عاد مجدداً إلى واجهة المشهد السياسي والأمني العراقي ملف وجود عشرات الآلاف من عناصر مليشيات “الحشد الشعبي” المسلحة داخل مدن شمال البلاد وغربها، وعلى خريطة تشمل نحو 40 مدينة وبلدة رئيسية، حيث يواجه رئيس حكومة تصريف الأعمال، عادل عبد المهدي، اتهامات بتغول نفوذ المليشيات في تلك المناطق على حساب قوات الجيش والشرطة، بضوء أخضر منه.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه سكان هذه المدن في محافظات الأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين وكركوك وحزام بغداد وشمال بابل، أن قوات الجيش العراقي والشرطة هي من تتولى ملف الأمن، وأن وجود تلك المليشيات له أهداف سياسية واضحة، يعتبرون أن وجودهم يهدد استقرار تلك المناطق وأمنها.
”
النائب محمد الكربولي:
لا توجد أي ضرورة لبقاء الحشد الشعبي في المناطق الغربية، فالجيش العراقي هو المسؤول عن حماية تلك المناطق
“
ومنذ تحرير آخر المدن العراقية نهاية عام 2017، تواصل مليشيات عراقية عادة ما تعرف أو تصنف على أنها مرتبطة بإيران، الانتشار داخل المدن الرئيسة، وتحتل مدن وبلدات أخرى وترفض الانسحاب منها لإعادة سكانها، مثل جرف الصخر والعوجة ويثرب وعزيز بلد والعويسات وبلدات أخرى في الأنبار وديالى وصلاح الدين، ونينوى وكركوك، وسط فشل حكومي عراقي بحل الأزمة وإعادة سكان تلك المدن إليها، حيث يمضون عامهم الخامس على التوالي بالمخيمات.
وأمس الجمعة كشفت مصادر سياسية عراقية عن تضمين نواب برلمان من محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين طلبات خلال مفاوضات تشكيل الحكومة الحالية بأن يتولى الجيش والشرطة ملف الأمن في مدن المحافظات الثلاثة، وإخراج المجاميع المسلحة من مراكز المدن وفقاً لما نص عليه قرار سابق عام 2019، لم ينفذ حتى الآن.
وفيما أعرب هؤلاء عن قلقهم من أن يكون في نية مليشيات مسلحة ترتبط بإيران مثل “كتائب حزب الله”، و”النجباء”، و”العصائب”، وغيرها في نقل مناوشاتها مع القوات الأميركية إلى هذه المدن وبالتالي تهديد أمنها، أكدوا وقوع انتهاكات ومخالفات قانونية وابتزاز من عناصر في تلك المليشيات بحق السكان، خاصة في سهل نينوى وبادية الأنبار.
والخميس الماضي طالب حزب “الحل”، أحد أبرز التكتلات السياسية عن العرب السُّنة، بسحب “الحشد الشعبي” جميع قواته الموجودة في مدينة القائم، وذكر بيان أن “تذمر المواطنين في قضاء القائم ومزارعه من تصرف منتسبي وحدات كتائب حزب الله العراق ولواء الطفوف دفعهم الى مطالبتنا والقوى السياسية في محافظة الأنبار للتحرك وحثّ هيئة الحشد الشعبي على سحبها واستبدال قطعات الحشد العشائري أو الجيش العراقي بها”.
وتابع: “ونشدد على ضرورة أن تولي الحكومة الاتحادية مزيداً من الاهتمام والدعم للمناطق الحدودية، ومنها قضاء القائم على وجه الخصوص، فضلاً عن اتخاذ القرار الفوري بسحب قطعات الحشد الشعبي من المناطق السكنية ومزارع المواطنين، وتعويض أصحاب الدور التي شغلتها هذه القطعات والمشاريع الزراعية المعطلة منذ ثلاث سنوات، وبما يضمن حقوق المتضررين قانونياً”، وفقاً لبيان صدر عن الحزب.
من جانبه، اعتبر عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، النائب محمد الكربولي، أنه “لا توجد أي ضرورة لبقاء الحشد الشعبي في المناطق الغربية. فالجيش العراقي هو المسؤول عن حماية تلك المناطق، ومهمة الحشد الشعبي انتهت بعد تحرير المحافظة من داعش”. وشدد في تصريحات لمحطة تلفزيون محلية عراقية على أنه “لا يمكن أن يفرض الحشد سيطرته ويستولي حتى على وظائف أهالي المحافظة”، مطالباً، بـ”إخراج الحشد من تلك المناطق وانحسار عملها على الحدود فقط”.
النائب السابق عن محافظة الأنبار، والقيادي في تحالف “الوطنية”، حامد المطلك، قال لـ”العربي الجديد”، إنهم سبق أن طالبوا بإخراج الفصائل المسلحة “فلم يعد هناك مبرر لبقاء غير القوات العراقية كالجيش والشرطة”، مضيفاً أن “المدن المحررة عموماً تنتشر فيها قوات الجيش والشرطة، وتحقيق الاستقرار والتعايش السلمي والمواطنة الحقيقية في تلك المناطق يستدعي إخراج الفصائل المسلحة منها”. كذلك أشار إلى “تسجيل انتهاكات وتجاوزات مختلفة في الفترة الماضية لا تليق بهيبة الدولة”، على حد تعبيره.
من جهته، علّق المتحدث السابق عن “الحشد الشعبي”، كريم النوري على دعوات إخراج فصائل “الحشد”، بأنها “تتعلق باتجاهين، إذ قد تكون مطالبات سياسية، أو أن هناك أخطاءً وانتهاكات يتهم بها الحشد”، مؤكداً في حديث لـ”العربي الجديد” أن “هناك حاجة إلى مراجعة أسباب الدعوات وتصاعدها، ويجب على القائمين على الحشد تشكيل لجان للوقوف على أسباب تلك الدعوات ورصد أسبابها، ومنع أي خرق وابتزاز للناس”.
وشدد على أنه “يجب أن تكون هناك معالجات لأي خرق وقع، لأنها تشوه سمعة الحشد”، دون أن يستبعد “وجود عناصر مندسين أو من يتحرك باسم الحشد”، مشيراً إلى أن “مناطق المدن باتت آمنة اليوم، ولا أعتقد أن الأمر يحتاج إلى مزيد من القوات”.
”
تسيطر فصائل “الحشد الشعبي” على مساحات ومناطق استراتيجية مهمة
“
ويؤكد مختصون بالشأن الأمني، أن وجود “الحشد” في تلك المناطق، بات سلبياً على الأمن، ما يتطلب قراراً حكومياً بإخراجها. وقال الخبير الأمني، محمد الحياني، لـ”العربي الجديد” إن “المطالبات بإخراج الحشد من المناطق الغربية لها أسباب عدة، إذ إن تلك الفصائل أصبحت أهدافاً للقوات الأميركية، وهذا ما يسبب قلقاً وخطراً على تلك المناطق، كذلك فإن تلك الفصائل احتلت مناطق زراعية واسعة في مناطق غربي الأنبار، وهذا ظلم كبير للمزارعين، فضلاً عن احتلالها بنايات عديدة في تلك المناطق وتغلغلها في حياة السكان واتخاذها من منازل فارغة مقارّ لها”.
وبخصوص الجدوى الأمنية من وجود “الحشد” في تلك المناطق، أكد الخبير، أنه “لا توجد فائدة من وجود الحشد ولا ضرورة، إذ إن تلك المناطق أصبحت آمنة، والجيش والشرطة المحلية قادران على حمايتها”.
وأضاف أن “وجود الحشد أصبح سلبياً على أمن هذه المناطق واستقرارها، خاصة أن تلك الفصائل موالية لإيران، وأن إخراجها سيعزز الأمن، ويمنح أمن المحافظة فرصة السيطرة على مناطقهم وتأمينها”، مشدداً على أنه “لا يمكن استمرار العبث بالملف الأمني، إذ يجب أن تسلَّم المواقع التي يسيطر عليها الحشد لقوات عراقية لكي يجري التعامل معها وفق استراتيجية عسكرية واحدة”.
وتسيطر فصائل “الحشد الشعبي” على مساحات ومناطق استراتيجية مهمة من محافظة الأنبار، إذ بسطت سيطرتها على مناطق النخيب والخط الدولي السريع ومناطق غرب العراق المحاذية للحدود العراقية السورية، بما فيها منفذا القائم والوليد الحدوديان، كذلك تنتشر في قضاء راوة، وصولاً إلى الحدود العراقية المتاخمة لمنطقة البوكمال السورية.
سلام الجاف، أكثم سيف الدين
العربي الجديد