تحضيرات كأس العالم أهم من صحة العمّال الأجانب في قطر

تحضيرات كأس العالم أهم من صحة العمّال الأجانب في قطر

فشلت قطر في اتخاذ التدابير الوقائية والصحية التي تمنع تفشى الفايروس المستجد كوفيد – 19، وسجلت معدل إصابات عاليا مقارنة ببقية دول المنطقة. ويرجع ذلك إلى التدابير التي تتخذها السلطات القطرية بإجبار العمالة الأجنبية على العمل لإنهاء الاستعدادات لكأس العالم 2022، رغم الدعوات العالمية إلى التقيد بإجراء الحجر والتباعد الاجتماعي، وهو إجراء معمول به في قطر لكنه يستثني العمال الذين يجدون أنفسهم مجبرين على العمل دون تدابير وقائية صحية وتوعوية وفي ظروف تعتبر ملائمة لانتشار العدوى وانتقال الفايروس بين العمال، ومنهم يمكن أن ينتقل إلى بقية سكان البلاد رغم قيام السلطات بعزل المناطق الصناعية ومناطق سكن العمال.

لندن – تؤكّد الحكومة القطرية أنها تبذل الجهود لحماية العمّال الذين تم استثناءهم من إجراءات السلامة والعزل للوقاية من فايروس كوفيد – 19، في حين تقدم تقارير حقوقية دولية وشهادات عمّال وتغريدات قطريين غاضبين صورة مختلفة لواقع خطير يفسر لماذا سجلت قطر أعلى معدل إصابات بالفايروس المستجد على مستوى مجلس دول الخليج العربي.

ولم يكن مفاجئا إعلان الدوحة عن إصابة خمسة عمال بفايروس كوفيد – 19، بل إن هذا الإعلان جاء متأخرا. وكانت الدولة الخليجية أعلنت عن إصابة 3711 شخصا بفايروس كورونا ووفاة 7 منهم منذ 6 مارس الماضي، لكن هذه المرة الأولى التي يكشف فيها عن اختبارات إيجابية في صفوف العمال في خضم طفرة البناء استعدادا لاستضافة كأس العالم 2022.

ويقول متابعون إن عدد المصابين قد يكون أعلى بكثير مما صرحت به السلطات القطرية، نظرا لأن عددا كبيرا من العمال لا يبلّغون عن إصاباتهم، خاصة في بدايته وإذا كانت أعراضه غير واضحة، خشية أن يتم إيقافهم عن العمل أو ترحيلهم وبعضهم لم يحصل على مستحقاته كاملة ويخشى ألا يحصل عليها أبدا.

وجاء الإعلان الرسمي القطري عن هذه الإصابات بعد أن تحدثت تقارير غربية صادمة عن وضعية العمال في هذه الفترة التي يمر بها العالم، منها تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي وآخر نشر في نيويورك تايمز، كما تحقيقات منظمات هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية وميغرانتس رايتس، حيث أكّدت كلها أن العمال يذهبون كل يوم إلى “إعدامهم”. وتمنع طبيعة العمل التباعد الاجتماعي، ما يعني أن هناك خطرا كبيرا من انتقال العدوى بين العمال، والأخطر أن العدوى يمكن أن تنتشر منهم إلى بقية السكان، قطريين ووافدين.

وذكر بن هوبرد، في صحيفة نينيروك تايمز، أن قطر أبقت عشرات الآلاف من العمال المهاجرين في حي مزدحم، مما أثار مخاوف من أن يتحوّل إلى بؤرة لفايروس كورونا، لافتا إلى أن استمرار العمل لا يشمل فقط العمال في منشآت كأس العالم بل أيضا العاملين في قطاعي النفط والغاز.

وقالت صوفي كازنز، معدة تقرير فورين بولسي، إن “نحو مليوني عامل مهاجر في قطر في خطر نظرا لعملهم في جماعات وسكنهم في مساكن جماعية ضيقة، وهذا ما يثير مخاوف انتشار الفايروس سريعا”. ونقلت عن أحد العمال النيباليين اتصل بها عبر تطبيق سيغنال المشفر، وطلب عدم الإفصاح عن اسمه، قوله إن “هناك خطر كبير من انتقال العدوى بين العمال. ولا يعرف العمال ما إذا كانوا سيحصلون على أموال أم لا، وما إذا كان سيطلب منهم مغادرة البلاد أم لا”.

نظرا لسجل قطر في انتهاكات حقوق العمال، خاصة منذ بدء العمل على منشآت كأس العالم، أرسل تحالف من ست عشرة منظمة غير حكومية ونقابات عمالية، يوم 31 مارس 2020، رسالة مفتوحة إلى قطر تدعو إلى ضمان حصول العمال الوافدين لديها على الرعاية الصحية بشكل مناسب وفي الوقت المناسب، بما في ذلك الفحوصات خلال أزمة فايروس كورونا، ليس فقط لأن هذه مسألة تتعلق بحقوق الإنسان ولكن لأنها أمر يتعلق بالصحة العامة.

وما يتم تناقله من تغريدات وفيديوهات مصورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي يكشف أن قلق الحقوقيين في محله. كما يكشف أن قطر كانت انتقائية في استجابتها، فحفاظا على الصحة العامة أغلقت السلطات جميع الأماكن العامة، بينما تم عزل العمال في المنطقة الصناعية حيث يواصلون العمل.

وقالت السلطات القطرية إن هذا الإغلاق “لن يؤثر على احتياجات سكان هذه المنطقة اليومية”. لكن، بي ناريندرا، وهو عامل من خارج المنطقة الصناعية، تحدث عن صورة مضادة تماما ينقلها له العمال الموجودون في مناطق الإغلاق، قائلا “لا يسمح أصحاب العمل للعاملين بالخروج لشراء الطعام، ولا تقدمه الشركات. لا نتمتع بأي حقوق لطلب الدعم”. ويتساءل شاهد آخر “كيف يمكن أن يحترم العمال توصيات التباعد الاجتماعي وهم مضطرون إلى العمل في المصانع ومواقع البناء التي تجمع أكثر من 200 شخص يتنقلون في نفس الحافلة“.

تدعم هذه الشهادة شهادات أخرى تضمنها تقرير منظمة العفو الدولية يؤكد أن الظروف المعيشية المتدنية للعمال كانت السبب في إصابة العديد منهم بفايروس كوفيد – 19 وتفشيه في المناطق الصناعية، فيما يتحدث مغردون على تويتر عن إخفاء السلطات القطرية لحالات وفاة بين العمال وينشرون فيديوهات لعمال تم احتجازهم لترحيلهم.

ودعما لهذه الشهادات، ذكرت صحيفة يونايتد نيوز أوف بنغلاديش أن ثلاثة عمال من بنغلاديش لقوا حتفهم إثر إصابتهم بفايروس كوفيد – 19. ونقلت الصحيفة عن سفير بنغلاديش لدى قطر أشود أحمد أن “أكثر من 500 مواطن بنغالي في قطر أثبتت إصابتهم بالفايروس المستجد وهم يخضعون للعلاج في مستشفيات مختلفة هناك. وتوفي ثلاثة من مواطني بنغلاديش أثناء خضوعهم للعلاج”.

ومن بين ما يتناقله رواد مواقع التواصل الاجتماعي رسائل استغاثة صوتية بثتها قناة آدار الألمانية ضمن برنامج يغطي معاناة العمال المعزولين. ويقول المتحدث، وفق الترجمة المصاحبة للفيديو، إن نحو 100 عامل محجوزون في منطقة العزل مع القليل من الطعام وانعدام سبل الوقاية ضد الفايروس.

الترحيل بحجة كورونا

إلى جانب عزل العمال من المنطقة الصناعية، تحدثت منظمة العفو الدولية عن اعتقال وطرد العشرات من العمال الأجانب بعد إبلاغهم بأنه سيجرى فحصهم للكشف عن الإصابة بفايروس كوفيد – 19. واستندت المنظمة في شهادتها، التي ردت عليها الدوحة بالنفي، إلى حديث موثق مع عمال نيباليين أكدوا أن الشرطة القطرية اعتقلت عددا منهم وأبلغتهم بأنهم سيخضعون للفحص للكشف عمّا إذا كانوا مصابين بفايروس كوفيد – 19، وستتم إعادتهم إلى أماكن إقامتهم بعد ذلك. لكن، نُقلوا إلى مراكز الاحتجاز واحتُجزوا في ظروف مزرية للغاية لعدة أيام، قبل إرسالهم إلى نيبال.

وقال أحد الرجال لمنظمة العفو الدولية “طُلب منا التوقف للفحص للكشف عن الإصابة بالفايروس. أخبرتنا الشرطة أن الطبيب سيأتي للكشف عمّ إذا كنا مصابين بالفايروس. لكنهم كذبوا علينا”. ثم حُشر الرجال في حافلات، ونقلوا إلى مرفق احتجاز في المنطقة الصناعية حيث صودرت وثائقهم وهواتفهم المحمولة، قبل أخذ صورهم وبصماتهم. وتم احتجاز العمال في ظروف غير إنسانية، إلى جانب العشرات من الأشخاص الآخرين من مختلف البلدان. وقد احتُجزوا في زنزانات مكتظة من دون أسرّة أو أغطية، ولم يُعطوا ما يكفي من الطعام أو الماء.

وأخبر رجل نيبالي منظمة العفو الدولية “كان السجن مليئا بالناس. تم إعطاؤنا قطعة خبز واحدة كل يوم، وهذا لم يكن كافيا. تم إطعام جميع الناس في مجموعة، مع وضع الطعام على البلاستيك على الأرض. لم يتمكن البعض من انتزاع الطعام بسبب الزحام”. من بين العشرين شخصا الذين جرى التواصل معهم، قال ثلاثة منهم فقط إنهم تم فحص درجة حرارتهم أثناء وجودهم في مركز الاحتجاز.

قطر: طرد العمال الأجانب بشكل غير قانوني أثناء تفشي وباء فيروس كوفيد-19
السلطات القطرية قد اعتقلت وطردت عشرات من العمال الأجانب بعد إبلاغهم بأنه سيجرى فحصهم للكشف عن الإصابة بفيروس كوفيد-19.

من بين 20 شخصا جرى التواصل معهم، قال اثنان فقط إنه تم الاتصال بهما من قبل الشركات التي عملا بها، لتعرض عليهما دفع رواتبهما. وقال رجل إن شركته أعطته نقودا أثناء وجوده في الحجز، لكن ضابط شرطة أخذها منه لـ”حفظها” ولم يعدها إليه. وقال الرجل الآخر إن شركته طلبت منه فتح حساب مصرفي لإرسال أجوره إليه.

ورأى المراقبون أن قطر استغلت أزمة فايروس كورونا المستجدّ للتخلص من مئات العمال الأجانب خاصة مع وصول الأشغال إلى مراحلها النهائية، كما ظهور بوادر “تمرد” في صفوف العمال الذين قد يشكلون عبئا في المستقبل مع انتفاء الحاجة إليهم.

ويحظر القانون القطري على العمال الوافدين الانضمام إلى نقابات أو المشاركة في إضرابات. وتمارس السلطات القطرية سياسة صارمة ضد من يخرق هذا القانون. لكن في الأشهر الأخيرة كسر العمّال حاجز الخوف وتمردوا على هذه القوانين بعد أن تحولت الجنة التي كانوا يحلمون بها عند بحثهم الشاق عن فرصة للعمل في قطر إلى جحيم لا يعرفون كيف الهروب منه، خاصة أولئك الذين لم يحصلوا على مستحقاتهم المالية وتكبلهم قوانين العقد الموقع مع شركاتهم.

وفي شهر فبراير الماضي، قادة عدد لافت من العمال، أغلبهم آسيويون، احتجاجات أغلقوا خلالها أحد الشوارع، وعطلوا حركة المرور. وتقطع لوحات السيارات التي تظهر في الفيديوهات التي تم تسجيلها وعرضت على توتير ومختلف مواقع التواصل الاجتماعي الشكوك بأن هذه الاحتجاجات جاءت في مكان آخر غير قطر.

وتأتي هذه الأحداث لتزيد من رعب الصور التي تنقل عن وضع العمال في قطر منذ انطلاق الأشغال في سنة 2010، بعد فوز قطر باستضافة كأس العالم لكرة القدم 2022. وهو فوز أثار الكثير من الجدل والغضب بسبب ما ارتبطت به من فضائح تقديم الرشاوى وصفقات فساد تشكك في نزاهة عملية حصول قطر على استضافة كأس العالم.

وينتقد الحقوقيون الحكومات ودول العالم التي تتجاهل أكوام التقارير التي ترصد من سنوات أعمال السخرة وحقوق العمال المنتهكة في قطر، لافتين إلى أن كأس العالم 2022، الدورة الأكثر “دموية” في تاريخ الحدث الكروي الأهم في العالم، فالأمر لا يقتصر على الترحيل وأوضاع العمل المزرية والإصابة بالأمراض، بل يصل إلى الموت أحيانا.

العرب