نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا لمراسلها في واشنطن ديفيد سميث قال فيه إن الرئيس دونالد ترامب سيعود إلى سياسة الترهيب والتخويف من الأجانب بعدما تمزقت خطة إعادة انتخابه. وقال إن ترامب كان ينوي قيادة حملة انتخابية تقوم على اقتصاد قوي وضد معارض اشتراكي حيث اختفى المكونان الآن في الشهر الماضي. ولكن الرئيس لا يزال يملك سلاحا فعالا وقويا وهو “التخويف من الأجانب”. وأعلن ترامب هذا الأسبوع وبتغريدة نشرها في ساعة متأخرة من الليل إنه “سيعلق مؤقتا الهجرة” إلى أمريكا. وبعد يومين وقع أمرا رئاسيا يقضي بتعليق طالبي البطاقة الخضراء الذين يخططون للإقامة الدائمة في أمريكا وليس العمال الذين يقيمون بصورة مؤقتة، ويظل أمره مليئا بالثغرات لكن مع توقيعه القرار كانت عناوين الأخبار قد نشرت وانتشر السخط وحقق ما يريد: فترامب يقوم بملاحقة المهاجرين لأنه كما يزعم يضع أمريكا وعمالها أولا. فالإعلان لم يكن عن السياسات بقدر ما هو سياسة للتخويف. وهي نفس الرسالة الشعبوية التي تضع أهل البلد في المرتبة الأولى والتي كانت سببا في فوزه بانتخابات عام 2016.
واليوم يقول النقاد إن ترامب مستعد لإثارة المشاعر القومية والعنصرية من أجل إدارة حملة انتخابية وسط تأخره في التعامل مع وباء فيروس كورونا وتراجع الاقتصاد الأمريكي.
ويقول خوان كارتغينا، مدير “لاتينو جاستس”، وهي منظمة حقوق مدنية “هذا رئيس لا يلجأ إلى سياسة الاعتماد على الإشارة للحديث عن قضايا العرق كما فعل الديمقراطيون في الماضي” و “هذا الرجل يتحدث عنها بشكل مفتوح، وفي الظروف العادية فهو رئيس لفترة واحدة ولكن قاعدته موالية له ونحن نتحدث عن بلد لا تزال نسبة المشاركة الانتخابية فيه متدنية”.
فبعيدا عن كراهيته للعولمة فترامب رجل بدون معتقدات سياسية مع قليل من الأيديولوجية. فعندما هبط المصعد المتحرك في برج ترامب بنيويورك في حزيران/يونيو 2015 ليعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية بدأ ما أصبح عادة عندما انتقد المكسيك التي قال إنها لم ترسل أفضل أبنائها إلى أمريكا بل و “ترسل المخدرات ويحضرون معهم الجريمة وهم مغتصبون”. وأعلن ترامب أنه سيبني جدارا “وصدقوني لا أحد يبني جدرانا مثلي وسأبنيها بدون كلفة عالية، وسأبني جدرا عظيما جدا على الحدود الجنوبية وسأجعل المكسيك تدفع ثمن بنائه”. وما تبع ذلك حملة نارية تحول فيها شعار “ابنِ الجدار” إلى لازمة في التجمعات الإنتخابية التي هاجم فيها باراك أوباما وقاعدته. وهاجم قاض من أصل مكسيكي وجنديا مسلما قاتل في حرب العراق وقتل، وهدد بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة. ورفع شعار “أمريكا أولا” وفاز.
ترامب مستعد لإثارة المشاعر القومية والعنصرية من أجل حملة انتخابية وسط تأخره في التعامل مع كورونا وتراجع الاقتصاد الأمريكي.
وبعد عامين عاد ترامب في حملات انتخابية نيابة عن النواب وأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إلى لهجته النارية لإثارة مشاعر الخوف عندما تحدث عن “قوافل” المهاجرين غير الشرعيين من غواتيمالا وهندوراس والسلفادور الذين سيدخلون أمريكا عبر المكسيك. واستخدم لغة حية لنزع الإنسانية عن العصابات الإجرامية واستعرض عائلات الضحايا أمام الناس، كل هذا في وقت كان الجمهوريون المحبطون يريدون منه التركيز على الاقتصاد. ولم تكن استراتيجية ترامب ناجحة بالكامل، هذه المرة، فقد وسع الجمهوريون سيطرتهم على مجلس الشيوخ وخسروا 40 مقعدا في مجلس النواب الذي أصبح بيد الديمقراطيين. وفي البداية كانت حملة ترامب لـ 2020 قائمة على أسس قوية، فقد كان لديه ما يقدمه للمواطنين الأمريكيين عن الاقتصاد، والبطالة التي وصلت أدنى معدلات لها منذ نصف قرن وسجلت الأسواق المالية أعلى معدلاتها. وعلى الساحة الانتخابية بدا المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز في المقدمة مما دعا ترامب وحلفاؤه للتحذير من فوز اليسار الإشتراكي. إلا أن النص المعد للحملة وكان يضمن فوز ترامب لولاية ثانية تمزق، والسبب هو فيروس كورونا الذي قتل حوالي 50.000 أمريكي، ومن المتوقع أن يفوق عدد الوفيات منه ما خسرته أمريكا أثناء حرب فيتنام. ووضع الفيروس الاقتصاد الأمريكي في حالة من الموت السريري بـ 26 مليون أمريكي طلبوا إعانات بسبب فقدان العمل، بشكل أدى لمحو الإنجازات التي سجلت منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. وقال ريك ويلسون مؤلف “الترشح ضد الشيطان” وهو تحليل لما ستسفر عنه انتخابات 2020 “كانت أسس حملة دونالد ترامب تقوم على: الاقتصاد قوي وجعلت منه قويا، بالمناسبة، هذا هو اقتصادي القوي، وهل لاحظتم اقتصادي القوي؟ وقد انتهى هذا” وأصبح مسؤولا عن انهيار ما زعم أنه إنجاز عظيم. وعلى الجانب الديمقراطي بدأ ساندرز يفقد زخمه الانتخابي ضد نائب الرئيس السابق جوزيف بايدن، وهو معتدل خدم في ظل باراك أوباما ومن الصعب تصويره بالاشتراكي. وأصبح ترامب بدون ذخيرة للقتال ولكنه يستطيع اللجوء إلى سياسة الانقسام والتحزب الغاضب الجاهز لعرضه على التلفزيون. وتحولت بهذه المثابة مؤتمراته الصحافية اليومية عن جهود حكومته للرد على فيروس كورونا بديلا عن التجمعات الانتخابية. وشملت بشكل يومي تقارير عن العمل في الجدار. وجاء الأمر الرئاسي الذي يحمل بصمات مستشاره البارز ستيفن ميلر كمحاولة لتقديم أفضلية للعمال الأمريكيين على الأجانب في عملية التعافي الاقتصادي المحتملة.
وضرب الأمر على وتر حساس لمؤيدي ترامب. وقال دوغلاس كولينز، 86 عاما، طبيب الأعصاب من بينسوكولا، فلوريدا “يجب دفع الاقتصاد للإمام والناس الأمريكيون الذين يعتمدون على دفع الشيك وراء الشيك يجب أن تكون لهم الأولوية، هل هذا تحيز؟ لا أعتقد هذا”. وقال دوغ بيلتر، 69 من فوريست ليك، مينسوتا “أن تكون مهتما بالاقتصاد والمهاجرين الذين يأتون ويأخذون الأعمال من الأمريكيين، موقف مشروع، أنا لست متعصبا ولست ضد المهاجرين، وأحترم المكسيكيين والسود، وأعتقد أن الأمريكيين لهم حق الأولوية ويمكن أن تصفني بالوطني”. وقال بيتلرـ وهو إداري متقاعد من قطاع التعليم إنه حضر تجمعا انتخابيا لترامب “أعتقد أن ترامب لديه دعم شعبي أكبر مما يظن الناس، ونحن لا نتفاخر وعادة ما نصمت، ولا اضع ملصق ترامب على سيارتي لأنني أعرف أنها ستتعرض للتخريب”. ولكن المعارضين يرون شيئا آخر، يرون رئيسا ينهار العالم حوله ويقع في محيط غريب عليه ولهذا يمسك بشريان حياة، أي التعصب والعنصرية التي يقول ويلسون إنهما ليسا دودة في برنامجه بل عنصر شخصي مميز. وسيلاحق برنامجا في الأيام الأخيرة من حملته الانتخابية التي سيحقنها بالمواد العنصرية والإثنية ويخبر قاعدته الجمهورية أن كل مشاكلهم نابعة من أصحاب البشرة البنية. وقام حلفاء ترامب بتكثيف الهجوم على الصين واتهموها بأنها لم تدق جرس الإنذار بعد هروب فيروس كورونا من مخبر علمي وهو زعم تنفيه الصين. ويأملون بربط حملة بايدن بالصين وتقديمه على أنه “بايدن بيجين” في إشارة لعلاقة دافئة مع الصين. ويقول ويلسون الذي أسس مشروع لينكولن الهادف لمنع إعادة انتخاب ترامب “ما سيحدث هذا الخريف هو قيام ترامب بفبركة قصة وستكون كالآتي: هناك سفن محملة بالصينين المرضي متجهة نحونا، أقفلوا الأبواب”. ويجهز الديمقراطيون أنفسهم لحملة شرسة حيث يتوقعون خسارة ترامب الأصوات الشعبية ويأملون بهزيمته في الولايات الرئيسية. ويقول نيل سروكا، مدير الاتصالات للمجموعة التقدمية “ديمقراطية من أجل أمريكا” “ما نتوقع حدوثه في 2020 وبسبب انفجار الاقتصاد والفشل في إدارة الأزمة فإنه سيقوم بمتابعة حملة ترهيب للأجانب تجعل من حملة 2106 تبدو وكأنها لا شيء”.
القدس العربي