كورونا يفرض إعادة توجيه بوصلة الاقتصاد التونسي

كورونا يفرض إعادة توجيه بوصلة الاقتصاد التونسي

تواجه الحكومة التونسية تحديات غير مسبوقة بسبب التداعيات الاقتصادية لتفشي فايروس كورونا، حيث تتصاعد المطالبات باعتماد إجراءات عاجلة لضمان العبور بأخف الأضرار إلى مرحلة ما بعد الوباء ومراجعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي ثبت عجزها عن مواجهة الصدمات.

تونس – طالبت منظمات وخبراء اقتصاد الحكومة التونسية بتقديم خارطة طريق للتصدي للمخاطر الاقتصادية الناجمة عن انتشار فايروس كورونا تقطع نهائيا مع السياسات الاقتصادية القديمة.

وقال الخبير الاقتصادي وأمين عام مجلس الأعمال التونسي الأفريقي أنيس الجزيري في تصريح خاص لـ”لعرب” إن أزمة كورونا فرصة للدولة التونسية لإعادة الاعتبار لدور الدولة الاجتماعي في القطاعات الحياتية والحيوية كالصحة والتعليم والسكن والنقل العمومي والأمن الغذائي.

وأشار إلى أن القطاع العام يجب أن يقوم بدوره في الاستجابة لحاجات كل الفئات الاجتماعية على أساس المساواة وتقديم الخدمات وعلى القطاع الخاص أن يساهم في تلك الجهود.

وأقر مسؤولون حكوميون مرارا منذ تسجيل أولى الإصابات بالفايروس في البلاد بهشاشة البنية التحتية الصحية وعدم قدرتها على القيام بالفحوصات المخبرية والطبية وقلة اليد العاملة لتغطية الحاجيات الكبيرة ونقص أطباء الاختصاص.

وطالب الجزيري الدولة بالقطع مع السياسات الفاشلة منذ عقود وتعزيز كفاءة استثمار مواردها في مجالات الصحة والهندسة والتكنولوجيا والخدمات المالية والصناعات والزراعة.

وشدد على ضرورة تشجيع المنتج المحلي وتقليص الاستيراد وفتح آفاق أوسع نحو السوق الأفريقية، التي ستكون وجهة القوى العظمى في الأعوام القادمة لما تزخر به القارة من موارد طبيعية وبشرية.

وأشار إلى أن تونس يمكن أن “تلعب دورا رياديا إذا أحسنت استغلال الفرصة ما بعد أزمة كورونا بدبلوماسية ناجعة على الصعيد العربي والأفريقي”.

وتسعى تونس إلى الاستفادة من موقعها في شمال القارة الأفريقية لتكون محورا تجاريا يربط بين مختلف الدول لأخذ حصتها من السوق الأفريقية خصوصا بتصدير منتجاتها الصناعية والتحويلية.

ويرى الجزيري أن “مشروع منطقة التبادل التجاري الحرّ الأفريقية يمثل فرصة لدول القارة لدعم مبادلاتها التجارية، خاصة في هذه الأزمة العالمية التي ستشهد انكماش حركة التجارة العالمية”.

وأضاف أن النظام العالمي سيشهد تغيرات كبيرة ترجح تراجع دور الولايات المتحدة وصعود الصين كقوة اقتصادية يكون لها نفوذ أكبر في أفريقيا، وأن على دول القارة المنضوية في منطقة التبادل الحر توحيد المواقف لمواجهة التجاذبات والصراعات على النفوذ.

ويعد الاتحاد الأوروبي الشريك الاستراتيجي الأول لتونس حيث يستأثر بنحو 80 في المئة من حجم المبادلات التجارية، الأمر الذي فاقم آثار تفشي كورونا على الاقتصادات الأوروبية جراء إجراءات غلق الموانئ وتقليص حركة السفر.

وشدد الجزيري على أن “مجلس الأعمال التونسي الأفريقي سيلعب دورا أكبر خلال الفترة المقبلة لاقتحام السوق الأفريقية بعد إزالة العقبات الجمركية والإدارية من أجل تطوير التبادل التجاري بين الدول الأفريقية”.

وكان مشروع قانون منطقة التبادل التجاري الحر الأفريقية قد سقط في البرلمان التونسي نظرا لعدم حصوله على عدد الأصوات الكافي ليمر إلى حيز التنفيذ مما أخر إجراءات الانفتاح الأفريقي قبل حوالي شهر من أزمة الوباء.

وقلل الجزيري من توقعات استفادة تونس بشكل كبير من تهاوي أسعار النفط، التي يتناقلها بعض المحللين بشأن شراء مخزونات استراتيجية من النفط وتغطية احتياجات البلاد.

وأوضح أن تونس لا تملك طاقة تخزين كبيرة للمحروقات ولا احتياطات كبيرة من العملة الصعبة لتقدم على اقتناء وتخزين كميات كبيرة من النفط خلال فترة التراجع الحاد للأسعار. وقال إن مكاسبها من ذلك ستكون مؤقتة ومحدودة الأثر على العجز في الطاقة وعجز الموازنة.

واعتمدت الموازنة التونسية للعام الحالي سعر 65 دولارا لبرميل النفط في حين تحركت الأسعار في مستويات تقل عنها بنحو 65 في المئة، ما يعني تحقيق فائض في مخصصات الإنفاق العام على المحروقات.

وخفضت وزارة الطاقة والمناجم أسعار المحروقات بنسبة ضئيلة جدا، رغم تراجع الأسعار الحاد. واعتبر الخبير الجزيري “التخفيض حركة رمزية من الحكومة رغم الوضعية المالية الصعبة جدا”.

وخصصت تونس نحو 2.5 مليار دينار (860 مليون دولار) لمكافحة فايروس كورونا فيما صادق البرلمان على تفويض رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بإصدار المراسيم الحكومية دون الرجوع إلى البرلمان لمدة شهرين في ظل الأوضاع الطارئة.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد التونسي بنسبة 4.3 في المئة في عام 2020 تحت تأثير أزمة فايروس كورونا، في أسوأ ركود له منذ عام 1956.

وكان الصندوق قد وافق على صرف قرض بقيمة 745 مليون دولار لمساعدة تونس على مواجهة آثار الوباء.

ورجح الجزيري أن “يواجه الاقتصاد المحلي على المدى القصير مشاكل هيكلية كبيرة خصوصا بالنسبة إلى المالية العامة وترجيح استمرار الأزمات في 2021 وارتفاع حجم كتلة الدين الخارجي واضطرار الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى تسريح العمال وإحالة أعداد كبيرة إلى البطالة”.

وأكد أن “الأوضاع الاقتصادية قبل الأزمة كانت صعبة وأن جائحة كوفيد – 19 جعلتها معقدة جدا وخطيرة”.

وأضاف أنها “تتطلب سياسات جديدة وجرأة وشجاعة في اتخاذ القرارات على المستوى المحلي، وتتطلب تنسيقا دوليا على أعلى مستوى للخروج من الأزمة العالمية بأخف الأضرار وبناء المستقبل الاقتصادي على أسس صلبة”.

العرب