برز اسم القيادي في “حزب الله” اللبناني الشيخ محمد كوثراني على الساحة العراقية حتى قبل اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في بغداد في ضربة أميركية، لكنه منذ ذلك الوقت، يبدو أنه أصبح الشخصية المحورية التي تحرك عجلات السياسة في بلاد الرافدين.
الأسبوع الماضي، رصدت الولايات المتحدة مكافأة تصل إلى عشرة ملايين دولار مقابل “أيّ معلومات عن نشاطات وشبكات وشركاء” كوثراني، مشيرة إلى أن للقيادي اللبناني دوراً في “التنسيق السياسي للمجموعات العسكريّة الموالية لإيران”، وهو تنسيق كان “تولّاه في السابق الجنرال الإيراني قاسم سليماني”.
العلاقة بسليماني
لدى حصول الغارة الأميركية التي أودت بسليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في 3 يناير (كانون الثاني)، سرت إشاعات عن إمكانية وجود كوثراني ضمن الموكب. لكن سرعان ما تم نفي الخبر.
لكن ذلك يشكل دليلاً على مدى ارتباط القيادي اللبناني بهذا الملف، وبالتالي على الدور الكبير الذي أنيط به بعد تلك الضربة، حتى أن مسؤولاً عراقياً يصفه بـ “النسخة الأخرى من سليماني”.
وتعتبر واشنطن أنّ كوثراني “يُسهّل أنشطة مجموعات تعمل خارج سيطرة الحكومة العراقيّة من أجل قمع المتظاهرين بعنف” أو “مهاجمة بعثات دبلوماسيّة أجنبيّة”، ويشارك في “تدريب وتمويل وتقديم دعم سياسي-لوجستي لمجموعات شيعيّة عراقيّة متمردة”.
بعد قرار الإدارة الأميركية، سرت أخبار في وسائل إعلامية محلية عدة عن وجود كوثراني في بغداد، مشيرة إلى أنه يقوم بمفاوضات حول الحكومة الجديدة في المنطقة الخضراء، عقر دار الأميركيين، لكن لم يكن في الإمكان تأكيد ذلك.
وكانت مصادر سياسية عدة مقربة من دوائر القرار في العاصمة العراقية أكدت لوكالة الصحافة الفرنسية في وقت سابق أن كوثراني، وهو من مواليد آخر الخمسينيات، كان يرافق سليماني في جولات المفاوضات مع القوى السياسية حول اختيار شخصية لرئاسة الحكومة.
ويقول مصدر مقرب من محيط كوثراني للوكالة إن الأخير “هو مسؤول الملف العراقي المرتبط مباشرة بالأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله منذ عام 2003”.
ويشير مسؤولون يعرفون كوثراني عن قرب إلى أنه شخصية تمتلك “خبرة كبيرة جداً، ولعله الأجنبي الوحيد بعد سليماني العارف بتفاصيل المشهد العراقي”.
و”الشيخ” كما يصطلح على تسميته بسبب عمامته البيضاء، هو من القيادات التي تربت في العراق، ويحمل الجنسية العراقية، بحسب شخصية إسلامية في بيروت.
الجيل الأول في “حزب الله”
يقول المصدر إن كوثراني “من الجيل الأول في حزب الله. هو من عائلة علمائية وعلمية معروفة في لبنان، وكان من الذين رشحهم حزب الله للمجلس النيابي في عام 1996”.
درس كوثراني الفقه في شبابه في حوزة النجف حيث ولد بجنوب العراق، حيث كان يقيم والداه اللبنانيان، وهو متزوج من عراقية ولهما أربعة أولاد، ويتكلم بلهجة البلد، بحسب مقربين.
وهي ليست المرة الأولى التي يدرج فيها اسم كوثراني في لوائح سوداء أميركية.
ففي عام 2013، وضعت وزارة الخزانة الأميركية كوثراني على لائحة الإرهاب مع ثلاثة لبنانيين آخرين بتهمة مجموعات متطرفة في العراق وتقديم دعم مالي لـ”فصائل” مختلفة في اليمن، ولـ”قادة عسكريين مسؤولين عن أعمال إرهابية” في كل من مصر والأردن وقبرص وإسرائيل.
ويقول المحلّل السياسي والعسكري العراقي هشام الهاشمي إن “أهمية كوثراني” خلال السنوات السبع الماضية باتت تكمن في “أنه يلعب أكثر من دور”.
ويضيف للوكالة أن كوثراني اليوم هو “ضابط إيقاع البيت السياسي الشيعي الولائي”، أي الأحزاب السياسية الشيعية العراقية التي تعتبر مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي مرجعها الفقهي والعقائدي.
منسق بين المكونات السياسية
ويشير الهاشمي إلى أن كوثراني “عمل بعد عام 2014 على تيسير لقاءات ومصالحات بين العرب السنة الذين كان لهم موقف ضد السلطة الشيعية في بغداد”، وأن “دوره تعاظم بعد اغتيال سليماني والمهندس، وأصبح منسقاً بين المكونات السياسية” من سنة وشيعة وأكراد.
وتؤكد مصادر دبلوماسية عراقية عدة لوكالة الصحافة الفرنسية أن لكوثراني “مونة” على السياسيين العراقيين، لدرجة أنه “طلب مبلغاً بملايين الدولارات من العراق لحلحلة الأزمة الاقتصادية في لبنان” قبل أشهر. وتمّ هذا الطلب خارج القنوات الرسمية بين البلدين، ولم يتضح ما إذا كانت تمت تلبيته، بحسب المصادر. إلا أن محيط كوثراني نفى هذا الموضوع تماماً.
ويفسر كل هذا الدور المتعاظم القرار الأميركي الجديد حول كوثراني.
ويقول المصدر المقرب من دائرة كوثراني “طلب معلومات عنه الآن قد يكون مقدمة لعملية اغتيال محتملة أو اعتقال”.
ويضيف أن ذلك يندرج في سياق الاغتيال السياسي ومحاولة الولايات المتحدة ضبط الأدوار في المرحلة المقبلة، لأنها “غير قادرة على الدخول بمواجهة مع الإيرانيين مماثلة لاغتيال سليماني والمهندس”.
ويرى أن “اغتيال قائد فيلق القدس الجديد إسماعيل قاآني غير وارد في حسابات واشنطن حالياً، لذلك توجهوا إلى كوثراني لأنه حزبي لا يمثل دولة”، وبالتالي لا يترتب على ذلك أي تبعات دبلوماسية.
اندبندت عربي