بعدما شاع ونشر بأن السلطات السورية تمكنت من إلقاء القبض على الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في دمشق قبل 55 عاما بمساعدة المخابرات السوفيتية ،ترجح مصادر في إسرائيل أن انكشاف أمره كان نتيجة وجود ” حصان طروادة ” استخباراتي تم زرعه داخل الموساد وكشف عن كوهين.
مسلسل تلفزيوني حول عمل الجاسوس الإسرائيلي في سوريا سيبث بعد أيام في القناة الإسرائيلية الأولى قد كشف عن معطيات تشير لوجود ” حصان طروادة ” داخل الموساد.
وقالت صحيفة ” يسرائيل هيوم ” اليوم إن تحقيقا جديدا حول هذه القضية تمهيدا لـ إنتاج مسلسل تلفزيوني حول عمل الجاسوس الإسرائيلي في سوريا سيبث بعد أيام في القناة الإسرائيلية الأولى قد كشف عن معطيات تشير لوجود ” حصان طروادة ” داخل الموساد. وتعتبر الصحيفة الإسرائيلية أن مثل هذا السيناريو مقلق ولم يكن واردا بالحسبان منوهة أن الاستنتاج الجديد حول ذلك جاء خلال جمع معلومات ضمن تحقيق واسع عابر للدول بهدف إنتاج قصة تلفزيونية. يشارإلى أن إسرائيل أرسلت إيلي كوهين في 1962 إلى دمشق بهدف التجسس بعدما انتحل شخصية تاجر سوري مغترب في أمريكا الجنوبية يدعى كامل أمين ثابت. وسبق أن قام بـ التدرب على التجسس في البلاد بعد 12 عاما من النكبة وقيام إسرائيل في 1948 منتحلا شخصية سائح يهودي يدعى ” مناشيه ” في القدس وحيفا ،أنيطت به مهمة الحصول على معلومات وتفاصيل عن الهجرات اليهودية من الوكالة اليهودية والقيام باتصالات مع جهات حكومية إسرائيلية. وقبيل تجنيده كتب المسؤولون عنه داخل الموساد إنه مبادر وقدرات على الفهم والتفكير وذاكرة جيدة جدا. وكانت عمليات التجسس في القدس وحيفا جزء من تدريبات مرهقة لإعداده جاسوسا إسرائيليا في دمشق.
أسئلة مفتوحة
وبعد شهور قليلة تمكن من نسج شبكة علاقات واسعة في قمة القيادة السياسية والعسكرية في سوريا بفضل هدايا وحفلات وغيره، وما لبث أن أرسل تباعا تقارير مفصلة عما يجري داخل سوريا لـ الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
وتقول ” يسرائيل هيوم ” إن مسألة كوهين ما زالت تثير أسئلة وتساؤلات كثيرة لم تجد أجوبة حول عمله وملابسات القبض عليه رغم إعدامه بعد القبض عليه قبل 55 عاما. وتستذكر أن كوهين أرسل من دمشق معلومات ثمينة ومدهشة لـ الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وتشير إلى نجاحه في التمركز داخل الطبقة السورية الحاكمة في سوريا بفضل مواهبه وقدراته. وتوضح ” يسرائيل هوم ” أن منتجي المسلسل التلفزيوني عثروا في أرشيف الجيش الإسرائيلي محاضر محاكمة كوهين في سوريا ترجمت من العربية للعبرية، وتقول إن مراجعتها تكشف عن قصته كما عرضها هو أمام المحققين معه وتتيح للمنتجين التعمق في فهم ما جرى.
بعد 55 عاما على إعدام كوهين
مع ذلك وعلى غرار جهات إسرائيلية أخرى تساءلت ” يسرائيل هيوم “، عما إذا كان انكشاف أمر كوهين جاء نتيجة نجاحاته السريعة والكثيرة التي جعلته يفقد بعض حذره في التجسس أو أنه تعرض لضغوط من قبل مشغليه للمزيد من المعلومات مما جعله لا يلتزم بالتعليمات الصارمة والإفراط بعمليات بثّ المعلومات من هناك ؟ وأشارت الصحيفة إلى أنه حتى الآن وحسب الرواية المتداولة فقد كشف السوريون عن كوهين بعد استعانتهم بالمخابرات السوفيتية بعدما ساورتهم شكوك حوله مما قاد إلى إلقاء القبض عليه. ولماذا الآن وبعد 55 عاما من إلقاء القبض على كوهين وإعدامه ؟ سبق وتساءل قبل شهور تحقيق للصحافي الباحث في الشؤون الاستخباراتية في ” يديعوت أحرونوت ” دكتور رونين بيرغمان ويقول إن زوجة كوهين،/ناديا كوهين،شقيقة الأديب اليهودي من أصل عراقي سامي ميخائيل، قد اتهمت الموساد طيلة سنوات بسقوطه.
شكوى ناديا كوهين
وكشفت الصحيفة أم ناديا كوهن شكت لرئيس الموساد السابق تمير فاردو بأن الموظف المسؤول عن التوثيق والأرشيف في الموساد قد قال عن زوجها إنه لم يقدم خدمات كبيرة لأمن إسرائيل بل حملة مسؤولية انكشاف أمره بسبب إفراطه في إرسال تقارير استخباراتية من دمشق. مشيرة إلى أن إسرائيل تواصل السعي للعثور على جثمان كوهين بعدما تمكنت من استعادة ساعة يد خاصة به. ويوضح تقرير الموساد وفقا للصحيفة عن كوهين “حيوية المعلومات التي وفرها من سوريا التي شهدت وقتها عدم استقرار في ظل انقلابات كثيرة”، وكان كوهين يضع يده على النبض فيها. وحسب تقرير الموساد قدم كوهين معلومات هامة ودقيقة ساعدت في فهم الحالة السائدة في سوريا في فترة كانت عملية جمع المعلومات الاستخباراتية مهمة صعبة.
ولد في الإسكندرية
وولد كوهين في الإسكندرية عام 1924 لوالدين أصلهما من حلب واعتقل في مصر على خلفية نشاطاته الصهيونية ومنع من مغادرتها ،ولذا هاجرت عائلته عام 1950 وبقي هناك 7 سنوات .وفي 1951 التقى رجل استخبارات إسرائيلي وصل لمصر لتجنيد عملاء ومقاتلين للقيام بأعمال إرهابية تزعزع حالة الاستقرار في مصر تحت حكم الملك فاروق، وبعد التعرف عليه لم يتم تجنيده لكونه شخصية محبة لقضاء ساعات من الترفيه في المطاعم والمقاهي ويتمتع بروح نكتة وشخصية كريزماتية من الصعب أن ينساه كل من يلتقيه. وبعد سنوات قليلة ضبط عملاء إسرائيليون بعد عمليات إرهابية في مصر لكن كوهين نجا من الإعدام الذي ناله أفراد الخلية الإسرائيلية. وحسب تقرير الموساد أن المخابرات المصرية اعتقلته وقتها بعدما اكتشفت علاقة له مع أحد أفراد الخلية لكنها لم تنجح بالربط بينه وبين العمليات الإرهابية رغم أنه قدم مساعدات لها رغم القرار بعدم تجنيده. وحسب تقرير الموساد ذهب كوهين لسيناء وحاز على أسلحة لأفراد الخلية الإسرائيلية التي استخدمت شقته أيضا في الإسكندرية ،وبعد حرب السويس طردته مصر مع عدد من اليهود وفعلا وصل البلاد في فبراير/شباط 1957.
تاجر سوري
وفي البلاد تم تجنيد كوهين للاستخبارات العسكرية كـ مترجم ،وما لبث أن طلب تشغيله في مهمة تجسس ورفض طلبه خوفا من كشف أمره بعد اعتقاله في مصر سابقا وعندئذ تزوج في 1959 وبعد عام تم تجنيده وشرع الموساد بإعداده داخل شقة في تل أبيب كـ ” تاجر سوري مقيم في الأرجنتين ” قبيل إرساله لدمشق. وخلال تأهيله تم تعليمه مواد حول الإسلام والتاريخ العربي علاوة على تعلم إرسال تقارير سرية بـ الشيفرا وتعلم التصوير وإخفاء الأجهزة واستخدام متفجرات وحاز كوهين على علامات عالية لدى مدربيه والأخصائيين النفسيين الذين رافقوه مع تسجيل بعض التنبيهات. ونقلت صحيفة ” يديعوت أحرونوت ” عن موطي كفير أحد مدربيه قوله إنه حذره من البروز الزائد في الحفلات واللقاءات لكنه فعل العكس وهذا شق الطريق لانكشاف أمره. وتقول إن وداعه لزوجته وطفلته صوفي قبيل سفره للأرجنتين من أجل التدرب على انتحال شخصية كامل أمين ثابت كان صعبا خاصة أنها لم تعرف إلى أين ذهب وتم تعيين ضابط مسؤول عن المراسلات بين الزوجين كي تبقى مهمة كوهين طي الكتمان وحسب التقرير تم إعداد رسائل مسبقا ووقعت بتواريخ مختلفة قبل سفره لـ بوينيس أيريس.
في الأرجنتين
وفي الأرجنتين تداخل مع مهاجرين سوريين بعدما تعرف على البلاد بواسطة أحد مشغليه من الموساد، وهناك شرع في تعلم الإسبانية وفي أبريل/نيسان 1961 حاز كوهين على جواز سفر أرجنتيني وشهادة بإنهاء الخدمة العسكرية في جيشها. وفي دمشق استقر كوهين في غرفة داخل فندق ” أمبسادور “3 أسابيع حتى نجح في العثور على شقة قريبة من معسكر القيادة العامة للجيش، مما أتاح له تشغيل جهاز إرسال لاسلكي. وبنهاية المطاف وجد شقة مفروشة في الطابق الرابع داخل عمارة في حي رمانة الدمشقي وفي فبراير/شباط أرسل أولى رسائله المشفرة.
القدس العربي