أكراد العراق يلوحون بورقة داعش لاستعادة دورهم في كركوك

أكراد العراق يلوحون بورقة داعش لاستعادة دورهم في كركوك

أكراد العراق الذين ينظرون إلى محافظة كركوك الغنية بالنفط كجزء لا يتجزّأ من أراضيهم وكدافع أساسي لمواصلة الحلم بـ”دولتهم” القابلة للحياة، لا يوفّرون وسيلة لخوض الصراع على المحافظة، وإن استدعى الأمر استخدام ورقة تنظيم داعش في ذلك، خصوصا وأنّهم قد سبق لهم أن استخدموا الورقة ذاتها وشرعوا يلوّحون، بعد مشاركتهم في التصدّي للتنظيم المتشدّد أثناء غزوه لمساحات شاسعة من الأراضي العراقية، بحدود جديدة “ترسم بالدم”.

كركوك (العراق) – يدور سجال منذ أسابيع بين القوات الاتحادية التابعة للحكومة المركزية العراقية وقوات البيشمركة التابعة للإقليم الكردي في شمال العراق، بشأن حقيقة استئناف تنظيم داعش أنشطته في كركوك والمناطق القريبة المتنازع عليها بين العرب والأكراد.

وتمتد خلفيات السجال إلى خارج النطاق الأمني للملف، حيث يطرح البعض فرضية أن يكون قادة الإقليم الكردي الذي يتمتّع بصلاحيات واسعة تجعله أشبه بكيان مستقلّ، بصدد استخدام ورقة التنظيم المتشدّد الذي سبق له أن سيطر بين سنتي 2014 و2017 على ما يقارب ثلث مساحة العراق، في حملة دعائية مدارها أنه لا غنى عن دورهم ودور قوّاتهم في حماية كركوك وحفظ استقرارها.

ولم تستطع قيادة الإقليم إلى اليوم هضم إخراج البيشمركة من المحافظة والإطاحة بالمحافظ السابق نجم الدين كريم ضمن تداعيات الاستفتاء الذي أجراه أكراد العراق قبل أقلّ من ثلاث سنوات، دون موافقة الدولة المركزية على استقلال إقليمهم وردّت عليه بغداد بسلسلة من الإجراءات الصارمة.

ويؤكّد ساسة وقادة رأي عراقيون أن أكراد العراق سبق أن استخدموا بالفعل ملفّ تنظيم داعش الذي شاركت قوّاتهم في صدّه، لكنّ ذلك الدور رفع من طموحات القيادة الكردية التي لمست مقدار الضعف الذي آلت إليه الدولة العراقية حتّى أنّ الزعيم الكردي والرئيس السابق لإقليم كردستان العراق مسعود البارزاني بدأ يتحّدث آنذاك عن رسم حدود جديدة للإقليم بالدمّ.

وتأتي كركوك على رأس المناطق العراقية المتنازع عليها كون أراضيها تحتوي على مخزونات هامّة من النفط، وهي تشكّل بالنسبة لأكراد العراق شريان حياة لـ”الدولة” التي لا يتخلّون عن حلم إقامتها رغم استحالة تحقيق ذلك الحلم في الوقت الراهن.

وفجر الخميس، تضاربت الأنباء الصادرة من وسائل إعلام كردية مع البيانات الرسمية الصادرة عن القوات الخاضعة لبغداد بشأن تعرض نقطة أمنية في حقل نفطي شمال كركوك لهجوم بأسلحة خفيفة.

وقالت وسائل إعلام مقربة من أحزاب كردية إن عناصر من تنظيم داعش هاجموا النقطة الأمنية فجرا، ما تسبب في جرح رجل أمن واحد. وبعد ذيوع أنباء الهجوم خاطب اللواء العسكري الخاص بحماية كركوك سكان المدينة، مشكّكا في المعلومات المتداولة في الإعلام الكردي

الشكوك في تلاعب الأكراد بورقة داعش تصل حدّ اتهامهم بتسريب معلومات للتنظيم تساعده على نصب الكمائن وتنفيذ الهجمات.

ودعت القوة التابعة لبغداد سكان المدينة إلى “عدم تصديق الشائعات التي يطلقها أعوان داعش والمتصيدين في الماء العكر عبر مواقع التواصل الاجتماعي”، مضيفة “نؤكد لكم في الوقت نفسه أننا نطارد يوميا الخلايا النائمة ونطيح بها في شباك القانون وقبضته”، ومشدّدة على أن “كركوك آمنة.. ولا داعي للقلق وتصديق الصفحات المغرضة”.

وخلال الأسابيع الماضية، نشرت وسائل إعلام كردية العديد من الأخبار التي تتحدث عن معاودة تنظيم داعش أنشطته في المناطق الوعرة المتاخمة لمدينتي أربيل والسليمانية أبرز معقلين للأكراد في العراق.

وخضعت هذه المناطق الوعرة التي يسكنها خليط من العرب والأكراد والمسيحيين، طيلة أعوام لسيطرة قوات البيشمركة قبل أن تُرغم على مغادرتها العام 2017 عندما أطلق رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي حملة طرد القوات الكردية من المناطق المتنازع عليها.

ويقول ضابط كبير في وزارة الداخلية العراقية إن وسائل إعلام وشخصيات كردية تروج أنباء وهمية عن هجمات نفذها تنظيم داعش خلال الأسبوعين الماضيين، مؤكدا حدوث تَعَرُّضين محدودين فقط وقعا خلال هذه المدة في المنطقة، لكن المنشورات الكردية تتحدث عن عشرين هجوما.

ويشكّ متابعون للشأن العراقي في أن القوى السياسية الكردية تعمد إلى تضخيم الأنباء المتعلقة بأنشطة تنظيم داعش في المناطق المتنازع عليها، فيما يذهب آخرون أبعد من ذلك بكثير.

وعندما قُتل جنديان أميركيان في الثامن من الشهر الماضي في منطقة جبلية قرب كركوك وسط ظروف غامضة، ألمح مسؤولون أمنيون في بغداد إلى أن قوات البيشمركة الكردية متورطة في تسريب معلومات لتنظيم داعش، مكنته من نصب كمين محكم. ولم تتمكن القوات الأميركية من استعادة جثث الجنديين إلا عندما نفّذ جهاز مكافحة الإرهاب العراقي إنزالا جويا واسعا تحت غطاء ناري كثيف وحاصر منطقة كبيرة ثم قام بتمشيطها.

ويسري اعتقاد على نطاق واسع في أوساط الخبراء الأمنيين بأن الأوضاع الأمنية لن تهدأ في المناطق المتنازع عليها ما لم تعد إليها قوات البيشمركة الكردية. لكن الأحزاب الكردية ووسائل الإعلام في الإقليم شبه المستقل، تقول إن بغداد لا تأخذ التحذيرات من مخاطر عودة داعش بنظر الاعتبار، نافية وجود أي دوافع سياسية تقف خلف هذه التحذيرات.

ويرى الإقليم الكردي أن من حق قواته أن تنتشر في كركوك التي يشكل الأكراد أكثر من نصف سكانها. ويعتقد مراقبون أنّ هذه الاحتكاكات ربما تقود إلى انفجار واسع في هذه المناطق التي يسيطر التشنج القومي على مزاج سكانها، ما يتطلب تسوية عاجلة تتضمن إشراك القوات الكردية في تأمين المناطق المتنازع عليها بين العرب والأكراد.

وسيكون هذا الملف من بين أبرز التحديات التي تواجه حكومة رئيس الوزراء العراقي المكلف مصطفى الكاظمي في حال نيلها ثقة البرلمان. ويرتبط الكاظمي مع الزعيم الكردي البارز مسعود البارزاني بصداقة عميقة تعود إلى سنوات سابقة. وقد أيد البارزاني بقوة ترشيح الكاظمي لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة قبل تكليفه رسميا من قبل رئيس الجمهورية، في مؤشر واضح على علاقتهما الوطيدة.

العرب