قالت صحيفة نيويورك تايمز إن أزمة صحية بحجم جائحة فيروس كورونا المستجد تتطلب تعاونا دوليا على نطاق لم يشهد العالم مثيلا له طيلة العقود السابقة.
ومع ذلك -تضيف الصحيفة- قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعليق تمويل بلاده لمنظمة الصحة العالمية، وهي الجهة الوحيدة المنوط بها تنسيق جهود الاستجابة لأزمة من هذا القبيل.
وذكرت الصحيفة في تقرير لدونالد مكنيل -محررها للشؤون العلمية- أن فيروس كورونا بدأ يزحف من المدن الأميركية الكبيرة إلى الضواحي والمناطق الريفية، حيث أصاب حتى الآن ملايين الأشخاص وأودى بحياة أكثر من 34 ألفا.
وكشف ترامب الجمعة عن ملامح خطته لإعادة فتح الاقتصاد، مقترحا أن تستأنف بعض الولايات الأميركية ما يشبه العودة إلى الحياة الطبيعية قريبا.
رؤية متفائلة
ووصفت الصحيفة رؤية الإدارة الأميركية للأزمة خلال الأسابيع الماضية ولمستقبل البلاد، بأنها أكثر تفاؤلا مما يعتقده مستشاروها الطبيون والعلماء بوجه عام.
وكان ترامب قد أعلن في إيجازه الصحفي اليومي أول أمس أن إدارته ستفتح الاقتصاد الأميركي مع توخي معايير الأمن والسلامة تجاه جائحة فيروس كورونا، موضحا أن تكثيف إجراء اختبارات الفيروس سيسهم في إعادة فتح البلاد، مشيرا إلى أنه متأكد من أن بعض الولايات ستنجح في إعادة فتح اقتصادها خلال الأسابيع المقبلة.
على أن محرر الشؤون العلمية بنيويورك تايمز يثير شكوكا في الأسباب التي تدعو الإدارة الأميركية للتفاؤل، إذ يقول إن من غير الواضح إلى أين ستقودنا هذه الأزمة.
وطرح دونالد مكنيل في تقريره عددا من الأسئلة من قبيل، متى يمكن للأميركيين الخروج من منازلهم، وكم سيستغرق الأمر حتى يُكتشف علاج أو لقاح للفيروس القاتل، وكيف السبيل إلى السيطرة على الجائحة؟
وأضاف أن أكثر من عشرين خبيرا في مجال الصحة العامة والطب والأوبئة والتاريخ أدلوا بدلوهم حول المستقبل في مقابلات أجرتها معهم الصحيفة الأميركية.
وقال إن الاعتقاد السائد لدى البعض أن العبقرية الأميركية، ما إن تنخرط تماما في الموضوع، فإنها قد تحقق اختراقات من شأنها تخفيف الأعباء الناجمة عن تفشي “كوفيد-19”.
مستقبل كئيب
بيد أن الطريق نحو المستقبل رهن بعوامل رغم ما تتصف بها من صعوبة مؤكدة فإنها قابلة للتحقيق، على حد قول أولئك الخبراء. وتتمثل تلك العوامل -بنظرهم- في تبني نهج متدرج نحو فتح الاقتصاد، وإجراء فحوصات ووضع تدابير للمراقبة على نطاق واسع، وكذلك طرق عملية للعلاج، وتوفر موارد كافية لمقدمي الرعاية الصحية، ثم لقاح ناجع في نهاية المطاف.
ويرى مكنيل أن التوقعات للعام المقبل تبدو مخيبة للآمال ومن المستحيل تجنب التكهن بما سيحدث. ووفقا للخبراء، فإن السيناريو الذي ما فتئ ترامب يطرحه في إيجازاته الصحفية -مبشرا بقرب انتهاء إغلاق البلاد وإنتاج حبة واقية وبأن فتح ملاعب كرة القدم والمطاعم بات وشيكا- لا يعدو أن يكون مجرد وهم.
وينقل عن د. هارفي فاينبرغ، الرئيس السابق للأكاديمية الوطنية للطب، أن الولايات المتحدة تواجه مستقبلا “كئيبا”.
ويبدي فاينبرغ وغيره من الخبراء قلقهم من أن التوصل إلى لقاح للمرض سيستعصي على العلماء في بادئ الأمر، وأن المواطنين الذين أنهكهم البقاء داخل المنازل لن يتقيدوا بإجراءات الحجر الصحي رغم المحاذير من أن الفيروس سيظل باقيا لمدة من الزمن.
وعلى الرغم من أن د. ويليام شافنر اختصاصي الطب الوقائي بكلية طب جامعة فاندربيلت بولاية تينيسي الأميركية بدا متفائلا في بادئ الأمر إزاء إمكانية اكتشاف لقاح لفيروس كورونا، فإنه تعلم -كما يقول- أن يتوخى جانب الحذر فيما يتعلق بطبيعته المتفائلة التي جُبِل عليها.
كيف تنجلي الغمة؟
وأغلب الظن لدى معظم الخبراء أن أميركا واقتصادها سرعان ما ينتعشان حالما تنجلي هذه الغمة، إلا أن محرر الصحيفة العلمي يحذر من أنه لا مفر من المرور بفترة من الألم الممضّ.
أما كيفية انقشاع هذه الجائحة فتتوقف جزئيا على ما سيتحقق من اكتشافات واختراقات طبية، وعلى سلوك أفراد الشعب الأميركي في الأثناء.
ويمكن القول إن “كوفيد-19″، المرض الناجم عن فيروس كورونا، يُعد السبب الأول للوفاة في الولايات المتحدة في الوقت الراهن، فهذا الفيروس ظل يفتك بأكثر من 1800 أميركي كل يوم منذ السابع من أبريل/نيسان.
وبالمقارنة، فإن أمراض القلب تودي عادة بحياة 1774 أميركيا في اليوم، بينما يحصد السرطان أرواح 1641 شخصا يوميا.
وطبقا لمؤشرات الأوبئة، فإن ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس أمر لا فكاك منه حتى لو استمر إغلاق الملاعب والمسارح والكنائس والحانات والمطاعم، وأُودع كل القادمين من الخارج إلى الحجر الصحي لمدة 14 يوما، وفُرضت قيود على السفريات الداخلية تفاديا لنقل العدوى من المناطق الموبوءة أكثر إلى المناطق الأقل تضررا بالوباء.
تقسيم مخيف
وينتقد التقرير خطة ترامب للسماح لبعض الولايات بتخفيف إجراءات مكافحة الوباء، مشيرا إلى أن من شأن ذلك أن يقسِّم البلاد إلى فئتين: الأولى تتألف من الذين تعافوا من العدوى بفيروس كورونا، ويتمتعون ببعض المناعة ضده. أما الفئة الثانية فهم الذين ما زالوا معرضين للإصابة بالمرض.
وتعليقا على ذلك، يقول د. ديفد نابارو المبعوث الخاص لمنظمة الصحة العالمية المعنيّ بجائحة “كوفيد-19″، إن هذا تقسيم مخيف.
ومع أن الأميركيين الذين لا يزالون ماكثين خلف جدران منازلهم التزاما بالإجراءات المترتبة على إغلاق البلاد، يرون جيرانا لهم في بعض الولايات يستأنفون حياتهم الطبيعية، فليس من العسير تخيل مقدار الرغبة الجامحة التي تعتريهم للحاق بهم.
ويعتقد الخبراء أن الأمور في العامين المقبلين ستسير على نحو متقطع وغير منتظم، فكلما عاد مزيد من الأشخاص ذوي المناعة الجيدة إلى العمل، انتعش الاقتصاد أكثر.
لكن إذا أُصيب العديد من الأشخاص بالعدوى في آنٍ واحد، فإن فرض إجراءات لإغلاق البلاد مجددا سيصبح أمرا حتميا. ولتفادي ذلك، فسيكون لزاما على السلطات إجراء فحوصات على نطاق واسع للناس.
استعداء الصين
وتمضي نيويورك تايمز في تقريرها إلى توجيه سهام نقدها للرئيس ترامب، إذ زعمت أنه قضى معظم العام الجاري وهو يستعدي الصين “التي تتمتع حاليا بأقوى اقتصاد أداءً في العالم وربما تصبح المورد المهيمن على الأدوية واللقاحات”.
وقد استغلت الصين -بحسب الصحيفة- الجائحة لبسط نفوذها في العالم حيث تقول إنها أرسلت أجهزة ومعدات طبية إلى قرابة 120 دولة. وتُعد الولايات المتحدة أحد أكبر الدول تلقيا لتلك الإمدادات الطبية العاجلة من الصين.
ويأتي هذا في إطار “مشروع الجسر الجوي” الذي يقوده جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي، إذ يقوم بالتنسيق بين شركات طبية أميركية والحكومة الفدرالية للتعجيل بشحن الإمدادات الطبية التي اشترتها هذه الشركات، في ظل نقص شديد يعرقل جهود التصدي لوباء كورونا في الولايات المتحدة.
وفي هذا الصدد، يقول نيكولاس مولدر المؤرخ الاقتصادي بجامعة كورنيل، إنه إذا كان ترامب يهتم بتكثيف جهود الرعاية الصحية في البلاد، فعليه البحث عن سبل للتعاون مع الصين والكف عن توجيه إساءات إليها.
الجزيرة