اعتبر مراقبون سياسيون أن وصفة رئيس الوزراء العراقي المكلف مصطفى الكاظمي بشأن تشكيل طاقمه الحكومي قلصت بشكل واضح خيارات المناورة للقوى الشيعية، التي تسعى في الوقت الضائع إلى الضغط من أجل إقحام مرشيحها في لعبة المناصب للظفر بحقائب وزارية حساسة ولقطع الطريق أمام أي محاولات للتضييق على تحركاتها مستقبلا.
بغداد – تمارس قوى مسلحة وسياسية شيعية ضغوطا على رئيس الوزراء العراقي المكلف مصطفى الكاظمي لحجز وزارات في حكومته المنتظرة، فيما تشير مصادر إلى أن الأخير قد يعرض خلال جلسة منح الثقة في البرلمان حكومة غير مكتملة.
وبحسب مشاركين في مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، فإن جلسة منح الثقة قد تعقد نهاية الأسبوع القادم، بعدما قطع الكاظمي الشوط الأطول من النقاشات مع القوى السياسية الشيعية، بشأن تركيبة كابينته.
وذكرت مصادر مقربة من الوفد التفاوضي التابع للزعيم الديني مقتدى الصدر أن “أطرافا سياسية شيعية بدأت بالضغط على رئيس الوزراء المكلف للحصول على وزارات في حكومته”، مؤكدة أن الكاظمي يحظى بمساندة قوى شيعية بارزة، ما يمكنه من مجابهة الضغوط.
وأوضحت المصادر أن حركة عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي وحزب الفضيلة الذي يرعاه رجل الدين الشيعي محمد اليعقوبي ألمحا إلى رغبتهما في الحصول على وزارات في حكومة الكاظمي.
وتريد العصائب الاحتفاظ بوزارتي الثقافة والعمل اللتين تقعان تحت سيطرتها في الحكومة الحالية المستقيلة برئاسة عادل عبدالمهدي، فيما لم تتضح نوايا حزب الفضيلة.
إذا حصل تغيير في أي منصب فلن يحدث اختراقا في موازين السلطة رغم المخاوف، التي دبت في الميليشيات المدعومة من إيران
وقال مراقب سياسي عراقي لـ”العرب” إن الكاظمي لا يحتاج إلى النصح بالالتزام بعناصر الوصفة الجاهزة من أجل أن تحظى حكومته بثقة البرلمان المطلقة، والتي هي تعبير عن رضا الأحزاب عليه، فهو ابن النظام، الذي انيطت به حراسة أخطر ملفاته.
وأشار المراقب إلى أن حكومته ستكون حسب المواصفات المطلوبة لا من أجل تمريرها بل لأنه ليس مطلوبا منها أن تحدث أي تغيير.
كما أن التغيير أيا كان نوعه وحجمه لن يحدث اختراقا في معادلات وموازين السلطة التي صارت الميليشيات تتحكم بها بعد أن دب الخوف في أوصالها بعد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب زعيم الحشد الشعبي أبومهدي المهندس.
ولذلك سيحرص زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي على ألا يتخطى الخطوط الحمراء التي وضعتها الميليشيات، الكبيرة والصغيرة، علما منه بأن كل واحدة منها قادرة على إحداث خلخلة لن تكون حكومته قادرة على الخروج منها بسلام.
وأكدت المصادر أن الكاظمي لن يلعب دور الرجل المنقذ فهو يعرف جيدا أنه مرفوض على المستوى الشعبي وما ترشيحه للمنصب إلا انعكاس لخيار تسوية بين إيران والولايات المتحدة وستكون مهمة حكومته منحصرة في تصريف الأعمال في مرحلة انتقالية أمدها سنة واحدة على الأكثر بعدها يُضاف اسمه إلى سجل رؤوساء الحكومة السابقين وذلك ما سيجعله يتمتع بامتيازات عالية بقية حياته.
وأوضحت أن كل ذلك سيدفع بالكاظمي إلى اختيار المسلك الأكثر نعومة في تعامله مع زعماء الكتل السياسية من غير المس بمصالحهم، لذلك فإن اختيار وزرائه لن يكون معقدا فهو على دراية بما تريده الأحزاب إضافة إلى أنه يعرف ماذا يريد على المستوى الشخصي.
وبدأت ضغوط القوى الشيعية بعد يوم واحد من اجتماع وصف بـ”الحاسم”، اتفقت خلاله جميع القوى السياسية الشيعية على تخويل المكلف اختيار أعضاء طاقمه الذين يقعون ضمن حصصها بحرية كاملة.
وخلال الاجتماع الذي استضافه منزل زعيم تحالف الفتح هادي العامري بالمنطقة الخضراء، وحضره نصار الربيعي وهو ممثل الصدر خلال المفاوضات والمالكي وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم وزعيم تحالف النصر حيدر العبادي، فضلا عن المكلف بتشكيل الحكومة مصطفى الكاظمي، أقرت القوى السياسية الشيعية ضرورة حصول الكابينة الجديدة على ثقة البرلمان.
وقال القيادي في ائتلاف دولة القانون عدنان الأسدي إن “الكتل الشيعية خولت الكاظمي اختيار جميع الوزراء، الذين يقعون ضمن حصصها، لدعم حظوظه في تشكيل الحكومة الجديدة”.
لكن مفاوضين حضروا لقاء منزل العامري أبلغوا “العرب” بأن الاتفاق الذي أقره المجتمعون ينص على أن يخول الكاظمي اختيار الوزراء الشيعة وفقا لرؤيته، بشرط ألا تعترض قوى شيعية رئيسية على أي منهم.
ويقول مراقبون إن هذه التطورات تسمح للكاظمي بأن يبدأ مفاوضاته مع القوى السياسية السنية والكردية من مركز قوة.
وكشفت مصادر مطلعة أن الكاظمي سيخصص جزءا من فريقه لمتابعة إنهاء الاتفاق مع الأطراف الشيعية ويتفرغ كليا للمفاوضات السنية الكردية، التي يفترض أن تكون سريعة هي الأخرى.
وتؤكد المصادر أن الأجواء العامة تتجه نحو إنهاء المفاوضات سريعا للتصويت على الحكومة الجديدة قبل دخول شهر رمضان.
وتتوقع قوى سياسية مشاركة في المفاوضات أن يتوجه الكاظمي، الاثنين القادم، إلى دعوة البرلمان إلى الانعقاد بشكل استثنائي من أجل المصادقة على تشكيلة حكومته، فيما قد تنعقد جلسة منح الثقة نهاية الأسبوع القادم أو مطلع الذي يليه.
ويرجح مراقبون أن تولد الحكومة في غضون عشرة أيام، في حال حافظ التقدم في المفاوضات على وتيرته.
ومع ذلك، يبدو أن طريق الكاظمي لن يكون سهلا خلال المفاوضات، مع التسريبات التي تشير إلى أنه لن يتمكن من تقديم كابينة كاملة خلال جلسة منح الثقة المنتظرة.
وتقول التسريبات إن الكاظمي يعكف حاليا على حسم أسماء المرشحين لوزارات، بما يكفي لتحقيق النصاب في مجلس الوزراء الجديد، فإذا كان عدد الحقائب هو 22، كما في الحكومة الحالية، فإن المكلف بحاجة إلى تمرير 12 وزيرا على الأقل خلال جلسة منح الثقة، لتكون حكومته شرعية، وتستطيع أن تتسلم مهامها بشكل كلي.
وتقول المصادر إن فريق الكاظمي يعمل على حسم أسماء جميع المرشحين، لكنه يضع في حساباته إمكانية تأجيل المفاوضات بشأن من يتولى بعض الحقائب إلى ما بعد التصويت على الحكومة الجديدة.
وكثيرا ما اتبع هذا الإجراء خلال الحكومات السابقة بسبب التعقيدات الكبيرة التي تحيط بالمفاوضات بشأن الحقائب الأمنية والسيادية، ما يتطلب أوقاتا لا تتيحها المدد الدستورية.
ويعتقد مراقبون أن رئيس الوزراء المكلف سيكون في وضع أقوى بعد نيل حكومته الثقة للتفاوض مع الأطراف السياسية بشأن الحقائب الشاغرة.
العرب