ماذا لو كانت مؤسسات أميركا نفسها “العدو غير المرئي”؟
عندما جاء الفايروس من أراض بعيدة إلى الولايات المتحدة، قوبل بفشل وعدم كفاءة نظام لم يستطع التعامل مع أزمة وطنية. هز خطر فايروس كوفيد 19 فكرة “الاستثناء الأميركي” في دولة ذات قوة لا مثيل لها. لم تستطع أميركا أن تقدم ما يكفي من القطن اللازم لأخذ العينات على الرغم من قوى التصنيع والإمداد في زمن الحرب التي يفترضها الرئيس دونالد ترامب.
وحوّلت الأزمة الأطباء في مدينة نيويورك الشهيرة إلى متسولين لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على الملابس الطبية الواقية. ودفعت مديرا تنفيذيا بمستشفى ماساتشوستس إلى الشارع لإبرام صفقة عبر سلسلة تصل إلى موظف سمع عن مستودع للأقنعة على بعد أكثر من خمس ساعات من المؤسسة الاستشفائية. وأصبح الأمر بمثابة تهريب للأقنعة في شاحنتين للمواد الغذائية على طريقين منفصلين في حال تم اعتراض حمولة واحدة منهما على الطرق السريعة في الشمال الشرقي.
وقال الدكتور أندرو دبليو أرتنستين من “بايستايس هيلث” غير الربحية في ماساتشوستس، إنه لم يكن يتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحد في بلد غني ومتطور بدرجة عالية ويملك أحدث العلوم والتكنولوجيا والمواهب.
في وقت الحاجة القصوى، لا تريد الدولة التي تُعرف بأغلى نظام رعاية صحية في العالم أن تستغل مزاياه إذا كنت مريضا ولكنك لا تعاني من الأعراض الشديدة.
ويستهلك نظام الرعاية الصحية الذي يجمع بين القطاعين العام والخاص 17 في المئة من الاقتصاد. لكن المؤسسات الصحية تفرض عليك البقاء في المنزل وإن كنت مصابا ما لم تكن من بين الأقلية المعرضة لخطر الموت. إنها تريد منك الشفاء مما تعاني منه دون مساعدة الطبيب وتأجيل العمليات الجراحية بجميع أنواعها إذا كان بإمكانك الانتظار.
تمتلك الولايات المتحدة جملة من المؤسسات الطبية التي “لطالما حسدها العالم عليها”، مثل المراكز الفيدرالية لمكافحة الأمراض واتقائها والمعاهد الوطنية للصحة. لكن أين النتائج؟
لرؤية تشخيص فعّال في وقت تفشي العدوى، ابحث في الإمارات العربية المتحدة، أو ألمانيا، أو نيوزيلندا، التي أسرعت لاختبار السكان قبل أن يعرف الكثيرون أنهم مرضى. أو إلى كوريا الجنوبية، التي التجأ إليها حاكم ولاية ماريلاند الجمهوري لاري هوغان الذي أبرم صفقة لتلقي 500 ألف مجموعة اختبار من سول لتعويض النقص في الولايات المتحدة. وأطلق على المساعدة اسم عملية الصداقة الدائمة. وأزعجت العملية ترامب الذي كان دائما ما يردد شعار “أميركا أولا”.
وقال مارك لويل آندريسن، هو رجل أعمال ومستثمر أميركي، عرف بشركته الخاصة نتسكيب في التسعينات، إن صدى هذا الفشل الضخم سيتردد لبقية العقد. ولم تستطع المؤسسات توفير القفازات البسيطة وأجهزة التنفس المعقدة ومجموعات الاختبارات والأقنعة وأسرة المستشفيات ومدفوعات الطوارئ للعمال والعاطلين.
ومع ذلك، يستخدم ترامب الإحاطة الإعلامية اليومية بالبيت الأبيض ليزعم نجاحاته وللتحدث عن أرقام استطلاعاته ونظرياته المفضلة. وتساءل الرئيس بشأن إمكانية حقن المرضى بمعقمات لعلاجهم من فايروس كورونا المستجد قائلا إنها تقتل الفايروس في دقيقة. وقال المسؤول في الشركة المصنعة لمنظفات ديتول ولايسول، ريكيت بنكيسر، إنه لا يجب “تحت أي ظرف إدخال منتجاتنا المطهرة إلى جسم الإنسان سواء عن طريق الحقن أو البلع أو أي طريقة أخرى”.
نجح الإمداد الطبي الاحتياطي في حالات الطوارئ في 2015، حيث سرّع إنتاج 50 جرعة من المضادات الحيوية إلى أوهايو عندما أكل الناس البطاطس الفاسدة في الكنيسة. مات شخص واحد، ومرض العشرات، ولكن السلطات نجحت في القضاء على التسمم الغذائي في مهده. ولكن المخزون استنزف قبل الذروة في جائحة اليوم.
تقاس المؤسسات العامة بطول نظرها وباستجابتها. فلماذا لم تر هذه المحنة لما كانت في الأفق؟ وهي تواجه هذا السؤال كلما ساءت الأمور (عندما يشن الإرهابيون ضربة، وتغمر الأعاصير المدينة بالمياه، ويطالها الوباء). رأت الولايات المتحدة هذا قبل 15 سنة وبقيت غير مستعدة.
وقال الرئيس جورج دبليو بوش في 2005: “إذا ضربت جائحة، يجب أن تجد بلادنا قدرة كبيرة تسمح لها بإحضار لقاح جديد بسرعة وتصنيع ما يكفي لتحصين كل أميركي ضد الوباء”.
وقال مايكل ليفيت، الذي كان وزير الصحة والخدمات البشرية آنذاك، إن الهدف الرئيسي يكمن في جعل كل أميركي قادرا على الوصول إلى لقاح في حال تفشي جائحة، بغض النظر عن الفايروس.
أعلن بوش تخصيص مليارات الدولارات لخطة واسعة النطاق لمواجهة وباء مثل هذا. وسارعت التمويلات في أبحاث اللقاحات، وعززت المخزونات ووجهت المساعدات إلى الولايات لبناء مستشفيات متنقلة.
توقعت العديد من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفيدرالية وحكام الولايات، نقائص اليوم. ودرست فكرة تعليم الأطفال عن بعد حين كان التلفزيون الوسيلة الأنسب. وبحثت في كيفية وصول المواطنين الفوري إلى المشورة بشأن ما إذا كانوا سيتركون الحجر الصحي في المنزل لطلب الرعاية. وفي تكساس، كانت الخطة تشمل أن يشرف الأطباء المتقاعدون على الهواتف. وخُصصت مقطورات في كولورادو. وكانت مليئة بالإمدادات الطبية وأسرّة الأطفال ووضعت في مواقع سرية.
ولكن على الرغم من كل الإبداع والطموح، لم تنفق من نصف الولايات أيا من أموالها على الاستعداد الذي تدعمه واشنطن. وفي السنوات التي تلت الأزمة الاقتصادية، والمزيد من الحروب، ضعف الجهد الفيدرالي أيضا. وقال بوش إن البلاد تلقت تحذيرا عادلا من هذا الخطر، مشيرا إلى تفشي الإنفلونزا في 1918.
لكن بعد النظر أصبح من الماضي. ويبدو الأمر كما لو أنه لم يكن موجودا مع ترامب. وقال ترامب إن الوباء يمثّل مشكلة غير متوقعة. جاءت من العدم.
العرب