اشتعل صراع الأجنحة في إيران بين التيارين المتشدد والإصلاحي على خلفية فضيحة فساد طفت على سطح الأحداث خلال الفترة الماضية، لتزيد من تعميق الأزمة التي يعيشها النظام سياسيا مع جيرانه في منطقة الشرق الأوسط، واقتصاديا مع المجتمع الدولي في ظل العقوبات الأميركية، وبسبب تداعيات وباء كورونا.
طهران – يواجه الرئيس الإيراني حسن روحاني هجوما من التيار المتشدد هذه الفترة بعد فضائح كبيرة نتيجة فساد مالي طال مسؤولين في حكومته، وهو ملفّ يرى مراقبون أنه ورقة مهمة بيد المرشد الأعلى علي خامنئي للضغط على الإصلاحيين.
وفي أحدث حلقات التوتر بين المحافظين والإصلاحيين هاجم إبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية الرئيس روحاني بسبب تصريحاته بشأن ما تضمنه تقرير ديوان المحاسبة الأعلى حول اختلاس المليارات من الميزانية من قبل مسؤولين بالحكومة.
وتأتي هذه المناوشات بين أجنحة النظام السياسي الإيراني بينما تعيش البلاد على وقع أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية لا حصر لها زادت من منسوبها جائحة كورونا، باعتبار أن البلاد تعد بؤرة للفايروس.
وبحسب وكالة ميزان الإيرانية، فقد أكد رئيسي خلال اجتماع لمجلس القضاء الأعلى، الاثنين، أن تقرير هيئة الرقابة المالية حول مسح موارد الميزانية “ليس محل شك وشبهة كما وُصف”، في إشارة إلى تلميحات روحاني، بل إنه تقرير شامل ويضم تفاصيل مهمة.
وقال رئيسي إن “القضاء سيبت بكل الملفات المتعلقة بهذه القضية دون التأثر بالصراعات الجانبية”، التي لطالما كان الفساد محورا لها مع كل الرؤساء الذين كانوا من التيار الإصلاحي.
وأثار التقرير حول تبخر المليارات من الدولارات حفيظة روحاني الذي انتقد الهيئة، في كلمة له بثها التلفزيون الحكومي في اليوم الموالي متسائلا لماذا لا تحقق في مالية المؤسسات العسكرية والثورية.
وتخضع المؤسسات الثلاث لسيطرة المحافظين في الحرس الثوري والمؤسسات المالية التي تعمل جميعها تحت إشراف المرشد الأعلى.
واتهم روحاني هيئة الرقابة المالية بالتعامل بانتقائية مع الحكومة وبأن تقريرها غير دقيق وينم عن عدم درايتها بالقوانين.
وتثير سيطرة علي خامنئي على أهم المؤسسات الاقتصادية شكوك الإيرانيين ومخاوفهم وسط دعوات إلى وضعها تحت الرقابة لمعرفة مجالات نشاطها وتأثيرها داخليا وخارجيا.
ويقول الإعلام المحسوب على المحافظين إن روحاني عيّن منذ وصوله إلى سدة الحكم أصدقاءه في أهمّ المناصب الحساسة للدولة ليتبيّن في ما بعد أنّهم مجموعة من الفاسدين تقاضوا رواتب أكبر ممّا هو مسموح به.
ويعتبر رجل الدين المحافظ رئيسي، أحد أبرز المقربين لخامنئي، وقد كان منافسا لروحاني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة قبل ثلاث سنوات.
ويقول متابعون للشأن الإيراني إن رئيسي ذا الميول الأصولية التقليدية المتطرفة له مواقف سياسية واضحة وحاسمة في التعاطي مع المعارضين والمنتقدين، ومن الواضح من خلال تصريحاته الأخيرة أنه لا يخشى حتى الرئيس نفسه.
ودأب خامنئي على التضييق على التيار الإصلاحي من خلال كل السلطات الممكنة التي في قبضته لاستخدامها وفق ميوله التي تحدد أهدافه على الرغم من أن البلاد ليست في حاجة إلى أزمات داخلية أخرى تنضاف إلى مجموعة المشاكل التي تعاني منها في ظل العقوبات الأميركية.
وكان التقرير الذي نُشر في منتصف الشهر الجاري من قبل مدير ديوان المحاسبة الأعلى في إيران عادل آذر، قد أثار ضجة داخل النظام السياسي الإيراني حيث اتهم الحكومة بمسؤولية اختفاء 4.8 مليار دولار من ميزانية الدولة.
وأشار التقرير إلى فضيحة فساد تشمل فقدان أموال الإعانات العينية التي توزع على الفقراء، غير أن تلك المعلومات لم ترق لروحاني المهدد في كل مرة من قبل التيار المتشدد.
وقال مدير ديوان المحاسبة الأعلى في إيران، أمام جلسة عامة للبرلمان الإيراني، إن “الحكومة وزعت ما مجموعه 31 مليار دولار بالسعر الرسمي للدولار لاستيراد سلع تموينية أساسية تصرف كدعم للفقراء، لكن لم يتم استيراد سلع إلا بنحو 26 مليار دولار”.
وأوضح أن “هناك فقدا بقيمة 4.8 مليار دولار تم صرفها لمستوردي السلع التموينية، لكن لم يتم استيراد أي سلع أو منتجات بها”.
ووزعت الحكومة الأموال على المستوردين أصحاب الشركات بالسعر الرخيص للدولار الذي حددته الحكومة، وهو 42 ألف ريال مقابل الدولار، الذي لا يتوفر إلا في السوق السوداء بأسعار خيالية، وهو ما يهدد بتناقص احتياطي البلاد من العملة الصعبة، من دون الاستفادة منها.
ولم يذكر آذر في ذلك الوقت أسماء المستوردين والشركات التي حصلت على العملة الأجنبية بالسعر التفضيلي، غير أن العديد من هؤلاء المستوردين هم شخصيات ذات صلة وثيقة بالمسؤولين في الدولة.
وكشف آذر أيضا، في حديثه أمام البرلمان، أنه بالرغم من الضائقة المالية التي تعيشها البلاد، نظرا للعقوبات الأميركية وتفشي وباء كورونا، فإنه “لا يزال هناك بعض المسؤولين في الدولة تتعدى رواتبهم 12 ألف دولار شهريا، وهو أمر يتعارض مع لوائح ديوان المحاسبة.
وكانت الحكومة قد قررت بيع الدولار لمستوردي السلع الأساسية حصرا، بالسعر التفضيلي، في ظل انخفاض العملة المحلية بشكل حاد، حتى يستمر تدفق الاحتياجات الضرورية.
ولطالما صعد المحافظون من وتيرة انتقاداتهم لحكومة الرئيس الإيراني المعتدل نسبيا حسن روحاني منذ توليه رئاسة البلاد وخاصة في ما يتعلق بأسلوب المفاوضات النووية مع الغرب، والذين يعتبرون أن هنالك تنازلا من الحكومة الحالية عن الحقوق النووية الإيرانية.
ويعتقد البعض من السياسيين أن روحاني قد يلقى مصير الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بعد أن اعتقلت السلطات في عام 2014 أكثر من عشرين مسؤولا كبيرا في الحكومة بتهم الاختلاس المالي.
واعتبر مراقبون حينها أن تلك الفضيحة تعد أكبر ضربة للمرشد الأعلى، الذي كان من أشد المؤيدين لحكومة أحمدي نجاد، والذي لطالما وصفها في الكثير من المناسبات بأنها أكثر الحكومات نزاهة في تاريخ إيران.
العرب