منذ عام 2006 تحتفل إيران في العشرين من شهر فروردين حسب التقويم الفارسي بـ “اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية”، ويكون الاحتفال فرصة لكشف النقاب عن التقدم المحرز في البرنامج النووي للبلاد (والمبالغة فيه غالباً) وسط تمجيد صمود النظام في مواجهة العقوبات الغربية. وكانت العطلات الماضية قد كشفت النقاب عن إتقان تخصيب اليورانيوم الصناعي (2007)، وإقامة مصنع لتصنيع الوقود النووي بالقرب من أصفهان (2009)، وتطوير “أجهزة الطرد المركزي من الجيل الثالث” (2010).
وعادةً ما تتمثل ذروة هذا الحدث باحتفال يحضره الرئيس الإيراني، ولكن عطلة هذا العام كانت مختلفة. ففي ضوء “المخاطر المحتملة” الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، أعلن مدير “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية”، علي أكبر صالحي، عن تأجيل المهرجانات النووية التي كانت مقررة في 8 نيسان/أبريل. وربما تأثر القرار بالعدد الكبير من المسؤولين الإيرانيين رفيعي المستوى الذين أصيبوا بالمرض بعد مشاركتهم في احتفالات واجتماعات [مختلفة] (وكان آخرهم رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني).
وعلى أي حال، لا يبدو أن قيادة النظام تُركز على البرنامج النووي في الوقت الحالي. فالرئيس حسن روحاني لم يصدر بياناً لإحياء ذكرى العطلة، كما أن المرشد الأعلى علي خامنئي لم يشر حتى ولو إشارة واحدة إلى البرنامج النووي في خطابه السنوي الذي ألقاه بعيد النوروز في 22 آذار/مارس، وهو خطاب مهم يُستخدم عادة كاختبار حقيقي لأفكاره حول هذا الموضوع وقضايا السياسة الخارجية الأخرى.
ويقيناً، أن المتحدث باسم “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية”، بهروز كمال فاندي، حرص على الإعلان أن إيران أحرزت “122 إنجازاً نووياً جديداً” خلال العام الماضي (معظمها يقتصر على الأرجح على تحسينات طفيفة). وشدد أيضاً على أن طهران لا تفرض قيوداً على أنشطتها البحثية والتنموية، وأنها وصلت إلى قدرة إنتاجية مماثلة لتلك التي شهدتها قبل «خطة العمل الشاملة المشتركة» من عام 2015، حيث يتم تصنيع ستين جهاز طرد مركزي متقدم كل يوم، وهو رقم أعلى بكثير من ذلك المسموح به بموجب الاتفاق النووي. وتابع بإصدار بيانات غير معقولة بشأن قدرات النظام، مدّعياً أنه سيزيد قدرته التصنيعية اليومية إلى أكثر من60,000 جهاز طرد مركزي متطوّر، وأن بإمكانه تحقيق 250,000 وحدة عمل منفصلة (مقياس لكفاءة أجهزة الطرد المركزي وإنتاجه أثناء تخصيب اليورانيوم)، وأن الهدف النهائي هو 1,000,000 وحدة عمل منفصلة.
الاستراتيجية النووية في ظل الأوبئة
إذا وضعنا التصريحات المفرطة جانباً، فإن السؤال الأكثر أهمية هو ما إذا كان النظام الإيراني قد واصل اسلوبه المستمر منذ شهور والمتمثل في الاختبار المنتظم وانتهاك القيود وسط تفشي فيروس كورونا. ففي أيار/مايو 2019، أبلغت إيران “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بأنها ستُبطل بعض القيود المفروضة بموجب الاتفاق النووي. ومنذ ذلك الحين، اتخذت خمس خطوات – خطوة واحدة كل ستين يوماً – لتقليل التزاماتها وفقاً لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»:
تجاوز كمية اليورانيوم منخفض التخصيب المسموح بتخزينها (حتى الشهر الماضي، تراكمت لديها أكثر من طن من هذه المادة)
زيادة مستوى التخصيب بما يتجاوز 3.67 في المائة من نظائر الانشطار “يو -235” (للحصول على تفسيرات حول هذا الموضوع وغيره من القضايا التقنية، انظر معجم إيران النووي الصادر عن “معهد واشنطن”)
توسيع نطاق البحث والتطوير على أجهزة الطرد المركزي المتقدمة لزيادة جودتها وكميتها
حقن الغاز في أجهزة الطرد المركزي في مصنع التخصيب الجبلي في فوردو
الإعلان عن أن البرنامج لن يكون “خاضعاً لأي قيود في المجال العملياتي”
وجاءت الخطوة الخامسة في كانون الثاني/يناير، لكن النظام لم يتخذ أي خطوات جديدة منذ ذلك الحين، وعجز عن تنفيذ خطواته السابقة إلى أقصى حد. على سبيل المثال، على الرغم من أن إيران هددت بالقيام بذلك مرات عديدة، إلا أنها لم تبدأ في تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20 في المائة، أو تُشغل أجهزة الطرد المركزي الجديدة من نوع “آي آر-1” في منشأة ناتانز، أو تعلّق “البروتوكول الإضافي” الذي يمنح “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” قدرات أوسع للتحقق (على الرغم من أنها لا تزال تمنع الوكالة من الوصول إلى المواقع التي ربما تم استخدامها في الأعمال النووية السابقة، من بينها الأنشطة المتعلقة بالأسلحة المشتبه بها).
ويمكن تفسير الفجوة بين تصريحات إيران العدائية وأنشطتها الفعلية من خلال مقابلة أجراها صالحي مع صحيفة “إعتماد” الإيرانية في 5 نيسان/أبريل. وإذ رفض الانتقادات بأن النظام يحد من خطواته النووية لتجنب التداعيات السياسية، إلّا أنه شدّد على إيجابيات التركيز على ممارسات البحث والتطوير الخاصة بأجهزة الطرد المركزي (“وهو أمر لا يمكن الرجوع عنه… حتى في حال التوصل إلى مصالحة كاملة مع [الأطراف الباقية في «خطة العمل الشاملة المشتركة»]”)، مع تجنب تقديم أي وعود ملموسة باتخاذ تدابير في المستقبل. وأشار كذلك إلى أنه من منظور قيمة التكلفة، فإن تعليق البروتوكول الإضافي أو الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لن يكون وسيلة فعالة لإيران لتحقيق أهدافها، بل سيؤدي ذلك إلى فرض المزيد من الضغط على البلاد.
ربما يكون هذا المنطق هو العامل الرئيسي وراء قرار النظام بوقف الإجراءات النووية الرئيسية في الوقت الحاضر. وعادة ما يفضل خامنئي اتّباع نهج محسوب وحذر بدلاً من تحمّل مخاطر غير ضرورية. وبالنظر إلى التحديات التي واجهتها إيران خلال الأشهر القليلة الماضية – ليس الوباء فحسب، بل الاحتجاجات الواسعة النطاق والضغوط الاقتصادية المتزايدة أيضاً – فإن خامنئي يفهم بالتأكيد أن حالياً ليس الوقت المناسب لتحقيق قفزة إلى الأمام في الاستراتيجية النووية. كما أظهر مراراً بأنه يُفضل اتخاذ القرارات بتوافق الآراء من خلال عملية منظّمة من المشاورات في اللجان والمجالس المختلفة للنظام. بيد، أن الوضع الطبي الحالي للبلاد يجعل هذه العملية صعبة للغاية، إن لم يكن مستحيلة، لذلك من غير المحتمل أن يُعجّل باتخاذ قرارات استراتيجية رئيسية في أي وقت قريب.
التحديات للغرب
على الرغم من أن المخاوف حيال فيروس كورونا قد تسببت بتأخير عدة مراحل من البرنامج النووي ضمن أجندة طهران، إلا أن الأمر الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار هو انشغال المجتمع الدولي بدوره بوباء [“كوفيد-19”]. وبعبارة أخرى، فإن الوضع مهيأ للاستغلال المحتمل [لهذه التطورات] إذا قرر النظام التحرك بينما يركز العالم أنظاره على الوباء المتفشي.
على سبيل المثال، قد تؤثر الأزمة على قدرة “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” على مواصلة التحقق من امتثال إيران للاتفاقات النووية. وعلى الرغم من أن “الوكالة” قد شددت مؤخراً على أن عمليات التفتيش على الضمانات مستمرة في جميع أنحاء العالم، إلا أنها أشارت أيضاً إلى أنها قد تواجه “بعض التشويشات في السفر” – وهو عامل قد يعوق جهود المراقبة الفعالة لإيران المنكوبة بالفيروسات. وتستخدم “الوكالة” أنظمة المراقبة عن بُعد لرصد المنشآت النووية في البلاد، إلّا أن بعض إجراءات التحقق لا تزال تتطلب زيارات ميدانية.
وسبب آخر للقلق هو تاريخ إيران الحافل كمخادع نووي. وتشمل مخالفاتها السابقة بناء منشأة تخصيب سرية في فوردو، وإخفاء أرشيف نووي في أعقاب التوصل إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ورفض التعاون مع تحقيق “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” في أنشطتها السابقة. وكما هو موضح سابقاً، تكره طهران عموماً المخاطرة في اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت ستتّبع مثل هذه الخطوات، ومتى ستقوم بها. ومع ذلك، على المجتمع الدولي توخي المزيد من اليقظة خلال الأسابيع المقبلة. يجب على “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” اتخاذ خطوات للتأكد من أن الوباء لن يخلق أي نقاط محجوبة في مراقبتها لإيران. يجب عليها أيضاً الإبلاغ عن أي دلالة على الخداع. ومع ذلك، ففي نهاية المطاف، قد تبقى رؤية “الوكالة” للأنشطة النووية الإيرانية معرّضة للإعاقة خلال هذه الأزمة، لذا على الحكومات الغربية استثمار الموارد المناسبة وإيلاء الاهتمام اللازم لضمان الحصول على صورة واضحة.
عومير كرمي
معهد واشنطن