بعد أسبوعٍ واحد من تعثر سوق العقود المستقبلية للنفط الخام في بورصتي نيويورك وشيكاغو، ووصول سعر برميل النفط من خام غرب تكساس المعياري في عقود تسليم الشهر القادم إلى – 37 لأول مرة في تاريخه، نتيجة لامتلاء مستودعات التخزين في أميركا الشمالية وعدم رغبة مشتري تلك العقود باستلام براميل النفط فعلياً، سيطرت المخاوف على أسواق السلعة الأهم في العالم، خوفاً من تكرار الأزمة مع اقتراب موعد تسوية عقود تسليم يونيو / حزيران القادم، والتي تحل في التاسع عشر من مايو / آيار القادم.
واستهل الخام الأميركي لأقرب تسوية تعاملات الأسبوع يوم الاثنين بانخفاض بنسبة 25%، قبل أن تدفعه أولى تعاملات السوق الآسيوية صباح الثلاثاء إلى سعر 11 دولاراً للبرميل، بانخفاض بأكثر من 13% إضافية، لتوجه رسالة قوية إلى الأسواق بأن اثنين النفط الأسود لم يكن مرتبطاً فقط بأزمة المستودعات يوم التسوية، وإنما كان انعكاساً واضحاً لزيادة المعروض من الذهب الأسود عن حجم الطلب الفعلي في عصر فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، في إشارة إلى طول المدى الذي يمكن أن يستمر فيه سعر برميل النفط الخام عند هذه المستويات الهزيلة.
ولم تنجح الأخبار الواردة من بعض الولايات الأميركية عن فتح تدريجي للعديد من الأنشطة الاقتصادية اعتباراً من يوم الجمعة الماضي، كما توقعات دخول ولايات أخرى في موجة الفتح الجزئي للاقتصاد اعتباراً من يوم الجمعة القادم، في انتشال سعر الوقود المحرك للأنشطة حول العالم، حيث انخفض أيضاً سعر خام برنت المعياري تحت مستوى 20 دولاراً للبرميل خلال تعاملات الساعات الأولى من يوم الثلاثاء في أسواق آسيا.
وتزامن الانخفاض في سعر برميل النفط الخام يوم الاثنين مع إعلان صندوق استثمار “النفط الأميركي”، أكبر صندوق استثمار في النفط الخام في العالم يتم التعامل عليه في البورصة، والذي يدير أصولاً تقدر قيمتها بأكثر من 3.5 مليارات دولاراً، نيته بيع كل عقود النفط من تسليم يونيو / حزيران التي في حوزته، والتي تمثل نحو خمس محفظته الاستثمارية، قبل نهاية الأسبوع الحالي، الأمر الذي تسبب في خسارة سعر البرميل ربع قيمته في يوم واحد.
واعتبر المتعاملون أن قرار الصندوق يشير إلى تزايد احتمالات تكرار أزمة يوم التسوية الشهر القادم، حيث قال جيوفاني ستونوفو، محلل أسواق السلع لدى بنك الاستثمار يو بي أس UBS السويسري إن “توجه صنادبق الاستثمار نحو بيع العقود المستقبلية للتسليمات القريبة وشرائها للتسليمات البعيدة يضع مزيداً من الضغوط على عقود خام غرب تكساس للتسليمات القريبة”، وهو ما شهدناه خلال تعاملات الأيام الأخيرة.
وبينما أكد صندوق استثمار “النفط الأميركي” أن تعاملاته الأخيرة تتماشى مع التزامه بالقيود المفروضة عليه من الجهات المنظمة لسوق العقود المستقبلية، فرضت بورصة السلع بشيكاغو قيوداً إضافية على مشترياته من عقود تسليم يونيو / حزيران، كما التسليمات اللاحقة، وطالبته مرتين هذا الشهر، وفقاً لجريدة فاينانشيال تايمز، بالالتزام بـ”المستويات المسؤولة”، وعدم تجاوزها.
وفي الوقت الذي اضطرت فيه شركات النفط الأميركية، وبصفة خاصة النفط الصخري، إلى تخفيض عدد الحفارات العاملة لديها، ليصل إلى أدنى مستوياته منذ عام 2016، وفقاً لتقرير حديث لشركة خدمات الطاقة بيكر هيوز، يقترب اتفاق أوبك وحلفائها، القاضي بتخفيض انتاج النفط حول العالم بنحو 10 ملايين برميل يومياً، تمثل نحو 13% من الإنتاج العالمي، من موعد تطبيقه، الذي يحل في الأول من مايو / آيار القادم.
وقبل أسبوعين، لمح الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى احتمالية قيام دول أميركا الشمالية بتخفيض إنتاجها من النفط الخام، تزامناً مع بدء أوبك وحلفائها تطبيق اتفاق تخفيض إنتاجهم، بما يقرب من 10 ملايين برميل يومياً أخرى، ليصل إجمالي الخفض في الإنتاج إلى نحو 20 مليون برميل يومياً، بينما يقدر المحللون حجم الانخفاض في الطلب العالمي بنحو ثلاثين مليون برميل يومياً.
وعلى الرغم من الاتفاق الذي اعتبر الأكبر من نوعه في التاريخ، اعتبر محللون أن التخفيض المتفق عليه لن يكون كافياً لاستعادة التوازن بين العرض والطلب في سوق النفط الخام، بعد التراجع الكبير في الطلب على أثر ظهور الوباء والجهود المبذولة للحد من انتشاره.
وأكد ستونوفو من بنك يو بي اس أن هناك تقارير عديدة تشير إلى زيادة المخزون من النفط الخام في الولايات المتحدة وفي أغلب بلدان العالم، “ومع استمرار ذلك، تتراجع الأماكن المتاحة للتخزين، وهو ما يعني أننا نحتاج لإيقاف تام للإنتاج” في الوقت الحالي”.
لكن السوق الأهم في العالم تنتظر، بخلاف أكبر تخفيضات يتم الاتفاق عليها منذ اكتشاف النفط، ارتفاع الطلب من الصين، المستورد الأكبر في العالم، بعد أن أشارت بعض التقارير إلى ظهور بوادر لعودة نواح عديدة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم لاستئناف نشاطها للمرة الأولى منذ فبراير/ شباط الماضي، بعد انحسار الوباء فيها.
وأكد وارين باترسون، مسؤول استراتيجيات تداول السلع في مجموعة آي ان جي ING، أن “هناك علامات على وصول الطلب في العديد من المصافي إلى مستويات قياسية في مقاطعة شاندونج الصينية، إحدى أهم قلاع الصناعة في الصين، خلال الأسبوعين الماضيين”.
شريف عثمان
العربي الجديد