في مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” للزميل في معهد العلاقات الخارجية الأمريكي، ستيفن كوك، قال: “لا أحد يمكنه مساعدة العراق بعد الآن” وأشار إلى أن العراق أصبح لديه رئيس وزراء جديد ولكن لا حظ له من النجاح. وبدأ بالسؤال: “من كان يعرف أن العراق لديه رئيس الوزراء جديد ليرفع يده، لا ليس من كلف في منتصف آذار/ مارس ولكن رئيس الوزراء الجديد”، مشيرا إلى تكليف الرئيس برهم صالح، مصطفى الكاظمي لتشكيل الحكومة لتخلف حكومة عادل عبد المهدي التي استقالت في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر.
وتم تكليف محمد توفيق علاوي لتشكيل الحكومة ولكنه لم ينجح، ثم جاء عدنان الزرفي الذي لم يستطع الحصول على دعم كاف لتشكيلها مما أدى لتعيين الكاظمي.
ويرى كوك أن المقالات التي نشرها الإعلام الأمريكي عن العراق تبدو اليوم مثل المقالات الروتينية التي نشرت عن عدد من رؤساء الوزراء في العراق التي تعود إلى وقت الغزو.
فمثل سابقيه يمكن للكاظمي الموازنة بين الولايات المتحدة وإيران، ولديه القدرة على حشد الدعم من كل الأطراف المختلفة. ولكن شهادات كهذه يتبعها التحفظ حول عيوب النظام السياسي العراقي الذي يجعل من الصعب على رئيس وزراء مكلف تشكيل الحكومة وبالتالي الحكم. وعادة ما تحتوي المقالات على تمنيات وأمل بنجاح المرشح الذي يعتبر القصة هنا، مع أن معظمها والتعليقات عادة ما تلمح إلى المؤسسات السياسية العراقية. فالمراقب العادي يعرف أن مشاكل العراق هي مهمة، معقدة ولا يمكن حلها. ولا أحد يعرف الطريق لحلها، رغم المحاولات المتعددة خلال السنوات الماضية. ولهذا السبب فكل من اهتم بالعراق في واشنطن بدأ بالدعوة للخروج. وهذا هو موقف إدارة دونالد ترامب الرسمي. ولكن الولايات المتحدة ستواجه عاجلا أم آجلا تداعيات انهياره.
وبدا واضحا من تجربة السنوات الماضية أن المؤسسات وشكلها مهم، فالدولة يمكن أن يكون لديها مؤسسات ديمقراطية إلا أن قادتها لا يتبنون أو يؤمنون بالقيم الديمقراطية. ووضع كهذا يمثل محنة للكاظمي، فقد شهد الساسة الأمريكيون والعراقيون بكفاءته: فهو لم يكن عضوا في الأحزاب السياسية العراقية ولكنه كان مسؤولا في الاستخبارات القومية، وقيل إنه أشرف على عملية نزع التسييس عنها وأكد على الحرفية فيها. وهذه ميزات إيجابية لكنها لن تكون كافية لأن يحكم العراق من خلالها. وهذا لا يعني أن مصير العراقيين الذين عانوا من حروب طويلة العيش في ظل حكومة متعفنة. فالفوضى الحالية في العراق تظهر أن أسوأ أنظمة سياسية يمكنها الاستمرار، وبدون الدخول في تفاصيل العراق في مرحلة ما بعد الغزو فالسياسة فيه تشبه نظاما من الغنائم بما فيه من فساد وغياب إشراف والكل فيه متواطئ.
ولا يساعد على هذا الوضع استفادة إيران من سياسة العجز التي جعلت بغداد ضعيفة. فهذه المشاكل تتردد لدرجة أن شخصا مثل مقتدى الصدر، زعيم جيش المهدي، استطاع إعادة تأهيل مساره السياسي كرجل وطني (رغم علاقاته مع إيران التي تتوطد حسب الظروف)، وأهم من عودة الصدر هي حركة الاحتجاج التي اندلعت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، فقد خرجت قطاعات واسعة من الشعب العراقي إلى الشوارع لا بسبب العمل الذي يقوم به عبد المهدي بل لأن بقاء النظام السياسي يدمر أي أمل لهم بمستقبل مزدهر. وطالبت الاحتجاجات بتغيير كامل للنظام السياسي. وفي لغة الربيع العربي قبل عقد “نريد إسقاط النظام” فالتغيير لا يعني خروج شخصياته بل التخلص منه بشكل جذري. فمع أن الربيع العربي بدا وكأنه فجرا زائفا لكنه لم يلغ الحاجة لتغيير النظام السياسي والاجتماعي العراقي قبل أن يكون لدى العراقيين أية فرصة لتحقيق أهدافهم.
ويقول كوك إن الولايات المتحدة دعت القادة العراقيين ولسنوات طويلة لعمل أحسن لصالح شعبهم إلا أن النظام الذي شجعت على قيامه حفز الساسة في بغداد لخدمة مصالحهم الضيقة على حساب الآخرين. فالطبيعة الطائفية للنظام الحزبي توهن البلد وتضع ضغوطا عليه. فالقتال على الموارد وتوزيعها على المناطق المفضلة هو ما يعلم السياسة، ولكن في العراق فالخلافات الحزبية والخلافات التي تنبني عليها تظهر في الحكومة. ويمكن للواحد الجلوس أمام خمسة مسؤولين عراقيين وكل واحد منهم له ولاءات مختلفة وأجندات يسعى لتحقيقها.
والفشل واضح ومثير للدهشة بدرجة لم يعد أحد في أمريكا يدعو للتعاون مع اللاعبين في النظام السياسي العراقي أكثر من بذل الجهد العبثي لدفعهم على اتخاذ القرارات السليمة. وتوصلت إدارة ترامب إلى نتيجة وهي أن الانخراط في النظام السياسي العراقي هو تبذير للطاقة.
وأصبح الموقف الأمريكي من تكليف رئيس وزراء للعراق يركز على الحد الأدنى، وهو أن يكون “وطنيا” عراقيا وليس تابعا لإيران. ونجح الكاظمي في الامتحان وهذا لا يغير من مسار السياسة الأمريكية التي تترك الأمر للعراقيين كي يتوصلوا للطريق المناسب لهم. وقد يغضب هذا الموقف بعضهم، خاصة السنة الذين يريدون التحالف مع أمريكا لكنهم مجبرون على القبول بواقعهم.
ويعتقد كوك أن سياسة الولايات المتحدة هذه قد تكون حكيمة، فغياب الاهتمام باستثناء الحفاظ على قوة مهام لمكافحة تنظيم الدولة قد يجبر ساسة العراق على تغيير عاداتهم وإلا واجهوا غضب الشعب العراقي المطالب بنهاية النظام. ولو أخفق قادة العراق في حل مشاكل البلاد المتراكمة فسيكون اللوم على إيران. والمشاكل في تزايد بسبب انتشار وباء فيروس كورونا والذي أثر على السوق العالمي بالإضافة لانهيار أسعار النفط نتيجة لحرب الأسعار بين السعودية وروسيا. وهذا وضع رهيب للعراق لكن لا يوجد أحد في الولايات المتحدة راغب باستثمار الوقت والمصادر في العراق، خاصة في هذا الوقت من انتشار كوفيد-19 بالولايات المتحدة وتخصيص الكونغرس تريليونات الدولارات لحماية الاقتصاد. ربما كان الكاظمي يملك الكفاءة كما صور لكنه لن يحمي العراق. فالنظام السياسي متعفن والأمريكيون منشغلون بمشاكلهم أما إيران فهي مثل العراق.
القدس العربي