من دون توقف، تستمر تداعيات اغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي على طريق مطار بغداد بغارة أميركية مطلع كانون الثاني/ يناير الماضي، وتظهر حينا بصواريخ الكاتيوشا التي تستهدف التواجد الأميركي في العراق، الذي يرد عليها باستهداف مواقع الفصائل المسلحة، ثم تهدأ أياما، وتعود مرة أخرى بهجمات ما زالت تباركها المليشيات المسلحة.
ورغم الرد الإيراني على اغتيال سليماني بوابل من الصواريخ التي استهدف القوات الأميركية في قواعد عسكرية بالعراق، ورد عراقي تمثل في قانون مجلس النواب العراقي يلزم الحكومة بمطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بسحب قواتها من البلاد؛ ما زالت المليشيات العراقية مستمرة في بث رسائل التهديد للتواجد الأميركي. ولكن هذه المرة عبر مليشيات حديثة النشأة. فالعراق أصبح بلد تتكاثر فبه المليشيات: وهي على النحو التالي:
أولًا- “عصبة الثائرين” : على غير عادة المليشيات المسلحة العراقية، عرف فصيل “عصبة الثائرين” عن نفسه بإصدار مرئي لاستطلاع يرصد منشآت السفارة الأميركية وسط بغداد بالكامل، وقاعدة عين الأسد التي تتواجد فيها قوات أميركية بمحافظة الأنبار. وقال الفصيل، في بيان اطلع عليه مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية “أيها الشعب العراقي الثائر والمقاوم، هذه سفارة الشر تحت أنظارنا، وفي رحمة صواريخنا، ولو شئنا لجعلناها هباء منثورا، وقد خبرتم بأسنا ودقة ضرباتنا”.
وظهرت هذه الميلشيا لأول مرة الشهر الماضي، عندما تبنت هجوما على قاعدة “التاجي”، شمالي العاصمة بغداد، الذي أدى إلى مقتل جنديين أميركيين وثالث بريطاني. وتوزّع على الرأي العام مقاطع مصوّرة بطائرة مسيّرة، تُظهر جوانب مختلفة من مبنى السفارة الأمريكية في بغداد؛ مع العلم أنّ تسيير هذا النوع من الطائرات في سماء المنطقة الخضراء ليس محرّماً قطعياً فحسب، بل يستوجب المساءلة القانونية، ويقتضي واجب الإسقاط.
وهي إحدى الميليشيات العراقية الشيعية الدائرة في فلك “الحرس الثوري” الإيراني. ورغم قلة المعلومات عن هذا الفصيل الجديد إلا أن شعارها يشبه شعار الحركات المدعومة من إيران، كحزب الله اللبناني و”فاطميون” الأفغانية، و”زينبيون” الباكستانية، وحركات أخرى في الحشد الشعبي العراقي.
ويرى المتابعون للشأن الأمني في العراق إن هذا الفصيل “لم يعرف في الساحة العراقية من قبل، سواء خلال أيام وجود القوات الأميركية أو بعد انسحابها، ولا أثناء الحرب في سوريا ولا حتى عند ظهور داعش الإرهابي”. وأن “بالإمكان التخمين من شكل الشعار المقتبس من الحرس الثوري الإيراني، أنه فصيل تابع لطهران”، مضيفا أن الحركة الجديدة “وهمية، ويتخفى وراء التسمية أحد الفصائل الرئيسية الموجودة على الساحة العراقية”. ولفتوا إلى أن “شكل المنصات المستخدمة في إطلاق الصواريخ، يشبه كثيرا تلك المستخدمة من قبل الفصائل القريبة من إيران”.
بينما يرى متابعون آخرون في “عصبة الثائرين” ما هم إلا حركة عصائب أهل الحق، وقد أسسها علي شمخاني (الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني) وربطها به شخصيا، كما تموَّل الحركة من إيران من أجل استهداف القوات الأميركية في العراق”.
بينما يرى آخرون أن “عصبة الثائرين” تنظيم يعيد منهج الجماعات الخاصة عام 2007، أو التي عرّفتها الأبحاث المختصة “بفرق الموت”، والتي كانت مجموعة من خلايا راديكالية تعتقد أن الحل في المقاومة والسلاح، وقتال القوات الأميركية بوسائل الحرب الهجينة أو حرب العصابات أو قتال الشوارع. أن استخدام الصواريخ يساعد تنظيم “عصبة الثائرين” على إثبات حضور شبحي، وإعلان مسؤوليتها عن استهداف المعسكرات والقواعد الأميركية المشتركة يحمي الفصائل الأخرى من المطاردة الأميركية.
وأن تحليل الشعار الخاص بالفصيل يظهر خليطا من شعار كتائب حزب الله وكتائب النجباء وسيد الشهداء، وابتعادهم عن اللون الأصفر ربما للتمويه. أن القوات الأميركية تريد أن تبتعد عن الرد العسكري الذي يزيد السخط الشعبي العراقي، وقد تلجأ إلى عمليات شبحية غير معلن عنها تنسب إلى جهات مجهولة، كاستخدام تكتيك صيد الطائرات المسيرة.
ثانيًا- “أصحاب الكهف”: ميليشيا عراقية شيعية جديدة وُلدت مؤخراً، بيرقها يحمل صورتين، الإمام الخميني والمرشد الأعلى خامنئي، وشعارها الدعوة إلى “المقاومة الإسلامية في العراق”. وإذْ يحار المرء في تفسير الكهف المقصود الذي كان فيه هؤلاء، ثمّ خرجوا على الملأ؛ فلا حيرة، البتة هذه المرّة، في تفسير مغزى الصورتين. فاتحة إنجازات هذه الميليشيا كانت لقطات فوتوغرافية للسفارة الأمريكية، إياها، مع إنذار الحمقى الأمريكيين بأنّ “المقاومة” أمامهم ومن خلف ظهورهم!.
ثالثًا- “قبصة المهدي”: ميليشيا جديدة بدورها، وُلدت مؤخرًا، شعارها “قتلوهم حتى لا تكون فتنة”، في تحريف فظيع ومذهل للآية القرآنية “وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة”؛ ومطلع إنجازاتها، هنا أيضًا، بيان طافح بالأخطاء النحوية والإملائية، نقتبسه بالحرف: “حسب معلومات تردنا ان قوات الشر الأمريكي تخطط لشن هجوم ضد فصائل المقاومة الإسلامية المباركة والشعب العراقي لذلك نحن نقول لهم ان عيننا ترصدكم في كل مكان وإلى السفير الأمريكي والبريطاني في بغداد ان لم يغادر العراق خلال 48 ساعة ستخرجونهم من العراق قتيلان وقد اعذر من انذر”!.
وتبدو حكومة تصريق الأعمال مع تشكيل مليشيات جديد غير قادرة على فرض سيطرتها على الفصائل المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة، في وقت تعمل فيه تلك الفصائل في إطار شبه رسمي تحت قيادة المنظومة الأمنية العراقية
إن الميليشيات تؤدي دورها في استكمال مشروع اللادولة لأنها الوسيلة الوحيدة لاستمرار ما وصل إليه النفوذ الإيراني، رغم ما يعيشه من انتكاسات قصمت ظهره، ومراهنة النظام تبقى على استمرار نفوذ تلك الميليشيات ووصولها إلى مراحل متقدمة في العملية السياسية للوصول إلى عراق مفيد لإيران.