دخل الاقتصاد العالمي في مرحلة جديدة، أمس الاثنين، مع انهيار أسعار النفط الأميركي وتحوّلها إلى سلبية للمرة الأولى في التاريخ، بسبب امتلاء مستودعات تخزين الخام، وسط قلة الطلب وزيادة العرض.
وعلى الفور، تأثرت “وول ستريت” سلبياً بهذه الأخبار النفطية التي تضع مستقبل شركات النفط الأميركية على المحكّ، وتؤشر إلى عمق الأزمة الاقتصادية، حيث هناك شلل تام في الاقتصاد مع مكوث معظم الناس في بيوتها، على أمل تهدئة انتشار فيروس كورونا.
وهوى مؤشر “داو جونز” الصناعي2.44 في المئة، بينما سقط مؤشرا “ستاندرد آند بورز500″ 1.79 في المئة، و”ناسداك” 1.03 في المئة.
وكانت الأسواق الأميركية قد تفاءلت الأسبوع الماضي على وقع الأنباء بتراجع أعداد المصابين بفيروس كورونا، وبفضل خطة لعودة الأعمال إلى طبيعتها من 3 مراحل.
هبوط تاريخي للنفط
لكن أنباء النفط، أمس، تركت المستثمرين في حالة من الحيرة بشأن مستقبل الاقتصاد عموماً، والقطاع النفطي خصوصاً، علماً بأن هذا الانخفاض التاريخي يخصّ التعاملات الآجلة لشهر مايو (أيار)، وهو مؤقت، وسيتغير ليونيو (حزيران)، لكن الهلع أثّر على نفسية المتعاملين لبيع كل شيء، خصوصاً أن الأسواق عاشت قبل نحو شهر انهيارات لم تشهدها منذ الأزمة المالية في 2008.
وهبطت عقود خام القياس الأميركي غرب تكساس الوسيط للتسليم في مايو 55.90 دولار، أو 306 في المئة، إلى ناقص 37.63 دولار للبرميل. وتراجعت عقود خام القياس العالمي مزيج برنت 9.2 في المئة إلى 25.43 دولار للبرميل.
ترمب سيتدخل لحل الأزمة
وتأتي هذه الأسعار التاريخية في الولايات المتحدة بسبب استمرار الإنتاج النفطي في وقت تمتلىء فيه الخزانات بسبب قلة الطلب في السوق. ويقدر حجم مخزونات النفط العائمة على متن الناقلات عند مستوى قياسي مرتفع يبلغ 160 مليون برميل، بحسب بيانات “رويترز”.
ووصف الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، هذا الانهيار التاريخي في سوق النفط بأنه “قصير الأجل وناجم عن ضغوط مالية”.
وقال ترمب إن إدارته تعتزم أيضاً زيادة مستوى مخزون النفط الخام لحالات الطوارئ في البلاد مع هبوط الأسعار.
وتكبّدت شركة “هاليبورتون” الأميركية، عملاق خدمات حقول النفط، أمس، خسارة قدرها مليار دولار في الربع الأول ومخصصات لانخفاض القيمة بنحو 1.1 مليار دولار، بينما قدّمت توقعات قاتمة بشأن حقول النفط الصخري في أميركا الشمالية.
في المقابل، قفزت العقود الآجلة الأميركية للغاز الطبيعي نحو 10 في المئة، أمس، كما نقلت “رويترز”، مسجلة أعلى مستوى لها في ستة أسابيع بفعل القلق من أن إنتاج الغاز سينخفض بينما تغلق شركات الحفر آباراً نفطية في الأحواض الصخرية بسبب تحوّل أسعار الخام الأميركي إلى سلبية للمرة الأولى. وتنتج تلك الآبار النفطية الكثير من الغاز، وإغلاقها يعني تراجع إنتاجها.
أسوأ أزمة منذ الكساد العظيم
وأمام هذه التطورات السريعة في الاقتصاد الأميركي، الأكبر في العالم، وما يلحقه من اقتصادات كبرى أوروبية وآسيوية، قال صندوق النقد الدولي، على لسان مديرته كريستالينا جورجيفا، إن الأزمة هي “الأسوأ منذ الكساد العظيم”، وإن تداعيات الفيروس ستفضي إلى “انكماش اقتصادات 170 دولة في أنحاء العالم هذا العام”.
ومن مفارقات هذه الأزمة أنها تخلو من الفرص للمستثمرين الكبار، حيث إن الأسبوع الماضي خلا من الإعلان عن أي صفقات اندماج أو استحواذ تفوق قيمتها مليار دولار، في سابقة هي الأولى منذ سبتمبر (أيلول) 2004، بحسب بيانات “رويترز” نقلاً عن مزود البيانات “رفينيتيف”.
أوروبا تزداد ألماً
وفي أوروبا، تبدو الأزمة ضخمة أيضاً، حيث أبلغ مفوض الاقتصاديات بالاتحاد الأوروبي، باولو جنتيلوني، صحيفة “دير شبيجل” الألمانية أن مساعدات بنحو 1.5 تريليون يورو (1.63 تريليون دولار) قد تكون ضرورية لمعالجة أزمة فيروس كورونا.
وقال البنك المركزي الألماني، في تقرير شهري أمس، إن اقتصاد ألمانيا يمرّ بركود حاد، ومن المستبعد أن يكون تعافيه سريعاً نظراً لأن الكثير من القيود المرتبطة بفيروس كورونا قد تظل قائمة لفترة طويلة.
وفي بريطانيا، أظهر مسح شهري لمؤشر “آي.إتش.إس ماركت لتمويل الأسر”، أمس، أن واحدة من كل ثلاث أسر بريطانية تعاني بالفعل انخفاضاً في الدخل بسبب أزمة فيروس كورونا، وأن وضعها المالي العام يتدهور بأسرع وتيرة في عشر سنوات.
و قال بنك إسبانيا المركزي، أمس، إن اقتصاد البلاد سينكمش ما بين 6.8 و12.4 في المئة هذا العام إذا استمر الإغلاق الشامل المفروض بسبب فيروس كورونا منذ منتصف مارس (آذار) ثمانية أسابيع أو 12 أسبوعاً.
هبوط في آسيا أيضاً
أما في آسيا، فقد هبطت الأسهم اليابانية، أمس، إذ أغلق المؤشر نيكي القياسي منخفضاً 1.15 في المئة، كما نزل مؤشر توبكس الأوسع نطاقاً 0.7 في المئة.
وفي الصين، تم تخفيض سعر الإقراض الرئيس لتقليص تكاليف الاقتراض على الشركات ودعم الاقتصاد، بعد أن انكمش للمرة الأولى في عقود. وتقرّر خفض سعر الإقراض الرئيس لأجل عام 20 نقطة أساس إلى 3.85 في المئة من 4.05 في المئة سابقاً، في حين جرى خفض سعر خمس سنوات عشر نقاط أساس إلى 4.65 في المئة من 4.75 في المئة.
و قالت الهيئة المشرفة على الأصول المملوكة للدولة في الصين، أمس الاثنين، إن صافي ربح الشركات المملوكة للحكومة المركزية تراجع 58.8 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى من 2020 مقارنة به قبل عام.
الذهب يقفز
وتركت كل هذه التطورات الدراماتيكية آثارها الجيدة على أسعار الذهب التي قفزت بما يصل إلى واحد في المئة، أمس، مع تحوّل المستثمرين نحو المعدن النفيس كملاذ آمن في ظل أسواق مضطربة.
وسجل سعر الذهب للبيع الفوري 1689.80 دولار للأوقية (الأونصة) في أواخر جلسة التداول، مرتفعاً 0.33 في المئة عن الإغلاق السابق. وصعدت العقود الآجلة الأميركية 0.7 في المئة، لتبلغ عند التسوية 1711.20 دولار للأوقية.
اندبندت عربي