انتشار فايروس كورونا في المدن أدّى إلى انخفاض في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وقد اعتبره الخبراء إنجازا لصالح الإنسانية التي تعيش أرمة بسبب هذه الجائحة، لكن الفايروس أدّى أيضا إلى إلغاء قمة المناخ التي كان من المتوقع تنظيمها في نوفمبر المقبل بغلاسكو في أسكتلندا إلى العام المقبل، وهو تعطيل لتنفيذ اتفاقية باريس.
لندن – تأجلت قمة المناخ التي كان من المقرر أن تنظمها الأمم المتحدة في مدينة غلاسكو باسكتلندا في نوفمبر المقبل، بسبب جائحة فايروس كورونا، وهي أحد العراقيل التي لم يكن يتوقعها الخبراء أمام هذه القمة المصيرية لمواجهة الاحتباس الحراري، والذين حذروا في السابق من أن الطريق إلى الأمان المناخي مليء بالمخاطر.
ويشكل هذا المؤتمر المتمحور حول التنوع الحيوي فرصة للآلاف من الأطراف الفاعلة في حفظ الطبيعة من حكومات ومنظمات غير حكومية وخبراء، لتحديد أولويات ومباشرة تحركات جديدة لحماية الأنظمة البيئية التي يعرضها الإنسان للخطر مع أنها أساسية لاستمراريته.
وأعلن أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعمه للقرار الذي اتخذته المملكة المتحدة ومكتب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والذي قضى بتأجيل الدورة الـ26 لمؤتمر الأطراف.
وأعلنت بريطانيا التي كانت ستستضيف فعاليات المؤتمر، بالشراكة مع إيطاليا، تأجيل انعقاده نظرا للظروف المحيطة بتفشي فايروس كورونا المستجد (كوفيد – 19) في كافة أرجاء العالم.
وتم اتخاذ القرار بالاشتراك مع الأمم المتحدة وبريطانيا وإيطاليا، وقال وزير الدولة لشؤون الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية في المملكة المتحدة، ألوك شرما، “إن العالم يواجه الآن تحديا عالميا غير مسبوق، وتركز الدول جهودها على إنقاذ الأرواح ومكافحة كوفيد- 19، ولهذا السبب تقرر تغيير الموعد الذي كان مقررا في الفترة من 9 إلى 20 نوفمبر”، مضيفا “سنواصل العمل بلا كلل مع الشركاء للوصول إلى الطموح المطلوب لإنهاء أزمة المناخ، وأتطلع قدما للاتفاق على موعد جديد للمؤتمر”.
وقال الأمين العام في بيان له “القضاء على الفايروس وحماية الأرواح هما أولويتنا القصوى، وعلينا أيضا أن نواصل جهودنا لزيادة الطموح والعمل بشأن تغير المناخ خاصة وأن البلدان تتخذ تدابير للتعافي من هذه الأزمة”.
وبموازاة ذلك، تقرر أيضا إرجاء جميع الاجتماعات للهيئات الفرعية المتعلقة بتغير المناخ حتى 4-12 أكتوبر 2020 في مركز المؤتمرات العالمي في بون بألمانيا. وستُعقد اجتماعات ما قبل المؤتمر في الفترة بين 28 سبتمبر إلى 3 أكتوبر، وذلك لضمان مشاركة أوسع وحفاظا على سلامة المشاركين.
وقال وزير البيئة والأرض وحماية البحار الإيطالي سيرغيو كوستا إنه تقرر أيضا إرجاء فعالية “الشباب من أجل المناخ” التي تسبق المؤتمر نفسه، وأضاف “سنواصل العمل مع الشركاء البريطانيين لعقد مؤتمر مناخ ناجح”.
ان المؤتمر ليشكل أيضا فرصة لتحديث قائمة الأنواع المهددة التي يعدها الاتحاد ولتوعية الرأي العام بضرورة حماية البيئة، للمرة الأولى من خلال معارض وأجنحة متخصصة بمشاركة عشرات الآلاف من الأشخاص.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قرر أن ينظم على هامش المؤتمر، قمة لقادة الدول قبل مؤتمر الأطراف الخامس عشر حول التنوع الحيوي المقرر في الخريف.
ويفترض أن يعكف هذا المؤتمر الأخير المرتقب لاتفاقية التنوع البيولوجي على وضع خطة عالمية لحماية الأنظمة البيئية أو استصلاحها وهي أساسية للبشرية، بحلول العام 2050 بعد فشل تحقيق أهداف أقرت العام 2010 للعقد الماضي.
وحسب ما قال بازيل فان فار أحد رؤساء ملف المفاوضات في هذا المجال، كان المؤتمر في الأساس مقررا في كونمينع في الصين في أكتوبر، لكن يرجح أن يؤجل إلى الربع الأول من العام 2021 في الصين.
وقال مصدر آخر مطلع على الملف إن المؤتمر قد يؤجل حتى إلى مطلع أبريل 2021.
وقال ألكسندر رانكوفيتش الخبير في معهد التنمية المستدامة والعلاقات الدولية “ما أن يتضح الجدول الزمني، نأمل أن تنتعش جهود التعبئة على صعيد البيئة”.
وأوضح أن إرجاء مؤتمر الأطراف الخامس عشر “يمنح مزيدا من الوقت لتعزيز مسائل تقنية مهمة. وبما أن الوباء الراهن مرتبط بشكل وثيق بمسائل التنوع الحيوي (لأن فايروس كورونا المستجد منبثق من وسط حيواني) فقد يشكل ذلك حجة إضافية للدفع باتجاه أهداف أكثر طموحا”.
هذا الخبير أعرب أيضا عن خشيته من حصول “تبدل في الأولويات” مع هذه الأزمة الصحية الهائلة والتباطؤ المفاجئ في الاقتصاد وخطر ارتفاع معدلات البطالة.
وقالت لورانس توبيانا مهندسة اتفاق باريس “المهم الآن أن تحصل تعبئة عالمية لمكافحة الجائحة، لكن الأزمة الصحية ينبغي ألا تنسينا التغير المناخي”.
وأرجئت قمة أخرى مهمة للأمم المتحدة حول المحيطات كانت مقررة في البرتغال في يونيو، إلى موعد لاحق.
كان ينبغي على الدول في العام 2020 مراجعة التزاماتها على صعيد المناخ، خاصة وأن قادة العالم توقعوا عقب توقيع اتفاقية باريس حدوث تراجع في معدلات انبعاث الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري ولكن حدث العكس، فعام 2019 اختتم عقدا من الحرارة العالمية الاستثنائية، ومن زيادة معدلات ذوبان الجليد، وارتفاع مستويات سطح البحر بسبب الغازات الدفيئة بشكل غير مسبوق وصفته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في بيانها حول حالة المناخ العالمي المعلن في قمة مدريد بأنه الأعلى على الإطلاق.
ومن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار 3.2 درجة مئوية هذا القرن.
ومثل هذا الارتفاع في درجات الحرارة من شأنه أن يعرض المليارات من الأرواح للخطر من جراء الظروف المناخية القاسية المدمرة، وسوف يهلك النظم الإيكولوجية ذوبان الصفائح الجليدية ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحر متعدد المستويات ويهدد المجتمعات الساحلية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المدن الكبرى مثل لندن ونيويورك وطوكيو.
وفي ظل هذه الحقائق سوف تحتاج الانبعاثات إلى الانخفاض بنسبة 7.6 في المئة كل عام في العقد المقبل.
وسيتطلب ذلك من معظم الدول رفع التزاماتها قبل الاجتماع القادم لمؤتمر الأطراف في غلاسكو في نوفمبر المقبل.
توقع الخبراء قبل إلغاء القمة العديد من المخاطر التي ستواجه المشاركين في اجتماعات المناخ مثل الانتخابات العامة الأميركية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن 2020 هو العام الذي تدخل فيه اتفاقية باريس لعام 2015 حيز التنفيذ والتي تهدف إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة تحت درجتين مئويتين (3.6 فهرنهايت).
وصدم ترامب العالم عام 2017 عندما قال إن الولايات المتحدة، أكبر باعث في التاريخ، تنسحب من اتفاقية باريس.
وتعهدت أكثر من 100 دولة بمضاعفة جهودها لخفض الانبعاثات المحلية، ولكن أكبر الملوثين هم الصين والهند والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لم يكشفوا عن خطط جديدة.
وفي سبتمبر القادم، من المحتمل أن تشهد قمة الاتحاد الأوروبي والصين في لايبزيج أكبر سوق منفرد في العالم يدفع أكبر ملوث للكربون في العالم إلى التزامات أكبر بخفض الانبعاثات.
وقال لي شو، كبير مستشاري السياسة العالمية لمنظمة السلام الأخضر في شرق آسيا، إن هذا العام قدم فرصة هائلة للصين لإظهار الريادة العالمية في المناخ.
وأضاف شو “القرار الذي يتخذه الزعماء الصينيون خلال العام المقبل، يهم كيف ينظر العالم إلى الصين في ظل الجغرافيا السياسية المضطربة بشكل متزايد”.
واتُهمت الصين والهند بإعاقة طموح أكبر في مؤتمر (كوب 25) في مدريد بالإصرار على أنهما قد قامتا بالفعل بنصيبهما العادل في خفض تلوث الكربون.
قالت رئيسة مؤتمر المناخ (كوب 26)، كارولينا شميدت، من تشيلي، “إننا مصممون على التأكد من أن زخم الطموح المناخي مستمر، وخاصة لإعداد وتقديم المساهمات المحددة وطنيا هذا العام”.
وأكدت المديرة التنفيذية لتغير المناخ في الأمم المتحدة باتريشيا إسبينوزا أن الأطراف ملتزمة بالعمل معا لمواصلة الانخراط في المسائل التي تحتل أولوية.
وقالت “إن كوفيد – 19 هو أكثر تهديد ملح يواجه البشرية اليوم، ولكن لا يمكن لنا أن ننسى أن تغير المناخ هو أكبر تهديد يواجه البشرية على المدى البعيد”.
واعتبرت إسبينوزا أن هذه فرصة للتعافي وإدماج أكثر الفئات ضعفا في الخطط وفرصة لرسم اقتصاد القرن الـ21 بشكل نظيف وأخضر وصحي وعادل وآمن وأكثر مرونة.
وقال الأمين العام “تعزز أزمة كورونا أهمية العلم والأدلة التي توجّه السياسات الحكومية وصنع القرار. ويوضح العلم أن السلوك البشري يغير القدرة التنظيمية لنظام الأرض، ويؤثر على الحياة وسبل العيش، من صحتنا إلى اقتصادنا العالمي”.
وتابع “هناك حاجة الآن للتضامن وطموح أكبر الآن أكثر من أي وقت مضى للانتقال إلى اقتصاد مستدام ومرن منخفض الكربون يحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية”.
وأكد غوتيريش أنه “سيواصل العمل بلا كلل مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والدول الأعضاء والمجتمع المدني والشباب والشركات لضمان التعافي بشكل أفضل والخروج من هذه الأزمة العالمية بشكل أقوى”.
العرب