قال سايمون تيسدال المعلق في صحيفة “الغارديان” إن الولايات المتحدة وروسيا تعملان على منع خطط الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار على مستوى العالم وهي الخطط التي تحظى بدعم من منظمات حقوق الإنسان والجمعيات الخيرية.
ويشير الكاتب إلى أن النزاعات الدولية أدت إلى مقتل أكثر من 150.000 شخص على مستوى العالم. وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش قد دعا في الشهر الماضي إلى وقف فوري لإطلاق النار حيث قال إن “سطوة الفيروس تلخص حماقة الحرب”.
ورغم الدعم القوي لهدنة دولية من دول عدة بما فيها حلفاء أمريكا مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكذا جماعات حقوق الإنسان وبابا الفاتيكان إلا أن إدارة دونالد ترامب ترفض الالتزام بالدعوة التي طالبت بها الأمم المتحدة.
وفي محالة لكسر المأزق قدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مقترحا إلى مجلس الأمن الدولي لتجاوز المعارضة الأمريكية والروسية. ويرحب مشروع القرار في مسودته الأولى بدعوة الأمين العام ويعبر عن تضامنه مع جهوده. ولكن لا يدعو إلى أن يكون القرار ملزما ويسمح للدول الأعضاء تقدير الظروف التي يطبق فيها القرار.
وتأتي المعارضة الأمريكية من مخاوف وزارة الدفاع والخارجية والبيت الأبيض عرقلة القرار جهودها للقيام بعمليات مكافحة الإرهاب، مثل تنظيم الدولة في العراق والأهداف الأخرى المعادية للمصالح الأمريكية.
ولدى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كما يعتقد، نفس التحفظات وأثر القرار على عمليات الجيش الروسي في سوريا والدعم الذي تقدمه روسيا للمتمرد الليبي خليفة حفتر مع أنها لا تعترف بهذا الدعم.
وبحسب تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” على موقعها، “تخشى الحكومتان من أن تقيد هدنة دولية جهودهما لشن عمليات مكافحة إرهاب في الخارج”. كما أن الولايات المتحدة قلقة من أثر فرض هدنة عامة على العمليات الإسرائيلية في داخل الشرق الأوسط، وذلك حسبما قال كولام لينتش مؤلف التقرير، في إشارة للغارات الجوية التي قام بها الطيران الإسرائيلي على أهداف في سوريا والعراق ولبنان.
ويقول المحللون إن الرئيس دونالد ترامب ومستشاريه يريدون أن تكون لهم حرية الحركة لشن هجمات ضد الجماعات التي تدعمها إيران في العراق، كما في الهجمات التي شنت ضد القادة الإيرانيين في العراق وقتل زعيم فيلق القدس، قاسم سليماني، بداية العام الحالي.
وقال غويتريش في 23 آذار/ مارس مناشدا القادة حول العالم لوقف الأعمال القتالية والتفرغ لمحاربة كوفيد-19.
وأضاف: “أوقفوا الحرب التي تثير المرض وحاربوا الوباء الذي يعيث الفساد في العالم. ابدأوا بوقفها في كل مكان، وهو ما تحتاجه الإنسانية الآن وأكثر من أي وقت مضى”.
وصادقت جمعيات إغاثة دولية على دعوة غويتريش، وكذا منظمات دينية وجماعات حقوق إنسان والبابا الذي وضع ثقله وراء الدعوة في خطبته باحتفالات عيد الفصح.
وقالت مديرة منظمة الطفولة “يونيسيف” هارييتا فور إن هناك 250 مليون طفل هم “كابوس يتحرك” وبحاجة لوقف الحرب كي تتم مواجهة الفيروس.
ودعمت 50 حكومة نداءات غويتريش، منها دول عضو في حلف الناتو. ففي رسالة مشتركة لم توقع عليها الولايات المتحدة وروسيا عبرت عن قلقها من عدم تحرك مجلس الأمن الدولي. وجاء فيها: “مع انتشار كوفيد-19 دوليا نشعر بالقلق على مصير النساء والأطفال والمدنيين العالقين في النزاعات المسلحة، وتأثر السكان بطريقة غير متناسبة منها. ولهذا فوقف مباشر لإطلاق النار سيخفف من أثرها ويسمح للمساعدة الإنسانية المطلوبة ويوقف انتشار كوفيد-19”.
وتعهد وزير الخارجية والقائم بأعمال رئيس الوزراء دومينك راب بدعم بريطاني لأن مكافحة فيروس كورونا هو “القتال من أجل حياتنا وعلينا الاتحاد ضده”. إلا أن الولايات المتحدة تواصل المراوغة مع تواصل المفاوضات. وقالت سفيرة الولايات المتحدة كيلي كرافت إن بلادها تدعم هدنة دولية وعبرت عن أملها من تمرير المسودة الفرنسية، إلا أن المتحدث باسم الخارجية كان مترددا حيث قال: “تدعم الولايات المتحدة دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن هدنة دولية ولكنه لاحظ حاجتنا لمواصلة مهمتنا في مكافحة الإرهاب”.
وأخرت الولايات المتحدة الرد على الفيروس عندما أصرت على أهمية وصفه بـ”فيروس ووهان” والذي اعترضت عليه الصين. كما أن الولايات المتحدة اعترضت على اللغة الداعمة لمنظمة الصحة التي هاجمها ترامب وقطع التمويل عنها.
وعبر ماكرون يوم الأربعاء عن تفاؤله قائلا إنه اتصل شخصيا مع الرئيس ترامب والرئيس الصيني شي ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وكلهم دعموا تحركه. كما عبر عن أمله في موافقة بوتين. وفي الوقت الذي ستكون النتيجة مهما كان شكلها مثيرة إلا أنها ستخيب أمل الذين طالبوا بهدنة كاملة، خاصة أن مجلس الأمن لم يتحرك لمواجهة كوفيد-19. ولو قررت القوى الكبرى تجاهل دعوة للأمم المتحدة عندما تناسبها فإن أي دول عضو أو جماعة إرهابية قد تختار عمل نفس الأمر.
ومنذ دعوة غويتريش الشهر الماضي حصل تقدم متفرق، حيث أعلنت السعودية وقف إطلاق النار لمدة أسبوعين في اليمن. وهناك تحركات في كمبوديا والفلبين.
وتقول الأمم المتحدة إن 12 دولة قرر فيها طرف من الحرب وقف إطلاق النار. وهناك إشارات في أفغانستان التي تدور فيها أطول النزاعات في العالم عن إضعاف كوفيد-19 جهود السلام، في وقت دعا فيه تنظيم الدولة أتباعه لاستهداف “الصليبيين” في أي مكان.
إبراهيم درويش
القدس العربي