وقع بني غانتس أمس على كتاب البراءة العلني لبنيامين نتنياهو، وهذا هو معنى الاتفاق الائتلافي بين “أزرق أبيض” والليكود. وبموافقته على أن يشغل منصب ولي العهد لنتنياهو، أوضح غانتس للجمهور بأن تهم الفساد الخطيرة الموجهة ضد رئيس الحكومة لا تهمه، وليس لديه أي تحفظ قيمي أو مبدئي أو غيره من التعاون مع متهم بتلقي الرشوة والخداع وخيانة الأمانة، الذي يسعى إلى تقويض الديمقراطية – شخص عرض غانتس نفسه في حملته الانتخابية على أنه صيغة إسرائيلية لرئيس تركيا رجب طيب اردوغان.
من ناحية غانتس الصورة معكوسة؛ فلوائح الاتهام التي ضد نتنياهو ليست مشكلة، بل فرصة تمنحه احتمالية الوصول إلى قيادة الدولة بعد سنة ونصف وربما أقل من ذلك، إذا مرض نتنياهو أو استقال. لم يأت غانتس إلى السياسة للدفع قدماً بمبادئ وقيم، بل كمسار للتقدم: من جندي إلى رئيس أركان للجيش، والآن وزير دفاع ورئيس حكومة بملابس مدنية. هذا ما يضمنه له الاتفاق، لقد فضل التوقيع مع نتنياهو على جولة انتخابات رابعة – في فترة كورونا. قدر بأنه إذا كان هناك احتمال بسيط بأن يتم التناوب، فإنه أكبر من احتمال قيام “أزرق أبيض” بتشكيل حكومة بدون نتنياهو.
يعتقد غانتس بأنه ضبط نتنياهو في حالة ضعف وأخذ منه صفقة أحلام: كابنت خاص، وفيتو مشترك على أي قرار، وتناوب بدون تصويت آخر في الكنيست، وجملة وزارات ومراكز حكومية. تشكيلة لجنة تعيين القضاة لا تهمه مثلما تهم رجال اليمين، ولن يجد صعوبة في أن يساوم على مواقع القوة القضائية وإعطائها لنتنياهو مقابل عدد من الكراسي واللجان. هذا هو جوهر الصفقة: نتنياهو يريد التملص من محاكمته وغانتس يريد تكريم الدولة ودلال رسمي.
شعار “إسرائيل قبل كل شيء” الذي هو شعار غانتس يجب تغييره إلى شعار “إسرائيل بعد كل شيء”. بدلاً من خطة تعافي حيوية لدولة في أزمة فقد حصلنا على وثيقة من شخصين انتهازيين ينشغلان بتوزيع الغنائم السياسية، من لجان الكنيست وحتى منصب السفير في كامبيرا. إن المواضيع الجوهرية، كالأزمة الاقتصادية ومكافحة كورونا والمشكلات الاجتماعية وحتى العلاقات الخارجية، ستنقل إلى اللجان أو إلى طواقم صياغة. فترة الطوارئ ستمدد بنصف سنة، وبعد ذلك ستمدد مرة تلو الأخرى، حسب ما يريد الحكام. أما ضم الضفة الغربية، جوهر أيديولوجية كتلة اليمين، فقد ذكر من وراء اليد، ويبدو أنه مثل لغم أدخله نتنياهو إلى الاتفاق كمحطة خروج منه، وليس كتعهد ثابت. وفي الأصل، توقيت الضم ومجاله سيتم تحديدهما حسب مصالح الرئيس ترامب وحملته لإعادة انتخابه، وليس في نقاشات بين ممثلي الليكود و“أزرق أبيض”.
مصوتو غانتس لم ينتبهوا إلى أنهم يعطون أصواتهم لقوة الإنقاذ التي ستبقي نتنياهو في الحكم وتمنح الشرعية لأعمال فساده وتهديداته ضد الديمقراطية. ولكن هذا كان خيار غانتس. الحديث لا يدور هنا عن محبة، بل عن تحالف بين مخادعين، المتهم بتلقي الرشوة وسارق الأصوات. وهكذا أيضاً سيظهر العمل المشترك بينهما، فكل طرف سيحاول اصطياد منشقين من المعسكر الآخر لتحقيق أغلبية في التصويت، كل طرف سيغرد ويسرب بقدر استطاعته ضد شريكه – خصمه، وكل طرف سيحاول إلغاء الاتفاق من مركز تفوق. العداء بين نتنياهو وغانتس لم ينته مع توقيع الاتفاق، فقط سيرتدي صورة جديدة.
القدس العربي