لليوم الثاني على التوالي، يشهد العراق جدلا واسعا وتضاربا في التصريحات بين المسؤولين الحكوميين ونواب البرلمان، بشأن خطة حكومية تقضي تخفيض رواتب الموظفين المدفوعة لهم شهريا من خلال اعتماد نظام الادخار الإجباري.
وبعد ساعات على تصريحات أوردتها وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن مسؤول عراقي، قال فيها إن الحكومة بصدد إعادة النظر برواتب الموظفين، وفرض الادخار الإجباري ضمن خيارات عدة تتم دراستها لتجاوز الأزمة المالية الحالية بفعل انهيار أسعار النفط، عادت الأمانة العامة لمجلس الوزراء لتنفي الإعلان.
وأثار الإعلان سخطا شعبيا واسعا، ترجمته مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام عن مواطنين هددوا بإعادة التظاهرات مرة أخرى حتى مع وجود مخاطر فيروس كورونا، بينما تباينت آراء النواب بشأن ذلك بين مؤيد ومعارض.
ونفت الأمانة العامة لمجلس الوزراء وجود نية تطبيق نظام الادخار الإجباري، أو تخفيض رواتب الموظفين، داعية في بيان، صدر عصر اليوم الاثنين، إلى الاعتماد على بيانات الأمانة العامة لمجلس الوزراء فقط في تلقي المعلومات.
وكان المتحدث الرسمي لمكتب الإعلام والاتصال الحكومي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، علاء جلوب الفهد، قد أكد لوكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع)، أن “وزارة المالية تدرس مقترحات لتغيير نظام الرواتب وفقا للمتغيرات الأخيرة في الاقتصاد وهبوط أسعار النفط والأزمات التي تمر بها البلاد”.
وأضاف أن اللجنة المالية تدرس مع خبراء في وزارة المالية عدة مقترحات وحلول، منها تغيير نظام الرواتب، وتخفيض الرواتب 25 بالمائة لجميع الموظفين، أو اللجوء إلى الادخار الإجباري أو تخفيض المخصصات غير الثابتة في الرواتب.
وأشار إلى أن “هذا الأمر متروك للحكومة الجديدة، حيث ستقدم مسودة الموازنة العامة للبلاد وفيها عدة مقترحات وﺣﻠﻮل ﻟﺘﻐﻴﻴﺮ واﻗﻊ ﺣﺎل الموازنة اﻟﺘﻲ تعاني من عجز كبير”. وقال مسؤول حكومي عراقي رفيع لـ”العربي الجديد”، إن مقترحات عدة من بينها تخفيض الرواتب، أو فرض الادخار الإجباري، طُرحت بالفعل وهي قيد الدراسة من قبل الجهات الحكومية المختصة، مؤكدا أن ما يجري هو مجرد مقترحات لم تدخل حيز التنفيذ.
وبيّن المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن ردود الأفعال الرافضة لفكرة الادخار الإجباري قد تدفع إلى التريث بطرح الفكرة، لا سيما أن الحديث عن ذلك يتزامن مع أزمات أخرى تضاف إلى الأزمة الاقتصادية، مثل وباء كورونا، وحظر التجول الذي أضر بمصالح نسبة غير قليلة من العراقيين، بالإضافة إلى قرب حلول شهر رمضان الذي غالبا ما تزيد فيه متطلبات المواطنين.
أزمة اقتصادية
إلى ذلك، قال عضو مجلس النواب عن تحالف “الفتح” حسين عرب إن العراق بلد ريعي يعتمد على واردات النفط بالدرجة الأساس، مبينا في حديث لـ”العربي الجديد”، أن هذا الخلل موجود ومشخص، إلا أن الإرادة الحقيقية لحل هذه المشكلة غائبة عن أصحاب القرار.
وأشار عرب إلى أن البلاد تعيش في أزمة صحية بسبب وباء كورونا، رافقتها أزمة اقتصادية بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط، موضحا أن الأزمة الاقتصادية أخّرت دفع رواتب شريحة من الموظفين الذين اعتادوا على استلامها في الثالث عشر من كل شهر، مضيفا أن الادخار الإجباري سيؤثر على المواطن لأن كل فرد وفّق وضعه على الراتب الذي يستلمه كل شهر.
وأشار إلى أن الأمر لا يقتصر على تخفيض رواتب أصحاب الدرجات الخاصة في الدولة، مؤكدا أن الخلل يكمن في غياب السياسة المالية القادرة على التصرف بإيرادات البلاد بشكل صحيح، بالإضافة إلى الفساد المستشري في مؤسسات الدولة.
وأضاف أن “الفساد في عقد واحد بأية وزارة سيادية يوازي كل رواتب الدرجات الخاصة”، مؤكدا أن الحديث عن احتمال تخفيض الرواتب يشير إلى حلول وقتية وليس جذرية.
أما عضو البرلمان أحمد المشهداني فقد أكد أن الحديث عن الادخار الإجباري لا يزال مجرد مقترح من حكومة تسيير الأعمال، مؤكدا لـ”العربي الجديد” أن هذا المقترح لا يشمل جميع الموظفين. وبين أن الادخار المقترح هو 10% فقط، وليس 25%، موضحا أن المشمولين به هم فقط موظفي الدرجات الخاصة، وموظفي الدرجات الأولى والثانية والثالثة والرابعة.
وتابع أن “ذلك لن يؤثر على كل الموظفين، بل على الدرجات الخاصة مثل مدير عام، أو رئيس مهندسين، أو نائب أو وزير أو مستشار”، مبينا أن الادخار الإجباري يعني ادخاره لمدة 3 أو 4 أشهر، واسترداده بعد ارتفاع أسعار النفط.
واستبعد الخبير الاقتصادي عامر الجواهري إمكانية تطبيق الادخار الإجباري في الوقت الحاضر، مؤكدا لـ”العربي الجديد” أن علاج الأزمة المالية يجب أن يكون أكثر رصانة، ولا يؤثر على المواطن.
وتابع “إنني لا أعتقد أنه سيكون هناك ادخار إجباري لأن ذلك أمر صعب جدا، من الممكن أن يكون الادخار بحسب الرغبة، أي أن يكون اختياريا يقوم الموظف بإرادته بادخار راتبه مقابل فوائد”، مؤكدا وجود معالجات أخرى للأزمة الاقتصادية مثل الحصول على واردات النفط المصدر من إقليم كردستان، وضغط النفقات، والقضاء على تعدد الرواتب.
رفض شعبي
وعبر موظفون عراقيون عن سخطهم من توجه الدولة نحو تخفيض رواتبهم، وصمتها عن سرقات المسؤولين لمليارات الدولارات التي تسببت بإفلاس الدولة.
وقال عمار ثائر، والذي يعمل معلما في إحدى مدارس بغداد، إن راتبه الشهري مع المخصصات لا يتجاوز 800 ألف دينار (نحو 660 دولارا)، يدفع منه 500 ألف قسطا شهريا للمصرف بسبب قرض سابق، ويعيش بالمتبقي من الراتب، مبينا في حديث لـ”العربي الجديد” أن إرغامه على الادخار الإجباري يعني أنه سيدفع ما تبقى من راتبه للمصرف.
أما هالة القيسي، التي تعمل إدارية في مؤسسة تابعة لوزارة الثقافة، فقالت لـ”العربي الجديد” إن من يريد معالجة الأزمة عليه أن يبحث عن سارقي المال العام الذين نهبوا المليارات، وتسببوا بانهيار الاقتصاد مع أول أزمة تمر به، مؤكدة أنها كموظفة رتبت حياتها وفقا لراتبها الذي لا يكفي وحده للمعيشة من دون راتب زوجها، وليس لديها الاستعداد للتنازل عن أي جزء منه.
ولوح عضو البرلمان عبد الأمير المياحي، الأحد الماضي، بـ”موقف للبرلمان في حال تم الاستقطاع من رواتب الموظفين”، داعياً إلى إيجاد بدائل أخرى لسد ثغرات الموازنة. وتابع “على الحكومة الذهاب بالاتجاه الآخر لسد العجز من خلال استرداد الأموال في الخارج ومحاسبة الفاسدين وإيقاف المشاريع غير الضرورية”.
كما قال عضو مجلس النواب علاء الدلفي أن البرلمان يرفض المساس برواتب الموظفين، مؤكدا الوقوف بالضد من أي استقطاع لها.