تشهد أسعار النفط في الأسواق العالمية تراجعات تاريخية، رغم تعهدات كبار المنتجين بتخفيض الإنتاج وتقليص المعروض، فما أسباب ذلك؟ وما توقعات المحللين للفترة القادمة؟
وبعد جلسة تداول عاصفة، انهار سعر برميل النفط تسليم مايو/أيار المدرج في سوق نيويورك إلى ما دون الصفر لأول مرّة في التاريخ مع انتهاء التعاملات الاثنين.
وخسر خام القياس الأميركي نحو 56 دولارا ليهبط 306%. كما انخفضت عقود خام برنت لتسجل عند التسوية 25.57 دولارا للبرميل.
وتتزايد كميات الخام المخزونة في الولايات المتحدة، لا سيما في كاشينغ، حيث نقطة التسليم لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي في أوكلاهوما، مع تقليص المصافي أنشطتها في مواجهة الطلب الضعيف.
ويقول محلل الشؤون النفطية القطري أحمد النعيمي للجزيرة نت إن المخزون الأميركي من النفط اقتربت من حدودها القصوى، حيث تم تخزين 19 مليون برميل في أسبوع واحد فقط، وهذا ما جعل الخام الأميركي ينزل إلى أقل من 15 دولارا للبرميل، قبل أن يواصل خسائره.
ويضيف النعيمي أن حجم المخزون الموجود على متن الناقلات يبلغ 160 مليون برميل في الوقت الحالي، وهو حجم كبير جدا يزيد تخمة المعروض في الأسواق.
لماذا انخفضت الأسعار؟
ويوضح النعيمي إن أسعار النفط تتعرض لضغوط كبيرة من حيث الطلب والعرض في آن واحد، وهذا لم يحصل من قبل.
فأسعار النفط –حسب النعيمي- ستبقى تحت رحمة التراجع الكبير للطلب -خاصة من الصين أكبر مستهلك للخام في العالم- بسبب تداعيات فيروس كورونا على النشاط الاقتصادي العالمي من جهة، ومن جهة أخرى وجود مخزون كبير سواء في البر أو الناقلات التي تطفو فوق البحار، بالإضافة إلى ضعف الطلب من قبل مصافي التكرير.
وأكد النعيمي أن المتعاملين في الأسواق يراقبون عن كثب تطور الإنتاج (العرض) من جانب المنتجين، وتطور الطلب من جانب المستهلكين، وهذا ما يفسر حذرهم في الوقت الحالي.
واعتبر أن أبريل/نيسان الحالي سيكون بمثابة فترة ترقب لما سيؤول إليه تنفيذ التزامات اتفاق دول “أوبك بلس” ومنتجين آخرين، على رأسهم الولايات المتحدة، اعتبارا من مايو/أيار المقبل.
أما الخبير النفطي الدكتور أحمد بدر الكوح، فاعتبر أن الهبوط الذي نشهده حاليا كان متوقعا، مشيرا إلى أن الارتفاع الذي حدث عقب الاتفاق كان مؤقتا، وسرعان ما عادت الأسعار إلى النزول من جديد.
ولفت الكوح إلى أن الدول قامت بتخزين كميات كبيرة من النفط قبل الاتفاق الأخير، أي عندما كانت الأسعار متدنية، وأوضح أن ارتفاع الأسعار يتوقف على مدى امتصاص هذا المخزون.
وتم إغراق الأسواق بنفط منخفض السعر بعدما أطلقت السعودية، العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، حرب أسعار مع روسيا (ليست عضوة في أوبك) بهدف الحصول على الحصص الأكبر من السوق.
لكن البلدين حلّا خلافهما مع التوصل مطلع الشهر الحالي لاتفاق وافقا فيه مع دول أخرى على خفض الإنتاج بنحو عشرة ملايين برميل في اليوم لتحفيز الأسواق.
بيد أن المحلل أحمد النعيمي قال إنه في وقت وعدت فيه الدول المنتجة للنفط (بما فيها أميركا والمكسيك ودول أخرى) بخفض الإنتاج بإجمالي عشرين مليون برميل نفط تقريبا لدعم الأسعار بالأسواق؛ فإن التوقعات تشير إلى انخفاض في الطلب بنحو ثلاثين مليون برميل يوميا في مايو/أيار المقبل؛ مما يعني وجود فائض كبير يقدر بعشرة ملايين برميل يوميا، وهو ما سيجر الأسعار إلى الأسفل.
تحذيرات وتوقعات
النعيمي قال أيضا إنه ما لم تنته أزمة فيروس كورونا فإن الطلب على النفط سيظل ضعيفا، ومن ثم سيؤثر على الأسعار في الأسواق، ليدفعها إلى مزيد من الهبوط.
وتابع في هذا السياق أنه سيكون من الصعوبة جدا الحديث عن أسعار نفط في حدود أربعين دولارا قبل نهاية العام الحالي، هذا في حال وردت مؤشرات على قرب انتهاء أزمة كورونا.
أما إذا ظل الوضع كما هو عليه الآن -كما يقول النعيمي- فإن أسعار الخام الأميركي ربما تنحدر إلى ما دون الأسعار المسجلة حاليا، وخام برنت إلى ما دون عشرين دولارا.
من جهته، استبعد أحمد الكوح ارتفاع أسعار النفط رغم اتفاق “أوبك بلس” لخفض الإنتاج، وقال في حديث للجزيرة نت لن نشهد صعودا قويا للأسعار إلا مع نهاية العام الحالي.
وأضاف أن سعر أربعين دولارا للبرميل سيكون بعيد المنال في الوقت الحالي، لكن قد يحصل ذلك بنهاية هذا العام.
ورجح الكوح أن تتأرجح أسعار النفط خمسة دولارات صعودا ونزولا، وعزا تدني الأسعار حاليا إلى تفوق المخزون على حجم الطلب عالميا، في ظل تداعيات فيروس كورونا الذي شل الاقتصادات العالمية.
هل هناك حاجة لاتفاق جديد؟
ولا يرى الكوح حاجة إلى اتفاق جديد بين المنتجين الكبار، مشددا على أهمية تنفيذ مضمون الاتفاق الحالي لبعث رسائل الثقة في الأسواق.
ويعتقد أن أسعار النفط ستظل رهينة لانخفاض المخزون من جهة، وارتفاع أحجام الطلب -من جهة أخرى- تبعا للتطورات المتعلقة بمواجهة فيروس كورونا، وعودة عجلة الاقتصاد العالمي للدوران، خاصة في الصين.
وفي محاولة للسيطرة على فيروس كورونا، لجأت أغلب الدول عبر العالم إلى إغلاق الحدود ومنع السفر وتطبيق الحجر الصحي؛ مما أثر بشدة على النشاط الاقتصادي العالمي، ودفع أسعار النفط خلال الأسابيع الأخيرة إلى أقل مستوياتها في أكثر من عقدين.
المصدر : الجزيرة + وكالات