دعم أميركي مشروط للكاظمي قُبيل استكمال تشكيل حكومته

دعم أميركي مشروط للكاظمي قُبيل استكمال تشكيل حكومته

تحقيق قدر من استقلالية القرار العراقي عن دائرة النفوذ الإيراني ولجم الميليشيات الموالية لإيران هما أبرز مقاييس تعامل الولايات المتّحدة الأميركية مع الحكومة العراقية القادمة التي يعكف رئيس الوزراء المكلّف مصطفى الكاظمي على تشكيلها، وأساس تحديد مقدار وطبيعة الدعم الذي ستحظى به تلك الحكومة من قبل واشنطن، وهو دعم حيوي لا يمكن لبغداد أن تتخلّى عنه، خصوصا في ظلّ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المتفاقمة التي يواجهها العراق.

بغداد – حملت تصريحات لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو دعما لرئيس الوزراء العراقي المكلّف مصطفى الكاظمي في خطواته الأخيرة نحو استكمال تشكيل حكومته، لكنّها وضعت على عاتقه مسؤولية حسن إدارة المرحلة القادمة، لاسيما ما يتعلّق بضبط انفلات الميليشيات الشيعية التي كثيرا ما شكّلت مصدر تهديد للعلاقة بين بغداد وواشنطن التي تنظر إليها باعتبارها مجرّد أدوات لإيران تقوم على حراسة نفوذها في العراق.

ويتوقّع متابعون للشأن العراقي أن تقوم واشنطن بمراقبة عمل الكاظمي خلال قيادته السلطة التنفيذية في بلاده من زاوية ما يمكن أن يقوم به لتحقيق حدّ من الاستقلالية عن دائرة التأثير الإيراني، وتحدّد تبعا لذلك مقدار ما يستحقّه من دعم للقيام بمهامه الصعبة في تجاوز الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية المركّبة التي يواجهها العراق.

وقال بومبيو في تصريحاته إنّ على الزعماء العراقيين التخلي عن نظام المحاصصة الطائفية وتقديم تنازلات للمساعدة على تشكيل الحكومة وتعزيز العلاقة الثنائية بين واشنطن وبغداد.

وجاء ذلك في وقت لاحت فيه بوادر انفراجة في الانسداد الذي رافق جهود تشكيل حكومة عراقية بديلة عن حكومة عادل عبدالمهدي التي استقالت في نوفمبر الماضي تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية العارمة على سوء الأوضاع.

وأعلن رئيس الوزراء المكلّف مصطفى الكاظمي عن إرسال بيانه الوزاري (المنهاج) إلى البرلمان لمناقشته، بينما تتوقّع مصادر سياسية أن تعقد جلسة منح الثقة للحكومة الجديدة أواسط الأسبوع القادم. وانطلق الكاظمي بحظوظ أقوى من سابقيْه محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي اللذين كلّفا قبله بتشكيل الحكومة وفشلا في ذلك لعدم توافق القوى السياسية حولهما، بينما انفرد هو بدعم واسع في صفوف الأحزاب السنّية والكردية وعدد من الأحزاب الشيعية.

ويوصف رئيس الحكومة العراقية المكلّف بالاعتدال وبالسعي إلى إحداث التوازن في العلاقات الخارجية لبلاده، وهو ما جعل له مقبولية خاصّة لدى الإدارة الأميركية الساعية للحدّ من نفوذ إيران في العراق.

وقال وزير الخارجية الأميركي في مؤتمر صحافي بمقر وزارة الخارجية، إنّ الولايات المتحدة تراقب عن كثب جهود الكاظمي لتشكيل حكومته.

وأضاف “يجب على الزعماء العراقيين التخلي عن نظام المحاصصة الطائفية وتقديم تنازلات تؤدي إلى تشكيل حكومة من أجل مصلحة الشعب العراقي ومن أجل الشراكة بين الولايات المتحدة والعراق”، معتبرا أنّ “الشعب العراقي يستحق حكومة تضع رخاءه أولا، وتحرّر البلاد من التخويف الخارجي، وتتصدى للتحديات الكبرى التي ما زالت تواجه العراق”.

كما حثّ الحكومة القادمة على الاستماع “إلى نداء كثير من عناصر المجتمع العراقي بوضع كل الجماعات المسلحة تحت سيطرة الدولة”، معربا عن ترحيب واشنطن “بالخطوات التي اتخذت في الأيام الماضية في هذا الصدد”.

وخلال الفترة الماضية كانت الميليشيات الشيعية العراقية ذات الصلات القوية بإيران مصدر توتّر في العلاقات بين بغداد وواشنطن، وذلك بسبب تحرّش تلك الميليشيات بالقوات الأميركية الموجودة على الأراضي العراقية، وتهديدها المتواصل باستهداف مصالح الولايات المتحدة في العراق، وخصوصا بعد قيام القوات الأميركية بقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس بغارة جوية خارج مطار بغداد مطلع العام الجاري.

ويقول الكاظمي إنّ ضبط فوضى السلاح وحصره بيد الدولة من ضمن أولويات حكومته. وقد ضمّن منهاجه الوزاري بندا يخصّ تطوير المؤسسات العسكرية والأمنية وإصلاحها.

وينبّه المراقبون إلى مدى سطوة الميليشيات وتغلغل قادتها في نسيج الدولة العراقية ما يجعل المساس بسلاحها أمرا بالغ الصعوبة، لكن بين هؤلاء من يرى أنّ تحجيم سلطة الميليشيات أمر غير مستحيل بالنظر إلى وجود دعم شعبي لذلك، إضافة إلى رغبة مرجعية النجف في إخضاع مختلف الفصائل المسلّحة لسلطة الدولة، كما أنّ مصطفى الكاظمي قد يحظى بدعم سياسي وتسهيلات اقتصادية
ومالية أميركية لضبط الميليشيات وتحجيمها.

ورغم الشعارات الكبيرة المضادة للولايات المتحدة التي يرفعها قادة ورموز معسكر الولاء لإيران في العراق وتهديدهم بطرد قوّاتها من العراق، إلاّ أنّ الأخير يظلّ في حاجة ماسة إلى الدعم الأميركي السياسي والاقتصادي والأمني، وهي حاجة تضاعفت بسبب الأزمة الحادّة التي يعيشها البلد.

وعلى الطرف الآخر لا تستطيع إيران رغم علاقاتها المتينة بأبرز قيادات العراق تقديم شيء يذكر للعراقيين بالنظر إلى غرقها هي بحدّ ذاتها في أزمات كبيرة عمّقتها العقوبات الأميركية الشديدة المفروضة عليها وزادها تعقيدا في الفترة الأخيرة انتشار فايروس كورونا وتهاوي أسعار النفط.

وقالت مصادر عراقية إنّ رئيس الوزراء المكلّف استلم من سلفه المستقيل عادل عبدالمهدي الملفات الخاصة بالعلاقة مع الولايات المتّحدة، وخصوصا ملف إخراج القوات الأميركية من العراق والذي تأمل جهات سياسية عراقية أن يتمّ طرحه للنقاش خلال الصيف القادم في إطار الحوار الاستراتيجي الذي سيجري بين الطرفين.

وقالت صحيفة الصباح المحلّية إنّ عبدالمهدي قرّر إطلاع الكاظمي على جميع الملفات التي ستبحثها الحكومة مع الجانب الأميركي. ونقلت عن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة عبدالكريم خلف قوله إنّ “القرار هدفه أن يكون رئيس الحكومة المكلف على دراية تامة بجميع المواضيع التي ستبحث مع الولايات المتحدة لمتابعتها واتخاذ الخطوات اللاّزمة بشأنها بعد تشكيل الحكومة الجديدة”، موضّحا أنّ الملفات التي سيتم بحثها بين الجانبين العراقي والأميركي “ليست مقتصرة على الجانب الأمني بل تتعلق أيضا بالعلاقة الاستراتيجية بين البلدين، كما تشمل المجالات الاقتصادية والسياسية وكذلك الثقافية المثبتة ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي”.

وتعلم الإدارة الأميركية أن أمام الكاظمي في حال نجح في تشكيل حكومته مشاغل كثيرة وملفات عاجلة ومعقّدة من شأنها أن تجعل السعي إلى إخراج القوات الأجنبية، غير مطروح على أجندة عمله.

ومن هذا المنطلق يُستبعد أن تكون في نيّة الإدارة الأميركية مناقشة هذا الموضوع الحسّاس المرتبط عضويا بالصراع مع إيران في المنطقة، مع الحكومة العراقية القادمة، ويُتوقّع في المقابل أن تجنح واشنطن في عرض المساعدات والتسهيلات على الحكومة الانتقالية العراقية، في حال نجاح المكلّف مصطفى الكاظمي في تشكيلها.

العرب