تدخل أسواق النفط خلال الشهر الحالي فترة انهيار غير مسبوق للطلب، مع زيادة غير محدودة في العرض، وهو ما يفتح الباب أمام تحولات لصناعة النفط تستمر سنوات مقبلة.
ووفق تقديرات مجموعة من أهم خبراء أسواق الطاقة في العالم، من المنتظر تراجع الاستهلاك العالمي للنفط خلال الشهر الحالي بما يتراوح بين 15 و 22 مليون برميل يوميا، مقارنة بمستوى الاستهلاك خلال الشهر نفسه من العام الماضي. وأدى انهيار الطلب على منتجات النفط إلى خفض الطاقات التشغيلية لمصافي التكرير في العالم. كما أوقفت شركات التنقيب عن النفط العديد من منصات الإنتاج، وتكاد خزانات الخام في مختلف أنحاء العالم تمتلئ إلى أقصى سعتها. ويقول جيفري كوري ودميان كورفالين وغيرهما من المحللين في بنك «غولدمان ساكس» الاستثماري الأمريكي أن المرحلة الحالية التي تمر بها صناعة النفط العالمية «ستكون بمثابة عامل التغيير لقواعد اللعبة في الصناعة». ويضيفون «من المستحيل استمرار هذا التراجع الكبير في الطلب دون تعديلات كبيرة ومستمرة على العرض».
وكان تراجع الطلب على الخام قد اشتد نتيجة ضخ الحليفين السابقين في تجمع «أوبك+»، وهما السعودية وروسيا، لكميات ضخمة من النفط في صراعهما على الحصص السوقية، وهو ما أدى إلى زيادة الضغوط على قطاع الشحن والناقلات والخزانات وخطوط أنابيب النفط.
وحسب تقديرات مُحلِّلو «غولدمان ساكس»، يتم ضخ حوالي 20 مليون برميل يوميا إلى مستودعات التخزين، في حين تتوقع مؤسسة «آي.إتش.إس ماركِت» للاستشارات الاقتصادية امتلاء كافة مستودعات التخزين البرية في العالم بحلول منتصف العام. وتقول مصادر في قطاع الشحن البحري أن متعاملي النفط يخزنون ما يصل إلى 80 مليون برميل من الخام على متن ناقلات في البحر، بينما يسعون لمزيد من السفن في ظل امتلاء مواقع التخزين البرية سريعا جراء تخمة معروض عالمية يعتقد أنها الأكبر في التاريخ. كانت المرة السابقة التي يبلغ فيه المخزون العائم مستويات مماثلة في 2009، عندما خزّن المتعاملون أكثر من 100 مليون برميل في البحر قبل أن يشرعوا في تصريفها.
يوجد أكثر من 770 ناقلة عملاقة في العالم تصل حمولة كل منها إلى مليوني برميل. وتُقدِّر المصادر الملاحية أن ما بين 25 إلى 40 ناقلة يجري استخدامها حاليا للتخزين العائم. وعادة ما تتركز مواقعها في خليج المكسيك وسنغافورة، حيث توجد مراكز رئيسية لتجارة النفط.
وبالمقارنة، لم يكن عدد الناقلات العملاقة المستخدمة في التخزين يصل إلى عشر ناقلات في فبراير/شباط الماضي.
وكانت أنباء سابقة قد أفادت أن السعودية ترسل كميات كبيرة من النفط الخام لتخزينها في خزّانات يبرية في مصر استعدادا لبدء زيادة الصادرات السعودية من النفط إلى أوروبا، مشيرة إلى أن السعودية أرسلت إلى مصر حوالي 1.3مليون برميل يوميا منذ بداية الشهر الماضي، وهو أعلى معدل لها خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
ووفقا لأسعار النفط في الأسواق العالمية حاليا، فإنه مع التخفيضات التي أقرتها السعودية لأسعارها، يمكن أن تباع بعض درجات الخام السعودية في أسواق أوروبا بنحو 10 دولارات للبرميل، مع ارتفاع صادراتها من حوالي 7 ملايين برميل يوميا خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من مارس/آذار الماضي إلى حوالي 9 ملايين برميل يوميا في الأسبوع الرابع من الشهر. ويُقدِّر محللون أن الشهر الحالي سيكون الأسوأ بالنسبة للطلب العالمي على وقود الطائرات، في حين تتوقع مؤسسة «إف.جي.إي» للاستشارات تراجع استهلاك البنزين في الولايات المتحدة بنسبة 50% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وتتوقع شركة «إنرجي أسبكتس ليمتد» للاستشارات تراجع سعر خام برنت القياسي إلى حوالي 10 دولارات للبرميل وهو مستوى لم يصل إليه السعر منذ حوالي عشرين عاما.
وسيؤدي انهيار الأسعار وزيادة المعروض في سوق النفط العالمية في الشهر الحالي إلى استمرار خسائر السوق في الربع الثاني من العام، كما يمكن أن يدفع بعض الشركات المنتجة إلى حافة الإفلاس ويضرب استقرار بعض حكومات العديد من الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك». ومن غير المحتمل حدوث تعاف لأسعار النفط على المدى القريب، حيث توقع حوالي 70% من 130 محللا استطلعت وكالة بلومبرغ للأنباء آراءهم استمرار سعر خام برنت دون 30 دولارا للبرميل بحلول يونيو/حزيران المقبل، أي قبل موعد الاجتماع المقرر لدول «أوبك».
ومع غلق أكبر اقتصادات العالم بسبب تفشي وباء كورونا، فإن احتمالات حدوث تعاف للطلب على النفط في المدى القريب تصبح ضعيفة، خاصة في ظل مواصلة السعودية وروسيا زيادة إنتاجهما لتعزيز حصتيهما في السوق العالمية.
ويقول محللو بنك «غولدمان ساكس» أنه في حين ستؤدي أزمة أسعار النفط الحالية إلى إعادة هيكلة لصناعة الطاقة التي يحتاجها القطاع بشدة في نهاية المطاف، فإن الضغوط المطالبة بالحد من استهلاك الوقود الكربوني يمكن أن تعرقل تعافي الأسعار عندما يتحسن الطلب مرة أخرى على النفط. ويقول بن لوكوك، الرئيس المشارك لمجموعة «ترافيغورا غروب» لتجارة السلع الأولية، أن تراجع الطلب العالمي الحالي على النفط غير مسبوق، وأن صدمة بهذا الحجم ستتجاوز أي محاولة للسيطرة على العرض بما في ذلك أي قرار من جانب منظمة «أوبك» بخفض الإنتاج كما كانت تفعل المنظمة في مثل هذه الظروف.
القدس العربي