في مسعى للحد من تفشي فيروس “كورونا” المستجد، أقدمت الحكومة العراقية في 16/ آذار/مارس الماضي، على غلق الحدود البرية مع إيران بشكل كامل أمام حركة الأفراد والبضائع، اعتبارا من 16 مارس/آذار الجاري. العالم ما بعد كورونا ليس كما قبله، هكذا توقع الخبراء الدوليون. وهكذا انعكس الفيروس على العلاقة التي بين إيران والعراق. فالتقارير الأولية من العراق تفيد بأن الفيروس نجح بشكل أولي في إعادة تشكيل العلاقات بين البلدين.
أن إغلاق الحدود وتوقف معظم عمليات الاستيراد اليومية من إيران زاد من عمليات الاعتماد على الناتج المحلي الزراعي، وهو ما دفع إلى زيادة مساحة الأراضي المزروعة بالمنتجات التي تحتاجها السوق العراقية اليومية كالطماطم والخيار والبطاطس ومختلف أنواع المزروعات الأخرى.
أوضح أحمدى عواد الصبيحي المهندس في وحدة عمليات وزارة الزراعة أن وفرة المياه وإقبال التجار على شراء محاصيل الفلاحين بشكل مباشر ساهما في زيادة الإنتاج لوجود حافز مادي عند الفلاح، كما أن الوزارة قدمت دعما كبيرا على مستوى الأسمدة والبذور في غالبية المحافظات العراقية”.
وفي المقابل، أكد عضو الجمعية الفلاحية في محافظة صلاح الدين شمالي البلاد، عايد البلداوي، أن “العراق يقترب في ظل أزمة اقتصادية خانقة من حصاد 13 مليون دونم من القمح والشعير والأرز وهذه المساحة هي الكبرى منذ سنين طويلة”.
وأضاف البلداوي أن “بإمكان العراق إعلان الاكتفاء الذاتي لأكثر من 15 منتجا زراعيا في الوقت الحالي، بينها البيض والدجاج، ومن الخضروات اليومية كالطماطم والبصل والبطاطس والباذنجان وهذه مواد كان العراق يستوردها بشكل يومي إما من إيران أو تركيا أو الأردن، كما أن أسعارها مناسبة بالقياس مع أسعار المنتوجات الزراعية المستوردة”.
وأكد أنه على الحكومة الآن أن تستغل الفرصة لإعادة الاعتبار للقطاع الزراعي كمورد اقتصادي ومالي ثان بعد النفط، فاستمرار استصلاح وزراعة الأراضي يتوافق مع وفرة المياه هذا العام لذا العراق وفّر مبالغ كبيرة بالعملة الصعبة كانت تخرج لشراء مواد أساسية بإمكان العراق أصلا تأمينها من الداخل.
وأشار إلى إن “إغلاق الحدود أمام البضائع المستوردة بسبب تفشي فايروس كورونا كشف قدرة وإمكانيات العراق بالاعتماد على منتوجه المحلي، مع الاستمرار باستيراد منتوجات أخرى غير متوفرة”.
ومن جانبه، قال النائب في مجلس النواب، ملحان مكوطر، أن “الحكومة العراقية إذا ما وضعت برنامجاً زراعياً ناجحاً وأولت اهتماما كبيرا لهذا القطاع من خلال استغلال ملايين الدونمات غير المستغلة من سنوات طويلة فإن العراق خلال مدة قصيرة سيكون من الدول المصدرة لكثير من المحاصيل بعد إعلانه الاكتفاء الذاتي”.وأشار مكوطر إلى إن إغلاق الحدود بسبب أزمة كورونا ساهم بشكل لافت وكبير بتقليل المنتجات الزراعية المستوردة، ما شجع المزارعين على الاهتمام بزراعة محاصيل كثيرة اُهملت خلال السنوات الماضية.
من جانبه، قال النائب في البرلمان العراقي عن محافظة البصرة بدر الزيادي إن “الوضع الصحي غير مسيطر عليه في العراق، لذا لا يمكن القبول بفتح الحدود العراقية الآن. طالبنا أن تبقى مغلقة إلى حين الاطمئنان على أن الفتح لن يتسبب بآثار سلبية على المواطنين، بعد ذلك يمكن فتح الحدود، ونحن في محافظة البصرة الحدودية نعتبر أن بقاءها مغلقة الآن مهم وضروري”.
وأضاف: “بالنسبة للبضائع فهي تدخل عبر الموانئ العراقية على الخليج العربي وبمنافذ أخرى بشكل مدروس، ولا توجد مشكلة في هذا الموضوع، لكن مسألة إعادة فتح الحدود قبل التأكد من أنها لن تتسبب بانتكاسة صحية أمر مرفوض”.
في المقابل، قال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، هوشيار عبد الله، إن “الأولوية يجب أن تكون للسيطرة على الوباء بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى”، مضيفا، أن “أي فتح للحدود بدون دراسة أو تأكد من آثارها سيكون مجازفة ومخاطرة من قبل الحكومة العراقية”.
ومددت الحكومة العراقية إجراءات مواجهة تفشي فيروس كورونا الجديد في البلاد لأمد غير محدد، مؤكدة، في بيان لها، أن الإجراءات المفروضة ستحدد استمرارها المعطيات على الأرض في ما يتعلق بمواجهة الوباء.
لكن هذا التمديد الذي ينعش العراق الزراعة ويعزز اكتفاؤه الذاتي ويحافظ على سلامة المواطنين العراقيين لا يعجب إيران ومليشياتها في العراق، فإن ضغوطات تمارس من أعلى الجهات الإيرانية ومن قبل قيادات سياسية عراقية وفصائل مسلحة عراقية أيضاً لإعادة فتح الحدود العراقية مع إيران أمام حركة التجارة، وأن “معابر في ديالى وواسط تعرضت أيضا لضغوطات من فصائل مسلحة بهذا الخصوص، وتم إخضاع مسؤولين فيها للتهديد بسبب رفضهم إدخال شاحنات وأشخاص عراقيين موجودين في إيران، ويريدون دخول العراق خلافا للضوابط”.
أن السبب وراء تلك الضغوط مالي بالدرجة الأولى، إذ إن إغلاق الحدود سبب أضرارا تجارية ومالية لإيران، حيث كانت تحصل بشكل يومي على مبالغ بالعملة الصعبة جراء تصدير مواد البناء والإنشاء والمواد الغذائية والكهربائية والمنزلية المختلفة، جزء كبير منها أنشطة تجارية يديرها الحرس الثوري الإيراني”، وأن خلية الأزمة الصحية حذرت من أن إعادة فتح الحدود بشكلها السابق، سواء مع إيران ، سيتسبب بارتفاع معدل الإصابات في العراق.
لأول مرة ينجح العراق حتى الآن في فرض رؤيته كبلد مستقل عن إيران ورفض فتح الحدود معها رغم الضغوط الإيرانية الكبيرة، تريد إيران، التي تضررت بشدة من الفيروس إلى إعادة فتحها على الفور، وهي تحتاج إلى التجارة مع العراق للمساعدة باستقرار اقتصادها، بينما يقاوم العراق الذي يخشى فتح الحدود معها.
والآن ، يحاول قادة إيران يائسين لبدء إحياء اقتصادهم المتدهور في ظل العقوبات الأميركية وانخفاض أسعار النفط. لقد أعادوا فتح المدن مؤخرًا وأنهوا سياسة الدولة في إغلاق البلاد لمحاولة إعادة الإيرانيين إلى العمل.
ولكن من دون التجارة والتنقل بين إيران والعراق، سيكون من الصعب على طهران أن تعمل بعض صناعاتها غير النفطية بشكل كامل مرة أخرى. وقبل أن يغلق الفيروس التاجي الحدود، كان العراق سوقاً رئيسياً للمنتجات الزراعية الإيرانية، ومواد البناء، وسلع الألبان، فضلاً عن الأسماك والروبيان وغيرها.
خلاصة القول أن فتح الحدود بين العراق وإيران يجلب للإخيرة منافع اقتصادية هي بأمس الحاجة إليها في ظروفها الاقتصادية الصعبة، وفتحها يعني أيضًا ضمان التواصل المستمر مع مليشياتها في العراق، أما إقليميًا يتمثل نفعها بوصفها جزء مهم من مشروع طهران الكبير لأجل الوصول إلى حلفائها في البيئة العربية.