر الصحي، لضمان عدم عودة أي بحار مصاب إلى ظهر السفينة النظيفة.
ويقول كروزييه إنه لو ركزت البحرية الأميركية على الاستعداد للمعركة فقط، فسوف يؤدي ذلك إلى “وقوع خسائر جراء الفيروس”. أما الخيار الثاني، الذي يوصى به قائد الحاملة فهو: “تأمين سفينة خالية من كورونا، عن طريق تنظيفها بشكل منهجي، مع عزل طاقمها في الميناء بعد تأمين كمية هائلة من معدات الإقامة الفردية. وكجزء من خطته، سيُبقى كروزييه 10 بالمئة من طاقم حاملة الطائرات على متنها لتأمين استمرارية تشغيل مفاعلها النووي، ولتعقيم السفينة، وضمان سلامتها، والاستجابة لأي تدبير في حالة الطوارئ. وختم كروزييه نداءه: “بما أن الحرب ليست وشيكة، فإننا نوصي بمعالجة المسألة كما لو كنا في حالة سلام”.
محمد طاهر
اندبندت عربي