رفضت إيران العرض الأميركي لمساعدتها في مواجهة وباء كورونا مدعية أن العرض “الخبيث” ليس سوى لعب على الحبال، وهو استمرار للمؤامرة التي تهدف إلى النيل من صمود الشعب الإيراني وثورته وجبهة المقاومة.
في مقابل ذلك العرض تقدم أحد رموز النظام الإيراني بعرض تقوم من خلاله إيران بمد يد المساعدة للشعب الأميركي بعد أن أثبتت الأجهزة الحكومية الأميركية عجزها عن الحدّ من انتشار وتأثير الفايروس.
لعبة عبثية أخرى يمزج النظام الإيراني من خلالها ما هو سياسي بما هو إنساني. ذلك لأنه يراهن على أن ازدياد أعداد الموتى بتأثير الوباء سيدفع بالمجتمع الدولي إلى الضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. تلك عملية ابتزاز على درجة كبيرة من السذاجة والغباء.
سيكون واضحا بالنسبة للمجتمع الدولي أن ذلك النظام تخلى عن حماية شعبه، وفضل أن يقدم مصالحه السياسية على مصير ذلك الشعب
فالولايات المتحدة التي عرضت مساعدة إيران لأسباب إنسانية، فرضت في الوقت نفسه عقوبات جديدة على مؤسسات وأشخاص لهم صلة بالنظام الإيراني. ذلك فصل لا ترغب القيادة الإيرانية في التوقف أمامه وتأمله.
ما يحدث في إيران على مستوى تداعيات انتشار الوباء يحدث في كل مكان على سطح الكرة الأرضية. ما من بلد استثنى الفايروس شعبه من هجومه الشرس، بل إن الولايات المتحدة نفسها صارت تتصدر قائمة الدول من حيث عدد الإصابات بالمرض الغامض.
لذلك فإن المجتمع الدولي الذي تأمل إيران في أن يقوم بالضغط على الولايات المتحدة من أجل رفع العقوبات عنها لا يمكنه في هذه اللحظة الالتفات إلى مسألة سياسية، غاية في التعقيد، لم يكن متحمسا للتدخل من أجل حلها في الظروف الطبيعية. فكيف به اليوم وهو يواجه أزمة عالمية تتعلق بالمصير البشري الذي اهتزت القناعات في صلابته كما لم تهتز في أي وقت عصيب سابق. إيران تلعب وحدها في منطقة لا تقع عليها الأبصار.
العناد الإيراني الذي يقف وراء طرد منظمة أطباء بلا حدود باعتبار أعضائها جواسيس لا يُعدّ مؤشرا على الشعور بالمسؤولية. ما صار واضحا أن إيران لا ترغب في أن يطّلع العالم على حجم خسائرها البشرية، وهي عاجزة في ظل الضوابط والشعارات العقائدية عن التعرف على حقيقة ما يجري في العالم من حولها ومن ثم التعريف بما يحدث داخلها بطريقة شفافة.
هناك سوء فهم يدفع بالنظام الإيراني إلى اعتبار معركة كورونا جزءا من الحرب القائمة بينه وبين العالم. وهو ما يمكن أن يقود إلى استنتاجات لا تدعو إلى التفاؤل. ذلك لأن الوباء سيفتك بالإيرانيين إذا بقي النظام مصرا على البقاء خارج المنظومة الصحية الدولية.
التعامل مع وباء كورونا باعتباره ظاهرة سياسية ستدفع الشعوب الإيرانية ثمنه الباهظ بما لا يمكن تعويضه حتى لو تم في وقت لاحق رفع العقوبات الأميركية وهو أمر من الصعب توقعه.
كان على حكام إيران أن يفهموا في وقت مبكر أن السياسة ليست كل شيء. وإذا كانت لديهم حنكة سياسية، وهو واحد من أوهامهم، فقد كان يجب عليهم أن يركنوا خلافاتهم السياسية مع العالم جانبا مندفعين إلى استغلال الكارثة من أجل أن تستعيد إيران موقعها في العالم.
أما الاستخفاف بأرواح الإيرانيين واعتبارها بضاعة في مزاد سياسي دولي فهي محاولة رخيصة وغبية ستزيد من متاعب النظام الإيراني باعتباره عدوا للحياة البشرية وداعية موت مجاني وباحثا عن المنافع التي يتوقع أن يجنيها من وراء المسيرات الجنائزية.
سيكون واضحا بالنسبة للمجتمع الدولي أن ذلك النظام تخلى عن حماية شعبه، وفضل أن يقدم مصالحه السياسية على مصير ذلك الشعب. ذلك ما لا يُنسى في ظل ما يشهده العالم من عودة إلى قيم التكافل والتعاون العابرة للعقائد.
كان هناك أطباء من كوبا والصين الشيوعيتين في مختلف أنحاء العالم الغربي، فيما فتحت دول ثرية أبواب الهجرة لأطباء قادمين من مختلف أنحاء العالم. وهو ما لم تتعلم منه إيران شيئا.
العرب