تواترت أنباء عن انضمام حلف شمال الأطلسي إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، في ظل تساؤلات عن أهمية الخطوة وتأثيراتها الفعلية ميدانيا في سوريا والعراق. وهل يرتبط هذا القرار بالموقف التركي المستجد، وبالحملة التي أطلقها ضد التنظيم في تركيا وسوريا معا؟
بداية يجب التذكير بعدد من الوقائع والمعطيات الميدانية، التي حصلت منذ إعلان الولايات المتحدة الأميركية رسميا مع تحالف من أكثر من أربعين دولة، الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية منذ نحو عام، ضمن إستراتيجية لم تكن واضحة المعالم.
وتساءلنا منذ اليوم الأول لتكثيف الغارات الجوية للتحالف على نقاط إستراتيجية في العراق -منها حدود كردستان العراق، وسد الموصل، ومراكز القيادة والسيطرة للتنظيم في مدينة الرقة- هل الهدف هو القضاء على هذا التنظيم أم احتواؤه؟ بمعنى رسم خطوط حمراء لا يمكنه تجاوزها. وكنا من أصحاب التفسير الأخير أن الهدف هو الاحتواء لا الاستئصال.
“لتركيا مطالب أساسية، ومصالح إستراتيجية لم توافق عليها أميركا، منها مثلا إقامة منطقة عازلة وحظر للطيران، كما أنها قلقة بشأن الشريط الكردي الممتد من القامشلي شرقا إلى عبرين غربا، مرورا بعين العرب (كوباني)”
منذ قيام التحالف وبدء عمليات القصف الجوي العام الماضي، اشتركت عدة دول فعليا في العمليات الحربية الجوية منها الأردن ودول الخليج وفرنسا وبريطانيا، ثم بدأنا نرى وبعد ثلاثة أشهر، أي في مطلع العام الحالي، انكفاء في المشاركة حتى كادت العمليات الجوية في الأشهر الماضية تنحصر على سلاح الجو الأميركي.
فالأردن الذي كثف غاراته أياما معدودة بعد إحراق طياره “الكساسبة”، عاد وتوقف فعليا مع بقائه ضمن التحالف، وانحصرت غارات سلاح الجو البريطاني على مواقع التنظيم في العراق دون سوريا، واستمرت الغارات الأميركية على مواقع التنظيم بضربات منتقاة، وحين تدعو الحاجة.
وأنقذت عين العرب (كوباني) في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي في اللحظة الأخيرة، وعادت لتنقذها للمرة الثانية في يونيو/حزيران الماضي.
وإذا صح اليوم أن حلف شمال الأطلسي سيدخل الحرب على التنظيم، فلماذا تأخر؟
أولا، إن معظم دول التحالف الدولي هي أعضاء في الناتو، وتركيا العضو البارز في هذا الحلف كانت في الجانب الآخر، ولم تدخل هذا التحالف لأنها كانت وربما لا تزال ترى أن أهدافها الإستراتيجية لا تتطابق مع أهداف التحالف.
فلتركيا حتى الأمس القريب علاقات لا يمكن نكرانها مع تنظيم الدولة الإسلامية، وحدودها هي المعبر الأساسي لمتطوعي التنظيم، وإمداداته اللوجستية، وموارده المالية، وصادراته النفطية… إلخ.
ولتركيا مطالب أساسية، ومصالح إستراتيجية لم توافق عليها الولايات المتحدة الأميركية، منها -على سبيل المثال لا الحصر- إقامة منطقة عازلة وحظر للطيران، كما أنها قلقة بشأن الشريط الكردي الممتد من القامشلي شرقا إلى عبرين غربا، مرورا بعين العرب (كوباني)، حيث تعده خطرا إستراتيجيا مستقبليا، لا سيما أن معظم سكان الأناضول -أي الجنوب التركي الملاصق للحدود السورية- هم من الأكراد.
حاولت تركيا الضغط على أميركا أو “ابتزازها” في نقاط عدة، منها عدم انضمامها إلى التحاف أو التنسيق معه، والإصرار على إقامة منطقة عازلة وعدم السماح للطائرات الأميركية وطائرات التحالف باستخدام قاعدة “إنجوليك الجوية”… إلخ.
اليوم وبعد أن أعلنت تركيا الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، بدأت الحرب -وتحت هذا الشعار- على حزب العمال الكردستاني في الداخل التركي وفي شمال العراق، بموافقة أميركا التي اعتبرت هذا الحزب تنظيما إرهابيا.
كما تحدثت تركيا رسميا عن منطقة عازلة غربي عين العرب (كوباني) وتحديدا في جرابلس، وقيل إن أميركا تغض الطرف دون موافقه رسمية. ويبقى الحديث عن دخول الحلف الأطلسي كما ذكرنا يطرح السؤال: ما الأهداف من دخول الناتو؟ وما التداعيات؟
“للحلف الأطلسي القدرة على توجيه ضربات قاسية وموجعة، قد تكسر شوكة التنظيم، ولكن لن تقضي عليه بالضرورة، لأن العمل العسكري ولو كان شاملا، لا يكفي لتحقيق الهدف، فكيف إذا انحصر في ضربات جوية”
إذا كان الهدف هو حماية تركيا، فالسؤال المطروح هو مِن مَن؟ هل من تنظيم الدولة الإسلامية، أم من حزب العمال الكردستاني؟ وهل سيضع الناتو “داعش” وحزب العمال الكردستاني في سلة واحدة؟
يقول المراقبون إنه يكفي تركيا إذا كانت جادة في محاربة “داعش” أن تراقب حدودها، فحينئذ ستجف موارد هذا التنظيم البشرية واللوجستية بنسبة تفوق 80%.
يبدو أيضا من المستبعد أن يضع الناتو في قائمة أهدافه القضاء على حزب العمال الكردستاني، سواء كان داخل تركيا أو شمالي العراق، وإن غض الطرف عن ذلك، وقدم المساعدة اللوجستية لتركيا.
أما في ما يتعلق بالحرب على “داعش”، فهل ستستبدل الولايات المتحدة التحالف الدولي بالحلف الأطلسي؟ وهل ستتغير الأهداف الإستراتيجية من مرحلة الاحتواء إلى مرحلة القضاء على التنظيم؟
إذا كان الجواب نعم، فلحلف الأطلسي القدرة على توجيه ضربات قاسية وموجعة، قد تكسر شوكة التنظيم، ولكن لن تقضي عليه بالضرورة، لأن العمل العسكري ولو كان شاملا، لا يكفي لتحقيق الهدف، فكيف إذا انحصر في ضربات جوية. وقد كتبنا منذ أشهر عن “الوصايا العشر للقضاء على تنظيم الدولة”، والعمل العسكري هو إحداها، وهو ضروري وليس كافيا.
إن تكثيف عمليات التدريب سواء في العراق أو سوريا، لن يكون كافيا ولا مجديا، فالجيش العراقي يحتاج إلى التنظيم، وإلى الولاء، وإلى العقيدة القتالية بقدر حاجته للسلاح، وما حصل في الموصل وبعدها في الرمادي خير دليل على ذلك.
وفي الخلاصة، يمكن القول بموضوعية إن تنظيم الدولة الإسلامية قد تمدد بشكل دراماتيكي خلال عام التحالف الدولي، فسقطت تدمر، واحتلت نصف سوريا، وسقطت الرمادي، وبات “داعش” يدق أبواب العاصمة العراقية. نجح التحالف في إنقاذ الحسكة وعين العرب (كوباني) واسترجاعهما. فهل ينجح حلف الأطلسي -بما فيه تركيا- في تغيير الخريطة الميدانية؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.
الجزيرة نت
هشاح جابر