التصعيد الأميركي الإيراني في العراق: الإجراءات على الأرض تتعدى المألوف

التصعيد الأميركي الإيراني في العراق: الإجراءات على الأرض تتعدى المألوف

على خلاف ما تحاول قوى سياسية ومسؤولون عراقيون الإيحاء به من أنّ تصعيد الولايات المتحدة من لهجتها والتهديدات المستمرة باستهداف من تصفهم بـ”وكلاء طهران” في العراق، له علاقة بمفاوضات تشكيل الحكومة العراقية، ومساعي واشنطن لدفع الأطراف المختلفة للقبول برئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي، فإنّ ثمة تحركات جدية على الأرض تشي بأنّ جميع الأطراف، بما فيها الحكومية، تترقب هجمات أميركية وشيكة على فصائل وجماعات مسلحة مدعومة من طهران.
حكومة تصريف الأعمال العراقية برئاسة عادل المهدي، والتي تخوض، منذ أيام، مهمة تبدو فرصها في النجاح مساوية تماماً لفشلها، تتعلق بإقناع الفصائل المسلحة بوقف الهجمات الصاروخية على المصالح الأميركية والقواعد التي تتواجد في داخلها، سمحت أخيراً لعدة فصائل بإيداع صواريخ متوسطة وأسلحة نوعية لها في قواعد عسكرية رسمية تابعة للجيش العراقي، في محاولة لتجنيبها القصف الأميركي المحتمل.

وخلال أقل من شهر، ظهرت على الساحة العراقية جماعتان مسلحتان جديدتان، أطلقت الأولى على نفسها “عصبة الثائرين”، والثانية “أصحاب الكهف”، وذلك من خلال بيانات وتسجيلات مختلفة تتبنى هجمات صاروخية استهدفت القوات الأميركية أو تتوعد بتنفيذ هجمات أخرى.


ظهرت على الساحة العراقية جماعتان مسلحتان جديدتان، أطلقت الأولى على نفسها “عصبة الثائرين”، والثانية “أصحاب الكهف”، وذلك من خلال بيانات وتسجيلات مختلفة تتبنى هجمات صاروخية استهدفت القوات الأميركية أو تتوعد بتنفيذ هجمات أخرى


وبحسب مسؤول عراقي في مديرية الاستخبارات العسكرية، فإنّ المعلومات الأولية عن المجموعتين الجديدتين تظهر أنهما تتبعان لفصائل “كتائب حزب الله” و”النجباء”، وأنهما محاولة خلط أوراق أو لتأكيد مزاعمها بعدم مسؤوليتها عن تلك الهجمات.

وذكر المسؤول العراقي، في حديث لـ”العربي الجديد”، اليوم الخميس، أنّ القوات الأمنية عاجزة عن معرفتهم أو تتبّعهم، كونهم يستخدمون غطاء “الحشد الشعبي”، وقد تكون التسجيلات التي بثت من إحدى الدوائر أو المقرات التابعة للحشد، أو حتى القوات الأمنية، فـ”هناك تداخل كبير غير خاف على أحد”، مضيفاً أن التحقيق باستهداف معسكر التاجي في الحادي عشر من الشهر المنصرم “ما زال متعثرا لأسباب كثيرة”.

وأقر محمد منعم المولى، وهو عضو بارز في فصيل مسلح ينتشر على مقربة من الحدود العراقية السورية يُعرف باسم “لواء الطفوف”، باتخاذ الفصائل المسلحة عمليات وصفها وقائية من ضربة أميركية محتملة، موضحاً، لـ”العربي الجديد”، في هذا السياق بالقول: “كل شيء تغير مكانه، فضلاً عن تخفيف التواجد في المقرات بسبب وباء كورونا، إذ تم تقليص عدد المتواجدين في المعسكرات أيضاً، ومنح الكثير إجازات، كما أن الأسلحة النوعية والصواريخ صارت في مكان آمن”.

وتتحدث مصادر أخرى عن أنّ قيادات بارزة في فصائل مسلحة اتخذت إجراءات مختلفة لتأمين نفسها، مثل تغيير مقرات تواجدها ومبيتها، وحتى أرقام هواتفها، في إجراء يأتي تحسباً من عمليات اغتيال أميركية، على غرار العملية التي أدت إلى مصرع زعيم “فيلق القدس” قاسم سليماني، والقيادي في مليشيات “الحشد” أبو مهدي المهندس.

وأمس الأربعاء، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إن إيران أو وكلاءها يخططون لهجوم خاطف على أهداف أميركية في العراق، وحذر من أنهم سيدفعون “ثمنا باهظا للغاية”، لكنه لم يتطرق إلى تفاصيل.

وكتب ترامب على “تويتر”: “استناداً إلى قناعة ومعلومات، تخطط إيران أو وكلاؤها لهجوم خاطف على القوات الأميركية أو الأصول الأميركية في العراق. وإذا حدث هذا فإن إيران ستدفع ثمنا باهظا للغاية”.

فيما قال مسؤول أميركي لـ”رويترز”، طالباً عدم نشر اسمه، إن المخابرات الأميركية تتتبع خيوطا منذ فترة بشأن هجوم محتمل تشنه إيران أو قوى تدعمها طهران.

ولم يكشف المسؤول المعلومات الخاصة بتوقيت الهجوم أو أهدافه على وجه الدقة.

في المقابل، حذّر الجنرال يحيى رحيم صفوي، وهو مساعد بارز للمرشد الإيراني علي خامنئي، مما وصفه تبعات “التصرفات الاستفزازية”.

ونقلت وكالة “تسنيم” الإيرانية عن صفوي قوله: “ننصح الساسة والعسكريين الأميركيين بتحمل مسؤولية تبعات تصرفاتهم الاستفزازية في العراق”، وأضاف أن “أي تصرف أميركي سيعد فشلا استراتيجيا أكبر في سجل الرئيس الحالي”.

وفي السياق، كشف مسؤول عراقي في بغداد عن تلقّي رئيس حكومة تصريف الأعمال، عادل عبد المهدي، تحذيرات شديدة اللهجة من الولايات المتحدة بشأن الهجمات الصاروخية واستمرار التهديدات للمصالح الأميركية، قد تستهدف العراق اقتصاديا أيضا.

وذكر المصدر المسؤول أن عبد المهدي طلب من قائد “فيلق القدس”، الجنرال إسماعيل قاآني، الذي يزور العراق منذ يومين، التدخل لوقف الهجمات الصاروخية التي تنفذها الفصائل المسلحة المقربة من إيران لتجنيب الدخول في مواجهة عسكرية كبيرة مع واشنطن، وأن “هناك تعويلاً على توقف تلك الهجمات بعد زيارة قاآني لبغداد، الذي بحث أيضاً مع قادة سياسيين ملف تشكيل الحكومة”.

كشف، في حديث لـ”العربي الجديد”، عن أن غالبية الوجود الأميركي أو وجود قوات التحالف انحسر حالياً في قاعدتي عين الأسد غرب الأنبار، وحرير شرق أربيل، كما أن السفارة الأميركية في بغداد غادرها أغلب العاملين غير الرئيسيين، لكن هناك مواقع ما زالت فيها قوات أميركية في معسكرات قرب بغداد، وهي التاجي ومعسكر المطار، وبسماية، شمال وغرب وجنوبي بغداد، ما يجعل احتمالية بقاء مخاوف استهدافها والرد الأميركي على ذلك قائماً في الأيام المقبلة.

في المقابل، قال النائب في البرلمان العراقي محمد كريم، عن كتلة “صادقون”، الجناح السياسي لمليشيا “العصائب”، بزعامة قيس الخزعلي، إحدى أبرز الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، إن “هناك ضرورة للاستعداد لأي عدوان أميركي يروم تنفيذه في العراق”، مبيناً، في تصريحات صحافية، أنه “يجب أن نستعد للعدو الأميركي من أجل إفشال مخططاته، خاصة أنها تحاول تحريك أذرعها في العراق، خاصة في العملية السياسية خدمة لمصالحها”.

إلى ذلك، حذّر النائب عن تحالف “الفتح”، كريم عليوي، من أن الضربات الأميركية المحتملة قد تستهدف سياسيين عراقيين مناوئين للولايات المتحدة، معبراً أنه “من المحتمل أن تستهدف الضربات الأميركية السياسيين المعارضين للولايات المتحدة، والحكومة لديها معلومات عن الضربات الأميركية المحتملة”، لافتا إلى أن طائرات أميركية تحلق بكثافة في ديالى وصلاح الدين، و”هذا دليل على وجود ضربة محتملة”.

وفي السياق، تحدثت مصادر عن أن “هناك أطرافاً داخل العراق وخارجه لها مصلحة في تفجّر الصراع في العراق لمصالح خاصة بها”.

محمد علي

العربي الجديد