الباحثة شذى خليل*
يعيش العالم اليوم في ازمة حقيقية وخطرة حيث اصبح الدين العام لجميع دول العالم يساوي ثلاثة اضعاف ناتجها القومي مما يعني أن العالم يعيش حالة افلاس وأزمة نظام عالمي، تصاحبه الفوضى عند الانهيار او اعادة تشكيل النظام العالمي وانقسام الدولة الاقوى في العالم ، وتعد الفترة سيئة من حيث ارتفاع المديونية (دول العالم مجتمعة) الى ثلاثة اضعاف ناتجها القومي حيث يشكل الناتج القومي الإجمالي 85 تريليون دولار في كل دول العالم، في حين مجموع القروض العالمية أي المديونية وصلت الى حوالي 260 تريليون دولار، مما يدل ان العالم يعيش في حالة افلاس.
حيث حدد الاتحاد الأوروبي نسبة الخطر للدين العام يجب ان لا تتجاوز 60% من الناتج القومي الإجمالي واليوم يصل الى ثلاثة اضعاف الناتج ، أي الطفل الذي يولد في العالم يولد وعلية دين ثلاثة اضعاف دخله.
الخبراء توقعوا ركوداً حاداً وقصيراً بينما يقيد فيروس كورونا “النشاط الاقتصادي بشدة” والنمو الاقتصادي انخفض بمعدل 2.4٪ في الربع الأول، وسوف ينخفض بنسبة تبلغ 26.5٪ في الربع الثاني.
وارتفع معدل البطالة إلى 12٪ بحلول منتصف العام، في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تفقد 4.58 مليون وظيفة في الربع الثاني، وسيؤثر فقدان الوظائف على الإنفاق، وهو المحرك الرئيس للاقتصاد الأمريكي، حيث يمثل الإنفاق الاستهلاكي حوالي 70٪ من النمو الاقتصادي.
ورغم الانكماش المفاجئ، لا يزال الاقتصاديون متفائلون بأن الاقتصاد سوف يرتد مرة أخرى في النصف الأخير من عام 2020، حيث من المتوقع أن ينمو بمعدل 6٪ تقريباً بحلول نهاية العام.
الدين العام الأمريكي هو إجمالي الأموال التي تدين بها الحكومة الفدرالية للولايات المتحدة إلى حملة صكوك الدين الأمريكي فكيف يعمل ؟.
يتضمن الدين القومي الإجمالي على مكوني “الديون لدى العامة” – مثل سندات الخزانة التي يحملها المستثمرون خارج الحكومة الفدرالية، ومن بينهم الأفراد، المؤسسات، نظام الاحتياط الفدرالي، الحكومات الأجنبية، والموالية والمحلية.
“وديون الحسابات الحكومية” أو “الدين الحكومي” – وهو عبارة عن سندات الخزانة غير قابلة للتسويق ضمن حسابات البرامج التي تديرها الحكومة الفدرالية، مثل صندوق ائتمان الضمان الاجتماعي.
تمثل الديون التي تحتفظ بها الحسابات الحكومية الفوائض التراكمية، بما في ذلك أرباح الفوائد، للبرامج الحكومية المختلفة التي تم استثمارها في سندات الخزانة.
بصفة عامة، تتزايد الديون الحكومية نتيجة للإنفاق الحكومي، وينخفض من الضرائب أو الإيرادات الأخرى، والتي تتقلب خلال العام المالي.
وعلى مر التاريخ كان الدين العام للولايات المتحدة يعد حصة في الناتج المحلي الإجمالي، تزيد أثناء الحروب والكساد، ثم تنخفض. وقد تنخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي نتيجة الفائض الحكومي أو بسبب نمو الناتج المحلي الإجمالي والتضخم.
في العقود الأخيرة، أدت التركيبة السكانية الشيخوخة وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية إلى القلق بشأن الاستدامة طويلة الأجل للسياسات المالية للحكومة الفدرالية، المبلغ الإجمالي الذي يمكن للخزينة اقتراضه محدود بسقف الدين الأمريكي.
إن الدين العام الأمريكي بحلول الـ 30 من سبتمبر/ أيلول، موعد نهاية السنة المالية، سيتجاوز 100% من الناتج المحلي الأمريكي ارتفاعا من حوالي 80% قبل أزمة فيروس كورونا.
وبسبب جائحة ڤيروس كورونا، سن الكونگرس بطلب من الرئيس ترمپ قانون المساعدة، الإغاثة والأمن الاقتصادي لڤيروس كورونا (CARES) في 18 مارس 2020. قدرت لجنة الميزانية الفدرالية المسئولة أن عجز الميزانية للسنة المالية 2020 سيصل إلى 3.8 تريليون، الأعلى في تاريخ الاقتصاد الأمريكي.
وكما هي معروفة آلية معالجة أمريكا الى الدين العام جاء في تقرير من المعهد العالمي للتمويل IIF بتاريخ 15 نوفمبر 2019 أن الدين العالمي الذي اصبح 255 تريليون دولار بزيادة 70 تريليون بنهاية السنة. كانت هذه الزيادات ورقية من مطابع الدولارات الأمريكية دون مقابل حيث أن الدين العالمي يزيد 220% من الناتج المحلي الاجمالي العالمي ونفس أسلوب المعالجة تتبعه أمريكا للمعالجة اليوم، حيث النظام الاقتصادي والمالي والسياسي لا يمكنه الاستمرار بهذه الطريقة. وان تريليونات المطابع الأمريكية للدولارات تأتي بتلك الدولارات من الهواء وتدخل في فقاعة الدين العالمي التي ستنفجر، وبذلك ترجع تلك الدولارات إلى الهواء من حيث أتت، وهكذا تنتهي مسرحية النظام المالي الافتراضي الذي جعل من الاقتصاد العالمي متطفلا على النظام الاقتصادي المنتج.
الحرب التجارية بين أمريكا والصين:
حسب المعطيات الواضحة للباحثة للوضع الحالي فإنها تؤشر ازدياده تعقيدا، إذ سيعاد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية مما سيكون سببا في تعميق الحروب التجارية مع الصين وتدمر الأحلاف التجارية الموجودة ، وهذا سينعكس على اقتصاد الولايات المتحدة واقتصاديات العالم اجمع، ما يمكن أن يؤدي إلى انخفاض في التجارة الدولية، وبالتالي إلى انخفاض في إجمالي الاستهلاك العالمي، والتوقعات النفسية المتنامية باستمرار لنهاية النمو غير المسبوق للاقتصاد العالمي، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انخفاض في الإقراض والاستثمار والاستهلاك، حيث تتخذ عدد من المؤسسات الاقتصادية الفاعلة مواقف وإجراءات حذرة بشكل متزايد.
وحسب الاقتصاديين، ستتأثر الصين وأقرب جيرانها في محيط منطقة آسيا والمحيط الهادئ، كما سوف يسهم عدم الاستقرار في الغرب والسياسة الأمريكية التي لا يمكن التنبؤ بها في تقويض النمو الاقتصادي الأوروبي، وأسوأ وضع في الاقتصادات العالمية سوف يكون من نصيب جنوب شرق آسيا، بينما سيكون الوضع أفضل بقليل في الدول العظمى، ولكن بسبب عولمة الاقتصاد العالمي، فإن العالم جميعه سيتأثر لكن بنسب متفاوتة.
أما الخسائر المالية فقد سجلت في أوائل مارس 2020 انخفضت البورصات الأوروبية بنسب تتراوح ما بين 20-23%، وهو وضع أسوأ بكثير مما كان عليه الوضع عام، وعلى مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، خسرت البورصات في ألمانيا وفرنسا 33%، في المملكة المتحدة 30%، الولايات المتحدة 26%، اليابان 28%، بمعنى أن الأسابيع الثلاثة الماضية شهدت تدمير نمو الأسهم الذي حدث على مدار 4-10 سنوات.
كذلك قام البنك المركزي الأمريكي بضخ 1.5 تريليون دولار خلال يومي 12 و13 مارس، وهو لإسعاف عملية انهيار، سوق الاسهم، كما وعد البنك المركزي الامريكي ليصبح ما سيتم ضخه حتى نهاية شهر مارس هذا 4 تريليونات دولار. وارتفع حجم الدولارات المتداولة في العالم إلى 4.2 تريليون دولار أي أن عدد الدولارات المتداولة في العالم خلال 3 أسابيع قد يتضاعف تقريبا دون زيادة مقابلة في حجم السلع مما سيزيد من التضخم بشكل كبير.
وعلى خلفية ذلك سوف يزيد تعزيز العملات التي تمثل مرافئ استثمار من خفض القدرة التنافسية للبضائع الأمريكية والأوروبية، موجها بذلك ضربة قوية للصناعات هناك، وسوف يرتفع ميزان العجز التجاري في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرها. كما سيرتفع عجز الموازنات الحكومية أيضا. بل وسيبدو حجم الحروب التجارية الراهنة كلعب في الرمال بالنسبة لموجة الرسوم الجمركية والحظر الذي سوف يكون بمثابة الضربة القاصمة للتجارة العالمية.
اختصار، إن انهيار العولمة سوف يصبح أكثر وضوحا، وأكثر عشوائية وخروجا عن السيطرة. وعقب انهيار التجارة العالمية، ستأتي مرحلة انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بشكل اكبر لمعظم دول العالم، ثم في تلك الدول التي طبعت تريليونات الدولارات في إطار سياسة “التسهيلات الكمّية”، حيث ستبدأ مرحلة التضخم الهائل، التي ستقضي على ما تبقى من الصناعات الوطنية. وفي تلك اللحظة سوف يصبح الدولار ورقة لا قيمة لها، ولكن الدول النامية سوف تكون في وضع مأساوي أكثر صعوبة.
بهذا الشكل، فإن الدولار عقب الشروع في “التسهيلات الكمّية سوف يتذبذب بالنسبة لعملات الدول العربية وغيرها من عملات الدول النامية، ثم سيقفز لأعلى مع دخول الأزمة في المرحلة الحرجة، ثم سيصبح بلا قيمة، أي أن الاحتفاظ بالدولار سوف يكون أمرا مربحا في وقت من الأوقات، إلا أن الذهب وحده هو من سيحتفظ بقيمته في النهاية.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية