البرنامج النووي الإيراني ومستقبل غزة

البرنامج النووي الإيراني ومستقبل غزة

أوضحت الأحداث التي تجري في قطاع غزة الكثير من الملامح السياسية الدولية والإقليمية ومصالح وأهداف الدول الكبرى ودول المنطقة، وافصحت إيران عن دورها الحقيقي الذي يسعى للحفاظ على مكانتها ودورها واستخدام تطور الأحداث الميدانية والمواجهات التي تحصل بيت مقاتلي حركة حماس والقوات الإسرائيلية كوسيلة ضغط سياسي للحصول على أقصى قدر من المكاسب والنفوذ في تعزيز دورها الإقليمي وتمدد مشروعها السياسي وتنفيذها لسياسة المهادنة والتواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية وتحقيق أفضل الأهداف التي تسعى إليها في إعادة الضغط للشروع مرة أخرى بالحوار حول برنامجها النووي، ولهذا فهي لا زالت تستمر في حوارات غير مباشرة وعبر وساطات عربية تقوم بها سلطنة عُمان مع الإدارة الأمريكية للوصول لقناعات مشتركة وقواسم سياسية تخدم مصالح الطرفين الأمريكي والإيراني.
يستخدم النظام الإيراني أدواته ووكلائه بشكل فعال ودقيق لتحقيق أغراضه وأهدافه في العديد من العواصم العربية ويعمل على ارسال إشارات إيجابية إلى واشنطن وبعض الدول الأوربية حول عدم وجود لديه أي علم او علاقة بما يجري من أحداث على الأرض الفلسطينية مكتفياً بالتصريحات الرسمية التي دائما ما يطلقها وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان بقوله ( ان الولايات المتحدة وإسرائيل لن تقضيا على حماس ولو حاربتا الحركة لعشر سنوات أو أكثر، وأن الحرب وان استمرت ضد النساء والأطفال في غزة فإنها ستتوسع ونرى ذلك على الجبهة اللبنانية واليمنية)، وبقي الحال على ما هو وتمكنت الأهداف الإسرائيلية والغايات الأمريكية التي توافقت مع الرؤية السياسية الإيرانية على بقاء المواجهة العسكرية وحصرها في قطاع غزة دون أي تمدد او فتح لجبهات اخرى، وهذا ما كان عليه الموقف الإيراني وما افصحت عنه المتغيرات السياسية في المنطقة بعدم وجود الدعم الفعلي الذي وعدت به إيران الشعوب الإسلامية والعربية من تحرير الأرض وحماية القدس الشريف.
ان الغايات الإيرانية معروفة وسياستها أصبحت أكثر وضوحاً وادراكاً لكثير من المتابعين للشأن العربي والإيراني وهي تعمل بكل قدرتها على تحقيق ما تستطيع أن تفعله في الاستفادة من استمرار القتال والتضحيات الكبيرة التي يقدمها أبناء الشعب الفلسطيني، فقد شهدت الاشهر الماضية نشاط فعلي وبشري في موقعي ( فارانين وتركيز اباد) النووين وكما جاء على لسان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي في التاسع من شهر كانون الأول 2023 بمطالبة إيران بضرورة ابلاغ الوكالة عن نشاط المواقع النووية ذات الصلة والعودة إلى تنفيذ الاتفاق الخاص بالبيان المشترك الذي وقعته الوكالة مع إيران في أذار 2023 وضرورة الحصول على إجابات مهمة رغم امتناع السلطات الإيرانية عن التعاون وتقديم نتائج إيجابية او حلول ميدانية مبتعدة عن الكشف الحقيقي لمخزونها النووي.
لا زالت الإدارة الأمريكية تتبع سياسية ( الحوار والدبلوماسية) في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني فهي تعمل على دفع عملية الحوار والوساطة العربية لتصل إلى نتائج قد تفضي إلى بدأ جلسات المفاوضات التي توقفت في العاصمة النمساوية فيينا بجلستها التاسعة، وأدركت الوكالة الدولية للطاقة الذرية طبيعة السياسية الدولية للإدارة الأمريكية وطالبت إيران بالعودة للمسار الصحيح عبر التحقيق والمراقبة المتعلقة بخطة العمل المشتركة الشاملة والتي تأثرت بقرار إيران بوقف التنفيذ الكامل لالتزامها في شباط 2021.
لا زال النظام الإيراني يستخدم الملف النوري كوسيلة فعالة في تحوير العديد من مواقفه الدولية والإقليمية للحصول على أهدافه بالبقاء في السلطة واستمالة الدول الغربية للعودة للمفاوضات تحت ضغط سياسي او تعرض لمصالحها في المنطقة ومنها ما يحصل من عمليات تستهدف الملاحة الدولية والأمن الإقليمي المائي في البحر الأحمر وخليج عدن وامتداداً لحوادث أخرى في البحر العربي ومضيق هرمز، وهي مناطق وممرات مائية مهمة تُعنى بالتجارة العالمية وتوريد الطاقة من النفط والغاز وتسهيل مرور البضائع وتعزيز الموارد الاقتصادية والمالية لدول العالم، وايران تدرك ان الملف النووي أصبح يشكل أزمة كبيرة وانه اخر ما تحتاج إليه الإدارة الأمريكية للتعامل معه خلال العام المقبل والذي سيشهد انطلاق الانتخابات الأمريكية وحاجة الرئيس جو بايدن لإيجاد منفذ حقيقي وحوار سياسي يفضي إلى نهاية للبرنامج النووي الإيراني يخدم جميع الأطراف.
ولكن على الإدارة الأمريكية أن تدرك أن أي عملية فصل بين الملف النووي الإيراني ونشاط الوكلاء الفصائل المسلحة التابعة لها في عدد من عواصم الاقطار العربية والتي تكشفت بعد إندلاع الحرب في السابع من تشرين الأول 2023 سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع وحِدة الأزمات وانتهاج سياسة المواجهة والتأثير على حالة الأمن والاستقرار الإقليمي في منطقة مهمة تمثل الشرق الأوسط والوطن العربي، استمرار إيران بزيادة نقاء نسبة اليورانيوم والتي وصلت إلى 60٪ أي اقل من 90٪ من الوقود الذي يستخدم في صناعة الأسلحة النووية مع ازالة كافة معدات الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تم تركيبها سابقاً في المنشأت الإيرانية من أجل أنشطة المراقبة المتعلقة بخطة العمل المشتركة كانت احد الإجراءات التي قامت بها من أجل توسيع دائرة مطالبها رغم ان النظام الإيراني وافق على وقف تخزين بعض اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ بعد صفقة تبادل السجناء مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن إيران اصرت على تحقيق أقصى قدر من المنافع والمكاسب مستخدمة الأحداث في غزة وسيلة ضغط لتحقيق أهدافها ويساعدها على تمرير كثير من مطالبها برفع قدر من العقوبات الاقتصادية وإطلاق جزء من الأموال المجمدة وإظهار سياسة القوة والتعنت في أي مفاوضات قادمة خاصة بالبرنامج النووي الإيراني وهي تستخدم هذه اللعبة في اي أزمة او مشكلة بأشهار سلاح زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم.
يبقى القلق الأمريكي والغربي قائماً بشأن امتلاك إيران للسلاح النووي بنفس القلق العربي الخليجي وهذا ما يدركه النظام الإيراني ويعلم ان امتلاكه للسلاح النووي سيربك أوضاع المنطقة ويحقق انقلاب ميداني ومعادلات سياسية لا يمكن القبول بها من قبل هذه الدول، ولهذه الأسباب نرى إيران تسعى دائما لإحياء الاتفاق النووي والوصول كحد أدنى إلى حلول للأنشطة النووية مقابل رفع بعض العقوبات.

وحدة الدراسات الايرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية