عاد البريق مرة أخرى إلى الذهب كملاذ آمن مع تصاعد مخاطر تفشي وباء كورونا، وخلال الفترة الأخيرة، شهدت أسعار المعدن الأصفر قفزة حادة في الأسواق العالمية والعربية، على حد سواء، ووصل السعر الأسبوع الحالي إلى أعلى مستوياته في 7 سنوات.
وتخطى سعر الذهب حاجز 1700 دولار للأوقية (الأونصة) ليلامس أعلى مستوى له منذ ديسمبر (كانون الأول) 2012، مع تدافع المستثمرين إلى التماس الأمان في المعدن الأصفر، وسط مخاوف بشأن تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي.
وفي هذا الشأن، قال متخصصون، إن الذهب مرشح لتجاوز مستوى 2000 دولار للأونصة، ليسجل أعلى مستوياته على الإطلاق، بدعم الركود المصاحب للتداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا حول العالم.
وخلال العام الماضي، حقق الذهب أفضل أداء له لعدة سنوات مسجلاً مكاسب بلغت نحو 18.43 في المئة، على الرغم من أنه لا يزال متخلفاً عن سوق الأسهم، حيث سجل مؤشر “إس آند بي500 ” مكاسب بنحو 28.88 في المئة.
ومع بداية عام 2020 كان الذهب أحد الاستثمارات القليلة التي اتخذت اتجاهاً صعودياً، مدفوعة بالتصعيد المفاجئ في التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، التي ضربت أسواق الأسهم العالمية، وأجبرت المستثمرين للبحث عن ملاذ آمن، كما أدت المخاوف من تفشي فيروس كورونا إلى هبوط حاد في الأسواق المالية وارتفاع الذهب ليقترب من مستوى 1900 دولار للأونصة.
الملاذ الآمن وقت الأزمات
وفي هذا الصدد، قال أحمد معطي، المدير التنفيذي لشركة “في اي ماركتس” في مصر، يعد الذهب الملاذ الآمن وقت الأزمات الاقتصادية وارتفاع المخاطر الجيوسياسية، وهو ما ينعكس على انتعاش الأسعار وتحقيق قفزات ملحوظة، مثلما حدث في الثلاثة عقود الماضية؛ فخلال حرب الخليج عام 1990 ارتفعت أسعار المعدن الأصفر 6.4 في المئة، وبعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) زادت الأسعار 9 في المئة، فيما زاد أثناء حرب العراق 9.6 في المئة.
وأضاف، أنه مع أزمة كورونا الراهنة نرى ارتفاعاً حوالي 13 في المئة حتى اللحظة إلى مستويات فوق 1700 دولار للأونصة، لذلك، وبالتأكيد من المتوقع أن نرى ارتفاع الذهب إلى مستويات 2000 دولار للأونصة وأكثر، واختراق القمة التاريخية في 1 سبتمبر 2019 عند 1920 دولاراً للأونصة في حالة استمرار جائحة كورونا لفترة أطول خاصة مع تأكيد البنك الدولي وصندوق النقد بأن الاقتصاد العالمي يشهد ركوداً هو الأسوأ منذ عقود، وتوقعات البنك الدولي بمعدلات نمو سالبة لأغلب الدول.
اقرأ المزيد
الذهب يتألق في أعلى مستوى خلال 7 سنوات بفعل تنامي المخاوف الاقتصادية
تغير اتجاهات الذهب في سوق العقود الآجلة
وتابع معطي، “أن الذي يضغط على أسعار الذهب الآن هو استمرار الأفراد والمستثمرين في الاحتفاظ بالسيولة لحين وضوح الرؤية، خاصة أنه من المعروف وقت أزمات السيولة هي المِلك، كما أن انخفاض أسواق المال والأسهم يضغط على الأسعار، وقد رأينا ذلك بالفعل عندما هبط “داو جونز” إلى مستويات 18500 فانخفض أيضاً معها الذهب إلى مستويات 1600 دولار للأونصة، لأن المستثمرين في الأسهم يريدون تغطية مراكزهم الشرائية، فيقومون بتسييل الأصول إلى سيولة لفتح مراكز شرائية جديدة على الأسهم. ومن المعروف أن الذهب من أسرع الأصول التي يمكن تسييلها”.
وتوقع أنه مع الإعلان عن التوصل لعقار يعالج كورونا ستنخفض الأسعار، بانتهاء الأزمة التي تسببت في ارتفاع الذهب، مع تحسن الأصول الأخرى وارتفاعات بالأسواق المالية وعقود النفط.
المعاناة الاقتصادية تدعم الأسعار
في مقابلة مع وكالة بلومبيرغ الأميركية، قال الرئيس التنفيذي توم بالمير، رئيس أكبر شركة لتعدين الذهب في العالم “نيومونت كورب”، إن سعر أونصة الذهب الواحدة يمكن أن يتجاوز 2000 دولار، على مدار السنوات الخمس المقبلة، مع استمرار المعاناة الاقتصادية المتولدة من فيروس كورونا.
وقال بالمير، إن “معدل التحفيزات الاقتصادية على مستوى العالم يضمن استمرار ارتفاع الذهب على المدى الطويل، ولا أعتقد توقف التحفيزات الاقتصادية في الوقت الراهن. يمكن بكل تأكيد رؤية سيناريو يصل فيه الذهب لـ2000 دولار للأونصة”.
وأضاف، أن المعدن سيقف في نطاق 1500 دولار إلى 1750 دولاراً في فترة ما بين العامين إلى الأعوام الخمسة المقبلة، بينما يستعد العالم ويستقبل حزم التحفيز المقبلة، يمكن بالتأكيد أن ترى ارتفاعات قوية من وقت لآخر.”
تراجع مؤقت للذهب
من جهته، قال جون لوكا، مدير التطوير لدى “ثنك ماركتس”، “مع تصاعد تداعيات فيروس كورونا زاد فيه المعدن الأصفر أعلى مستوياته في 7 سنوات ونصف السنة، وهو 1800 دولار للأوقية للمرة الأولى منذ ديسمبر (كانون الأول) 2012”.
وأكد أن الخفض الحاد في تقديرات النمو الاقتصادي عالمياً، وعلى مستوى الولايات المتحدة الأميركية ووجود نحو 22 مليون أميركي عاطلين عن العمل يؤكد النظرة المتوسطة للذهب واحتمالية وصوله لمستويات تتجاوز 2000 دولار للأونصة.
وتوقع أن التدابير المالية لدول العالم ستتجاوز 10 تريليونات دولار أميركي لمحاربة تفشي الفيروس ودعم الاقتصادات والشركات، مما سيكون لها تأثير ملحوظ في أسعار السلع والخدمات، وفي مقدمتها أسعار الذهب.
وأفاد لوكا بأن تجاوز الذهب سقف 2000 دولار للأونصة يسهم في إثارة الكثيرين، ولكن في الوقت ذاته سيلعب انخفاض شهية الهند على الذهب (ثاني أكبر مشترٍ للذهب) في التأثير بالطلب العالمي ويحد من ارتفاع الأسعار، مضيفاً “المؤشرات ترجح تراجع استهلاك الذهب في الهند خلال العام الحالي بما يصل إلى 50 في المئة مقارنة بالعام الماضي ليصل إلى أدنى مستوى منذ نحو 30 عاماً بسبب إجراءات العزل المفروضة على مستوى البلاد التي أدت لإغلاق متاجر الحلي خلال احتفالات رئيسة وموسم حفلات الزفاف”.
وقال لوكا، “توقعات مجلس الذهب العالمي الأخيرة ترجح ارتفاعاً مرتقباً كبيراً للذهب على المدى المتوسط في حال استمرار حالة عدم اليقين الواسع النطاق بالأسواق، وهي ما يمثل فرصة لحيازة المعدن الأصفر”.
دوافع ارتفاع الطلب على الذهب
وفي تقرير حديث صدر الشهر الحالي عن مجلس الذهب العالمي، توقع أن تستمر الدوافع الأخيرة للطلب على الاستثمار بالذهب سواء حالة عدم اليقين في الأسواق وتحسين تكلفة الفرصة البديلة لعقد الذهب مع انخفاض العائدات.
وأفاد مجلس الذهب بأن استمرار حالة عدم اليقين حول الآثار الاقتصادية القصيرة والطويلة الأجل لتفشي فيروس كورونا في دفع التقلبات الحادة عبر العديد من الأصول، تاركاً الأسهم العالمية في منطقة السوق الهابطة، كما تحمل تداعيات تفشي الفيروس على تشجيع التدفقات إلى الملاذ الآمن مثل سندات الخزانة الأميركية والذهب.
ولفت التقرير إلى أن خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة إلى الصفر في المستقبل، يمكن أن يكون جيداً لأداء الذهب لأنه يميل إلى الانتعاش خلال دورات التيسير.
وذكر التقرير أن حيازة صناديق الاستثمار العالمية المتداولة للذهب ارتفعت 9.7 في المئة، تعادل 298 طناً على أساس سنوي خلال الربع الأول من 2020، لتسجل أعلى مستوى على الإطلاق عند 3184.8 طن.
وحسب تقرير مجلس الذهب، بلغ حجم تدفقات الصناديق للاستثمار بالذهب خلال الفترة نحو 23 مليار دولار، وهو أعلى من حيث القيمة ربع السنوية على الإطلاق، والأكبر من حيث الكمية منذ 2016، وكانت صناديق الذهب أضافت نحو 659 طناً خلال العام الماضي، بأعلى مستوى سنوي منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.
استكمال رحلة الصعود
ومن جانبه، قال محمد مهدي، المتخصص في أسواق السلع، إن أنظار الدول العالمية ورؤوس الأموال بصفة عامة تتجه للمعدن الأصفر الذي ارتفع بنحو 16 في المئة منذ بداية العام الحالي، ومن المتوقع أن يواصل استكمال رحلة صعوده السنوي ليصل إلى مستويات قد تتجاوز 2000 دولار للأونصة حال استمرار كابوس كورونا.
ولفت مهدي إلى أن صعود الذهب قابل فقدان مؤشرات الأسهم كل ما حققته طوال الأربع سنوات الماضية، إلى جانب احتفاظ أغلب دول العالم باحتياطاتها من الذهب وتكوين مراكز شرائية في ظل الأزمة الحالية، التي استنزفت الكثير من الأموال في دعم الأسواق العالمية وخطط الإنقاذ الاقتصادي يؤكد أن المعدن الأصفر لا يزال الوجهة الأفضل للاستثمار.
تزايد المخاوف من كساد عالمي
ومن جانبه، قال محمد ياسين، المدير التنفيذي لشركة ” SFTC”، إن أسعار الذهب تداولت طيلة الأسبوع الماضي على أسعار أعلى من 1700 دولار للأونصة مع تزايد المخاوف على دخول مرحلة كساد اقتصادي عالمي بسبب جائحة كورونا.
وأشار ياسين إلى أن تهديد الفيروس متواصل مع تجاوز عدد الإصابات مليوني شخص حول العالم، مع تصدر أميركا (أكبر اقتصاد عالمي) عدد الإصابات والوفيات، يولد مخاوف لدى المستثمرين وانسحاب رؤوس أموال كبيرة من مختلف الأسواق نحو الاستثمار في الذهب كملاذ آمن.
وأوضح أن الذهب بدأ رحلة النزول خلال الأسبوع الماضي التي ستكون قصيرة أو متوسطة المدى لينتهي تحت أسعار 1690 دولاراً للأونصة بسبب بعض الارتفاعات التي شهدتها الأسهم الأميركية ومؤشر “داو جونز” على وجه التحديد، وتفاعل مؤشرات الأسهم الأوروبية أخرى عديدة بصورة إيجابية مع انحسار المخاوف من تأثير الفيروس.
القوى الشرائية
وقال ريمون نبيل، عضو الجمعية المصرية للمحللين الفنيين، إن القوى الشرائية على الذهب مرتفعة بدعم انهيار الأسواق المالية والأزمات الاقتصادية الناتجة عن كورونا، بعد الانهيارات في شهر مارس (آذار) الماضي الذي يعد الشهر الأكثر سوءاً على أسواق المال منذ عام 2008 .
وأشار نبيل إلى أن المؤشرات السلبية أعطت دفعة للمستثمرين والدول لاتجاه للتحوط بالذهب كاستثمار آمن في تلك الأزمة، حتى ولو بشكل مؤقت، وانعكس ذلك على الحركة السعرية للمعدن الأصفر حيث واصل الصعود محققاً 1788 دولاراً خلال أبريل (نيسان) الحالي.
وبين أن الذهب حالياً دخل في عملية تصحيح مؤقتة، إذ لا يزال مستوى الدعم الأول للذهب الآن عند مستوى 1670 دولاراً للأونصة، ثم مستوى الدعم الثاني بالقرب من مستوى 1600 للأونصة.
وتوقع نبيل أن يستمر الذهب عالمياً في التذبذب في حركة عرضية مؤقتة بين مستويات الدعم ومستوى المقاومة الأول عند 1800 للأونصة، حتى تتمكن أي من قوى البيع أو الشراء من السيطرة على اتجاه الأسعار، موضحاً أن الاتجاه العام للذهب في الوقت الراهن صاعد، سواء كان على المدى المتوسط أو القصير.
اندبندت عربي