كورونا بين العراق وإيران والحب القاتل

كورونا بين العراق وإيران والحب القاتل

تتواصل الضغوط إيرانية على حكومة بغداد، هذه الأيام من أجل السماح بمواصلة تدفق الزائرين الإيرانيين على العراق لزيارة المراقد الشيعية في كربلاء والنجف وبغداد، واستمرار عبور السلع الإيرانية إليها، رغم المخاطر المؤكدة بزيادة نقل وباء كورونا المنتشر بشكل واسع في إيران إلى العراق.

وفي إصرار على تجاهل التحذيرات الصحية الدولية التي تشير إلى أن إيران بؤرة مؤكدة لوباء كورونا، وان انتشاره في المنطقة انطلق منها، وبعكس التوجيهات باعتماد العزل الصحي للدول لضمان عدم انتشاره، فإن المسؤولين الإيرانيين أعلنوا نيتهم مواصلة إرسال الزائرين الإيرانيين إلى العراق وسوريا.

فقد عقد وفد إيراني في كربلاء العراقية اجتماعا مع محافظ المدينة، لبحث التعاون بين الطرفين في مختلف المجالات وأبرزها مناقشة ملف عودة الزوار الإيرانيين إلى المراقد المقدسة في كربلاء.

ورغم أن محافظ كربلاء نصيف الخطابي، وادراكا منه لخطورة الموقف ولحماية محافظته من انتشار الوباء، قد اعتذر خلال اللقاء عن استقبال أي زائر سواء من داخل البلد أو خارجه لحين انتهاء جائحة كورونا في المنطقة، فإن مجرد تقديم الطلب الإيراني، يؤكد إصرارهم على إعادة نشاط الزائرين من دون إعارة أي أهمية لخطورة الموقف الصحي ونتائجه الكارثية المتوقعة.

وقال الخطابي في تصريح صحافي “لن نسمح بالزيارة لحين استلامنا لكتب رسمية من الجهات الصحية المعتمدة دوليا ومحليا بامكانية استقبال وخدمة الزائرين سواء من العراق أو إيران أو من مختلف بلدان العالم، وحتى انتهاء فيروس كورونا”. وأضاف “لن نستقبل أياً من الزائرين الراغبين في أداء مراسم الزيارة، ولن نسمح لأحد بالدخول إلى كربلاء، لأن الوضع ما زال خطيرا” حسب قوله.

وطالب محافظ النجف لؤي الياسري، باستمرار غلق مطار المحافظة. وقال إنه وجه كتاباً رسمياً لسلطة الطيران المدني يطالب فيه “استمرار غلق مطار النجف بالكامل وتحويل الرحلات الاستثنائية لمطار بغداد الدولي حفاظا على سلامة المواطنين من أبناء المدينة من وباء كورونا”.

وكانت المحافظتان قد أعلنتا فرض حظر التجوال فيهما، وعدم استقبال الزائرين العراقيين والأجانب، بمناسبة الزيارة الشعبانية (المقررة في منتصف شهر شعبان الحالي) خوفا من إفشال جهودهما في السيطرة على الوباء، وخاصة بعد كشف مئات الإصابات فيهما، لأشخاص زار معظمهم إيران أو إيرانيين قدموا إلى المدينتين.

ولا يبدو تحرك الوفد الإيراني في كربلاء، معزولا عن تصريحات رئيس منظمة الحج والزيارة الإيرانية، علي رضا رشيديان الأخيرة، الذي أعلن فيها عن “التخطيط لاستئناف الزيارات الدينية إلى العتبات المقدسة في العراق وسوريا” مؤكدا قرب “استئناف السفر المتبادل بين إيران وهذين البلدين مع مراعاة الشروط الصحية!” حسب ادعاءه.

ويتناقض تصريح المسؤول الإيراني، وزيارة وفد بلاده إلى كربلاء، مع إعلان حكومة بغداد عن “إغلاق حدودها بشكل كامل مع إيران للحد من انتقال العدوى إلى مواطنيها” ما يعني أن السلطات الإيرانية قد اتخذت فعلا قرارها بمواصلة توافد قوافل الزائرين الإيرانيين إلى العراق، وأنها بدأت في اتخاذ الإجراءات لتنفيذ هذا القرار.

ويذكر أن منظمة الصحة العالمية، وازاء انتشار فيروس كورونا بشكل كبير في إيران، عبرت عن قلقها من تفشي كورونا فيها، كونها أصبحت بؤرة للمرض، كما أعلنت جميع دول الخليج العربي ودول جوار إيران، أن إصابات كورونا فيها جاءت من مواطنين زاروا إيران، ولذا قررت العديد من بلدان المنطقة غلق حدودها معها. وتشير الإحصائيات عن تفشي وباء كورونا في إيران بنسبة تفوق الألف إصابة يوميا، حيث تجاوزت 74 ألف إصابة مؤكدة، توفي منها 4683 مصابا، وفق الأرقام الرسمية الإيرانية التي تؤكد مصادر محلية ودولية أنها أقل بكثير من الأرقام الحقيقية.

رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، الذي يتفاخر بأن حكومته حققت “انجازات” في التعامل مع الوباء في العراق، وينفي التقارير الدولية والمحلية عن إخفاء حكومته الأعداد الحقيقية لوفيات كورونا، أعلن تمديد حكومته أجل حظر دخول الأجانب القادمين من إيران، إلا أنه سيكون أمام امتحان معروف النتائج مسبقا، عندما يواجه إصرار طهران على تنفيذ قرارها استئناف إرسال الزوار الإيرانيين إلى الأماكن المقدسة في العراق، الذي له دوافع سياسية واقتصادية معروفة تخدم نظام طهران، ولا تعير اهتماما للمخاطر المؤكدة في تفشي الوباء في العراق، الذي سجل 1415 إصابة بفيروس كورونا بينها 79 وفاة، حتى يوم 15 ابريل/نيسان الحالي. فيما أعلنت منظمة الصحة العالمية، أن العراق ثاني بلد من حيث عدد الوفيات بعد إيران في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.

ولا يخفي العراقيون مخاوفهم هذه الأيام، من استمرار تدفق الزوار الإيرانيين على المراقد المقدسة في كربلاء والنجف وبغداد وسامراء، رغم إعلان حظر التجوال وقرار منع دخول الأجانب إلى البلاد، كما ظهر في القبض على زوار إيرانيين وصلوا إلى كربلاء والنجف مؤخرا، أو في حالة إعلان نائب من محافظة صلاح الدين أن عناصر “سرايا السلام” التابعة للتيار الصدري، أجبرت القوات الأمنية على السماح بدخول زوار إيرانيين إلى مدينة سامراء رغم حظر التجوال، وغيرها الكثير من الحالات الأخرى. كما أقر مسؤولون حكوميون عراقيون، بأن المحاصيل الزراعية والغذائية الإيرانية ما زالت تتدفق على المدن العراقية، رغم وجود مخاطر من انتقال فيروس كورونا من خلالها.

ويقر العراقيون أن حكومتهم تقودها أحزاب وقوى موالية معظمها لإيران، وان تلك الأحزاب متغلغلة أو لها نفوذ على السلطات الحدودية والأمنية، ولذا فإن أي قرار يتعارض مع مصلحة إيران، سيتصدى له أصدقاؤها وحلفاؤها ويفشلوه حتى إذا صدر من أعلى المراجع الحكومية، وبالتالي فإن ادعاء حكومة بغداد سيطرتها على تفشي كورونا سيذهب أدراج رياح القرار الإيراني بإعادة تدفق زوارها نحو المدن العراقية، وهو القرار الذي سيدفع ثمنه العراقيون من صحتهم وحياتهم التي لا تقيم لها أحزاب السلطة أي اعتبار مقابل ارضاء حليفها الشرقي المهووس بزيارة المراقد الشيعية المقدسة.

مصطفى العبيدي

القدس العربي