في خضمِّ حالة الطوارئ و”الحرب الصحية” التي أعلنتها دول العالم لمكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) -بعدما صنَّفته منظمة الصحة العالمية “جائحة” أو وباء عالميًّا- كانت هناك حرب أخرى غير تقليدية تَسْتَعِر على مستوى الأفكار والتصورات؛ يمكن تسميتها بالصراع الرمزي أو الحرب الرمزية التي تتجاوز في أهدافها وأبعادها الاستراتيجية ما يصفه البعض بـ”الحرب الكلامية” أو “حرب الاتهامات” بين أطراف هذا الصراع الذي يجري في ساحات وفضاءات ومجالات متعددة وبأدوات مختلفة. وقد استهدفت هذه الحرب غير التقليدية، التي يُسمِّيها الباحث في الشؤون الأمنية الدولية، مايكل والر (J. Michael Waller)، بـ”حرب الأفكار”(1)، إنشاء تمثُّلات وسرديات تُحدِّد التركيب الجيني لفيروس كورونا وأصله ومَنْشَأه والجهة التي صنَّعته في سياق استراتيجية حربها البيولوجية التي تخوضها ضد خصومها، ثم محاولة التحكُّم في الخطاب العام على مستوى الرؤية السياسية والتأثير في الرأي العام المحلي والعالمي عبر الترويج لهذه التَّمثُّلات في وسائل الإعلام والمنصات الرقمية المختلفة، ثم تعيين مسؤولية الجهة المُصَنِّعة للفيروس (أخلاقيًّا) والخسائر والأضرار التي ألحقتها بالاجتماع الإنساني والعمران البشري وانعكاسات ذلك على السلم والأمن الدوليين.
لقد تعدَّدت الأطراف والجهات التي اندفعت إلى شنِّ هذه الحرب الرمزية أو خوض حرب الأفكار عبر بناء روايات تُحَدِّد مَوْطِن الفيروس، وتُفَسِّر ظروف انتقاله من مَنْشَئِه الأصلي وانتشاره خارج حدود الجهة المُصنِّعة له. وهنا، برز الصراع بين سردية أميركية صنَّعتها وروَّجتها المؤسسات السيادية (إدارة البيت الأبيض، وزارة الخارجية، وزارة الدفاع…)، فضلًا عن وسائل الإعلام المختلفة؛ إذ اعتبرت كورونا فيروسًا صينيًّا بعدما وَسَمَتْه بـ”الفيروس الصيني” أو “فيروس ووهان”، في مقابل سردية أخرى أنشأتها السلطة الصينية، وهي تدحض الرواية الأميركية عن أصل “الفيروس الصيني”، وتُحمِّل الجيش الأميركي مسؤولية نقله وانتشاره في الصين لما تصدت وزارة الخارجية للقصف المعلوماتي في بداية الصراع. كما برزت رواية أخرى روَّجها بعض نواب مجلس الدوما الروسي، وانخرطت فيها أيضًا وسائل الإعلام الرسمية، لاسيما القناة الحكومية الأولى، فضلًا عن حملة إعلامية عبر منصات رقمية (تويتر، فيسبوك، إنستغرام..) تُقِرُّ بمسؤولية أميركا في إنتاج فيروس كورونا في مختبراتها البيولوجية العسكرية ونشره في أرجاء العالم. وخاضت إيران أيضًا غمار هذه الحرب (حرب الأفكار)، بمشاركة مؤسسات سياسية وسيادية (مؤسسة المرشد الأعلى، الحرس الثوري، المجلس الأعلى للأمن القومي، وزارة الخارجية…) ومنصات إعلامية مختلفة، باعتماد “العمليات المعلوماتية” النفسية التي تمثِّل بعدًا أساسيًّا في حرب الأفكار للتأثير في الرأي العام المحلي والدولي من خلال الترويج لنظرية إنتاج فيروس كورونا في المختبرات البيولوجية الأميركية.
في سياق الصراع بين هذه السرديات التي أُنْتِج بعضها عبر العمليات المعلوماتية (وغيرها من العمليات التي سنبيِّنها لاحقًا)، لعبت الحوامل الإعلامية التقليدية والجديدة دورًا بارزًا في حرب الأفكار، بل لا يمكن تصور هذه العمليات دون وسائل الإعلام (المرئية والسمعية والمكتوبة والرقمية) الحاملة لمحتوى هذا الصراع، وهو ما يجعلها تقوم بوظيفة القوة الصلبة في مسرح العمليات -قياسًا إلى قوتها التأثيرية- لكن لـ”تدمير” البنية النفسية للخصم (القتال النفسي) عبر قهره فكريًّا وسياسيًّا و”تدمير” سرديته، ثم تطويقه وخلق حالة سياسية لمحاصرته.
وفي هذا الإطار، تهتم هذه الورقة بالبحث في المجالات أو الميادين (الدبلوماسية العامة، الشؤون العامة، العمليات المعلوماتية..) التي شكَّلت مسرحًا لحرب الأفكار، كما تبحث في منطلقات الحرب النفسية بين أطراف الصراع لإنشاء سرديتها حول أصل فيروس كورونا ومَنْشَئِه وصناعته في المختبرات البيولوجية، والجهة التي تتحمَّل مسؤولية انتشاره في العالم، ثم الحوامل والوسائل التي استُخْدِمت كقنوات في معركة الأفكار لحقن أو تلقيح الروايات والسرديات بالرؤية السياسية والأيديولوجية من قبل أطراف الصراع. كما تبحث الورقة أهداف هذا الصراع وخلفياته وتستعين بالمدخل النظري لحرب الأفكار كما أسَّس أُطُرَها الباحث مايكل والر في كتابه عن “خوض حرب الأفكار مثل الحرب الحقيقية”، وتستند أيضًا إلى بعض الأفكار التي أوردتها الأكاديمية، حميدة سميسم، في كتابها “الحرب النفسية”.
صراع السرديات في الأزمنة الوبائية
يحفل التاريخ البشري بالوقائع السياسية والأحداث التاريخية الكبرى والصغرى، وحتى وقائع الأمراض الوبائية المعدية، التي شكَّلت مادة لصناعة السرديات والروايات لخدمة الأهداف الاستراتيجية للكيانات السياسية وفقًا لـرؤيتها ومصالحها التي تُكرِّس هيمنتها الرمزية وشرعية وجودها وسلطتها إزاء سرديات أخرى، وهي جزء لا يتجزأ من الصراعات السياسية والأيديولوجية التي تَسْتَعِر سياسيًّا سواء في المرحلة التاريخية التي تم فيها الحدث أو في أعقابها(2). وهذا ما يلاحظه المؤرخون والباحثون في تاريخ الأمراض الوبائية والمتابعون لصراع السرديات حولها، فعندما انتشر الطاعون أو “الموت الأسود” في جميع أنحاء أوروبا، منتصف القرن الرابع عشر، وأدى إلى وفاة أكثر من نصف السكان، استهدف بعض الأوروبيين مجموعات، مثل: اليهود والرهبان والأجانب والمتسوِّلين، وحمَّلوا هذه الفئات مسؤولية الأزمة التي أثارها الوباء. وسادت رواية تتهم اليهود بتَخْلِيق المرض والوقوف وراء انتشاره عبر تسميم الآبار بشكل مُتَعَمَّد. وربط البعض ذلك جزئيًّا بالنظافة التي كانت تميز المجتمعات اليهودية والعزلة في الأحياء اليهودية ما يعني أن اليهود أقل تأثيرًا(3). كما ربط آخرون انتشار الوباء بـ”مخطط شيطاني لليهود للسيطرة على العالم”، وقد أدى ذلك الشَّحْن السياسي والديني إلى تَفَجُّر الوضع ونشوء حالة من الاضطهاد والتهجير(4)؛ حيث “هاجم الغوغاء الأوروبيون المجتمعات اليهودية في جميع أنحاء أوروبا، وبحلول عام 1351 تمَّ تدمير 60 مجتمعًا كبيرًا و50 مجتمعًا يهوديًّا صغيرًا، وحدثت أكثر من 350 مجزرة منفصلة”(5).
وبعد عقد من انتشار وباء “الإنفلونزا الإسبانية”، الذي ظهر في نهاية الحرب العالمية الأولى، عام 1918، وأودى بحياة ما يتراوح بين 40 و50 مليون شخص، حيث كانت الخنادق مرتعًا للبكتيريا والفيروسات المسببة للأمراض بين الجنود(6)، برزت روايات مختلفة، حيث اعتقد بعض الحلفاء (كانت قوات الحلفاء تضم المملكة المتحدة، وفرنسا، وروسيا) أن الإنفلونزا سلاح بيولوجي طوَّره الجيش الألماني(7) في مختبراته العسكرية ضد دول الوفاق الثلاثي. ورأى بعض هذه الروايات أن الألمان اكتشفوا عام 1916 مُتَغَيِّرًا للإنفلونزا كان يستهدف بشكل مثالي الجنود والرجال الأكثر صحة بعد تدمير الجهاز المناعي بسبب نشاطه المفرط(8).
وعندما بدأ انتشار مرض الإيدز، أو متلازمة نقص المناعة المكتسبة (VIH)، في أوائل الثمانينات من القرن العشرين، وخلق حالة من الرعب في معظم أنحاء العالم، برزت أيضًا سرديات كثيرة تعزو أصل فيروس الإيدز ومسؤولية تصنيعه إلى الولايات المتحدة الأميركية في مختبراتها البيولوجية نهاية السبعينات في إطار برنامج سُمِّي “فيزيبيليتي” تم الانتهاء منه عام 1975، وهو نفس التاريخ الذي بدأ الحديث فيه عن فيروس السيدا. في ذلك الوقت، قامت أميركا بدمج الفيروس في ملايين اللقاحات التي استخدمت لعلاج داء الجدري، وقد حُقِن -بحسب هذه الرواية- أكثر من مئة مليون إفريقي بهذه اللقاحات الفاسدة سنة 1977. وفي عملية سُمِّيَت بـ”تروجان هورس”، سنة 1978، حُقِن قرابة ألفي مِثْلِي الجنس من العرق الأبيض بلقاح ضد مرض التهاب الكبد (ب) يحتوي هو الآخر على فيروس السيدا. وكان الهدف من هذا البرنامج -بحسب هذه الرواية- هو رغبة الولايات المتحدة في التحكُّم والهيمنة على العالم(9).
وقد روَّج لهذه السردية انطلاقًا من العام 1983، جهاز المخابرات السوفيتي السابق “كي جي بي”، الذي يُعرف بلجنة أمن الدولة السوفيتية، معتبرًا أن الولايات المتحدة الأميركية طوَّرت الإيدز كسلاح بيولوجي وجرَّبته على سجناء وأبناء أقليات ومِثْلِيين جنسيًّا وألقت بالمسؤولية في ذلك على إفريقيا كأصل للمرض(10). كما اتهم الرئيس الأسبق لجنوب إفريقيا، ثابو مبيكي، الحكومة الأميركية بتصنيع الفيروس في مختبراتها العسكرية، بل إن عالم البيئة الكيني، وانغاري ماثاي، الحائز على جائزة نوبل للسلام، استخدم منصة الجائزة لدعم تلك السردية، ويشير كثيرون بأصابع الاتهام إلى الرئيس الأميركي، ريتشارد نيكسون، الذي قام بدمج قسم الأسلحة البيولوجية للجيش مع المؤسسة القومية للسرطان عام 1971(11).
تكرَّر إنتاج أبعاد هذه الرواية عندما تفشى أيضًا مرض الإيبولا في دول غرب إفريقيا وكانت الولايات المتحدة المتهم الرئيسي في تخليق “فيروس الإيبولا” بالقرب من نهر “إيبولا” فيما يُعرف الآن بجمهورية الكونغو الديمقراطية، وهو كائن معدَّل وراثيًّا انتشر في المناطق المستهدفة من القارة الإفريقية، حيث تم إنشاء مواقع في جميع أنحاء القارة لاختبار الأمراض الناشئة وخاصة الإيبولا. ويهدف هذا السلاح البيولوجي وفقًا لهذه الرواية إلى تدمير النظام الصحي للدول الإفريقية وتوفير فرص لإنتاج لقاح لصالح شركات الأدوية الأميركية(12).
وتبنَّى هذه الرواية أيضًا مساعد وزير الخزانة الأميركي، بول كريج روبرتس (Paul Craig Roberts)، في عهد إدارة رونالد ريغان (1981-1989)، حيث اعتبر الإيبولا كائنًا معدَّلًا وراثيًّا تم تصنيعه وتطويره في مختبرات الحرب البيولوجية الأميركية في إفريقيا، وهي القناعة التي تشكَّلت لديه عندما اطلع على مذكرة لمركز الأبحاث الإكلينيكية، التابع لوزارة الصحة، حيث كانت الحكومة الأميركية وهيئة الدواء تقومان باختبارات وتجارب الإيبولا على البشر، مستندًا أيضًا إلى تقارير أعدها الدكتور فرانسيس بويل (Francis Boyle)، في جامعة إلينوي، والدكتور سيريل بروديريك (Cyril Broderick)، في جامعة ليبريا وديلاوير، حيث أكد بويل أن هذه التجارب تمثِّل عملًا حربيًّا بيولوجيًّا أُجْرِي في مختبرات الحرب البيولوجية التي أنشأتها الولايات المتحدة على الساحل الغربي لإفريقيا، والتي تُعَدُّ موطن وأصل الوباء. فقد كان مركز السيطرة على الأمراض يقوم لمصلحة البنتاغون بحرب بيولوجية في سيراليون، التي تُشكِّل بؤرة انتشار الفيروس، في وقت مبكر من العام 1988. كما أكد بروديريك، استنادًا إلى مراجع مختلفة، وجود صناعة عسكرية طبية تقوم بإجراء اختبارات الأسلحة البيولوجية تحت غطاء إدارة التطعيمات للسيطرة على الأمراض وتحسين صحة الأفارقة السود في الخارج(13).
إذن، تكشف ظروف انتشار الأوبئة والأمراض المعدية خلال المراحل التاريخية السابقة أحد أبعاد الصراع (صراع السرديات) بين بعض القوى الكبرى، والذي يستهدف تشكيل الرؤى والتصورات حول مسؤولية الجهة التي تقف وراء تخليق الفيروسات الفتاكة في مختبراتها البيولوجية العسكرية، وانتشار الأوبئة التي تحصد أرواح الملايين من البشر. وكانت هذه الروايات تنتجها في معظم الأحيان دوائر المخابرات لصناعة صورة نمطية ذات أبعاد معرفية ونفسية وسلوكية عن الكيانات السياسية والمجموعات البشرية وحتى الأفراد؛ تُشَوِّه رمزيتها في وجدان الرأي العام المحلي والعالمي. وهنا، نتساءل كيف يبدو مسرح “العمليات المعلوماتية” أو الحرب النفسية بين القوى الكبرى في سياق أزمة انتشار وباء كورونا؟ وسنركز هنا أساسًا على السرديتين الأميركية والصينية.
وباء كورونا وحرب الأفكار
من خلال مشاهد الصراع الرمزي الذي أثاره مَنْشَأ وأصل فيروس كورونا وظروف انتشاره في أرجاء العالم، وأداء الفاعلين المنخرطين في هذا الصراع -سواء المؤسسات السيادية أو وسائل الإعلام- كانت الأطراف المعنية (خصوصًا الولايات المتحدة والصين) تتبنى استراتيجية اتصالية -في سياق الاتصال الاستراتيجي للدولة- تعتمد على ثلاثة مرتكزات أساسية تشكِّل ما يُسَمَّى بـ”حرب الأفكار”، كما حدَّدها مايكل والر، وتشمل مجال الدبلوماسية العامة، والشؤون العامة، والعمليات المعلوماتية(14).
ويُقْصَد بـ”الدبلوماسية العامة” التواصل أو التفاعل الحكومي مع شعوب الدول الأخرى للتأثير في تصورات الرأي العام الأجنبي واتجاهاته لدعم الأهداف الوطنية(15)، ويعمد هذا النوع من الدبلوماسية إلى التعامل مع الآثار المترتبة من المواقف العامة حول السياسة الخارجية وتنفيذها، كما يسعى إلى خلق رأي عام في الدول الأخرى حول أبعاد العلاقات الدولية وآثارها خارج نطاق عمل الدبلوماسية التقليدية، والتفاعل مع الجماعات غير الرسمية خارج إطار الدولة، والتفاعل مع تقارير السياسة الخارجية وتأثيرها، والاتصالات التجارية والاقتصادية خارج الأطر الرسمية(16). وإجمالًا، تهدف الدبلوماسية العامة إلى إقناع الناس في البلدان المستهدفة بتغيير سياسات حكومتهم الداخلية والخارجية من أجل خلق بيئة إبداعية لإنشاء جمهور يدافع عن أهداف السياسة الخارجية والمصالح الوطنية. والهدف من ذلك هو التأثير في الرأي العام فيما يتعلق بأهداف الحكومة المتصلة بالدبلوماسية العامة التقليدية من أجل إدراجها ضمن أهداف السياسة الوطنية والخارجية للدولة المعنية(17).
أما “الشؤون العامة” (وتُسْتَعْمَل في بعض الأوقات مرادفًا لوظيفة العلاقات العامة) فَيُراد بها عملية إخبار الجمهور المحلي ووسائل الإعلام عمومًا حول القضايا والسياسات الحكومية، ويكون إطارها الزمني محدودًا أكثر من الدبلوماسية العامة؛ لأنها موجهة لدورات الأخبار السريعة(18)، كما تعني الشؤون العامة الجهود الخاصة والمصممة من أجل بناء العلاقات مع المجتمع والحكومة والحفاظ عليها. وتتضمن أنشطة الشؤون العامة عددًا من الوظائف تعدُّ من صميم العلاقات العامة، ومنها بناء وتعزيز العلاقات مع الحكومة، والتعليم والتثقيف السياسي وحشد التأييد(19).
وفيما يخص المرتكز الثالث ويمثِّل الرافعة الأساسية لحرب الأفكار فيُسمَّى “العمليات المعلوماتية” (Information Operations, IO)، وهو –أولًا- مصطلح عسكري ويتعلق باستخدام المعلومات، سواء كانت الأنظمة المعلوماتية أو المحتوى، لتعزيز الأهداف العسكرية التكتيكية أو العملياتية. وثمة مصطلح آخر يقترب منه هو “العمليات النفسية” (Psychological Operations, PSYOP)، وهو أداة عسكرية تكتيكية وعملياتية للتأثير في أفكار وعواطف وأفعال الخصوم العسكريين والمدنيين في مناطق القتال(20)، أو ما يسمى بالحرب النفسية.
وتستخدم الورقة مصطلح “العمليات المعلوماتية” بمعنى الحرب النفسية (القتال النفسي) التي يتم فيها تعبئة جميع المؤسسات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والإعلامية لصناعة سردية تستهدف التأثير في الأفكار والاتجاهات النفسية والعاطفية والسلوكية للأفراد والجماعات لإضعاف الجبهة الداخلية للخصم السياسي وإثارة الفوضى والاستياء في النسيج الاجتماعي مقابل خلق حالة شعورية لتعزيز الروح الوطنية للقائم بالحرب النفسية.
هذه المجالات الثلاث شكَّلت محور الاتصال الاستراتيجي لأطراف الصراع الرمزي في حرب الأفكار التي خاضتها وتخوضها أميركا والصين (فضلًا عن إيران وروسيا) بشأن أصل فيروس كورونا ومنشئه وظروف انتشار الوباء، حيث وضعت هذه الأطراف أهدافًا واضحة في مواجهة خصومها، وحددت الوسائل والكيفية التي تجعل اتجاه وسلوكيات وتصورات الجمهور يدعم تلك الأهداف. لكن الملاحظ هنا أن الحدود بين هذه المجالات الثلاث كانت متداخلة بشكل كبير في أداء المؤسسات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والإعلامية؛ إذ تقوم بالوظائف الثلاثة في أنشطتها التقليدية، فلا تفصل بين مهام عملها الدبلوماسي والعمليات المعلوماتية والعلاقات العامة.
السردية الأميركية: قتال نفسي لنزع الشرعية ومحاصرة الصين
قبل أن تتشكَّل السردية الأميركية الرسمية لإدارة ترامب، في أواخر شهر مارس/آذار 2020، والتي اعتبرت كورونا “فيروسًا أجنبيًّا” ثم “فيروسًا صينيًّا” نشأ وظهر في الصين، كما جاء في التصريحات والإيجازات الصحفية للرئيس، دونالد ترامب، عن حالة انتشار الوباء في أميركا، كانت وسائل الإعلام الأميركية قد اهتمت مبكرًا بأصل الفيروس ومنشئه.
وفي هذا السياق، كان لافتًا عنوان التقرير الذي نشرته صحيفة “الواشنطن تايمز” اليمينية، يوم 26 يناير/كانون الثاني 2020، حول “أصل فيروس كورونا الذي نشأ في مختبر صيني مرتبط ببرنامج الحرب البيولوجية”(21). ويستند التقرير في روايته إلى رأي داني شوهام (Dany Shoham)، وهو ضابط سابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، الذي تُقدِّمه الصحيفة بصفته محللًا ودارسًا للحرب البيولوجية الصينية. وقد اعتبر أن الفيروس التاجي القاتل أُنْتِج في مختبر يُعْرَف بـ”معهد ووهان لعلم الفيروسات”، في مدينة ووهان، وهو المختبر الوحيد المعلن عنه في الصين الذي بإمكانه التعامل مع الفيروسات القاتلة. وذكر شوهام أن العمل على الأسلحة البيولوجية يتم كجزء من بحث مدني-عسكري مزدوج، وهو “سري بالتأكيد”. وتبنَّت هذه الرواية بعض الصحف البريطانية أيضًا مثل “ديلي ستار” والديلي ميل” وربطت ظهور فيروس كورنا في الصين بمختبر ووهان الوطني للسلامة الإحيائية.
وبدأ الاهتمام يتزايد بأصل الفيروس وعلاقته بالصين عندما دشَّنت الإعلامية المحافظة المشهورة، لورا إنغرام (Laura Ingraham)، تَسْيِيس أزمة فيروس الكورونا بإبداء عدم ثقتها في الحكومة الصينية وكل ما تقوله عن الفيروس، وذلك عبر برنامج الرأي التليفزيوني “زاوية إنغرام” (The Ingraham Angle) (22).
وتصاعد الجدل بشأن هذه الرواية بعد مقالة والتر راسل ميد (Walter Russell Mead)، وهو باحث أميركي في معهد هدسون وأكاديمي درَّس سابقًا السياسة الخارجية الأميركية في جامعة ييل، عندما أشار إلى أن “الصين رجل آسيا المريض الحقيقي”(23)، مُنبِّهًا إلى وجود دلائل على محاولات السلطات الصينية إخفاء الحجم الحقيقي للمشكلة التي أثارها انتشار فيروس كورونا كما أن جهود بيجين غير فعَّالة في مكافحة الوباء، وهو ما يَهُزُّ الثقة في الحزب الشيوعي داخل الصين وخارجها، معتبرًا أن الفيروس كشف حقيقة قوة الصين التي لا تزال هشة، ويمكن لفيروس مثل كورونا أن يغيِّر التطلعات الاقتصادية والسياسية للصين في أي وقت. كما أن التعافي من الأزمة سيكون بطيئًا في الصين وأماكن أخرى وقد تكون الآثار الاجتماعية والسياسية دراماتيكية. وردَّت الصين على نشر “وول ستريت جورنال” للمقال بطرد ثلاثة من مراسليها بسبب ما اعتبرته عنوانًا عنصريًّا.
وانخرط في ترويج هذه الرواية عدد غير قليل من قادة الرأي، وبعض المسؤولين السابقين في الإدارة الأميركية، مثل: إيفو دالدر، رئيس مجلس شيكاغو للشؤون العامة وسفير الولايات المتحدة لدى حلف الشمال الأطلسي، الذي انتقد الصين “لسريتها وتقاعسها عن التعاون”؛ الأمر الذي سهَّل إمكانية تحوُّل الوباء إلى حقيقة. ورصد كيف أن الأطباء في ووهان، المدينة الصناعية التي بلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول 2019، تذكَّروا زيادة عدد المرضى الذين يعانون أعراضًا مشابهة لمرض السارس الذي أودى بحياة ما يقارب 800 شخص في عامي 2002 و2003. فتمَّ حجر المرضى، وأصدرت لجنة الصحة في ووهان إشعارًا عامًّا يؤكد عدم وجود سبب للقلق، وتمَّ تعقب العدوى إلى سوق الحيوانات الحية، والذي تم إغلاقه في 1 يناير/كانون الثاني 2020، وتحديد التسلسل الجيني لفيروس جديد بعد يومين(24).
وهنا، نلاحظ أن النشاط الإعلامي لهذه الوسائل يخلط بين “العمليات المعلوماتية”، باعتبارها حربًا نفسية، و”الوظيفة الإخبارية” التي تفي باحتياجات المواطن الأميركي إلى الأخبار والمعلومات والمعرفة التي تستند إلى الحقائق في وصف ما يجري بشأن انتشار فيروس كورونا من المصادر الأولية والأساسية التي تعمل في القطاع الصحي والطبي والمختبرات الإكلينيكية، وبدل ذلك تنخرط هذه الوسائل وقادة الرأي المحلي في الترويج لأطروحة السلاح البيولوجي (كورونا) الذي صنَّعته الصين في مختبراتها البيولوجية استنادًا إلى رواية ضابط إسرائيلي، ويُحمِّلونها مسؤولية انتشار الوباء ليس في الصين وحدها وإنما في باقي دول العالم كما يُحمِّلونها مسؤولية الأضرار الناجمة عن الجائحة. وهو ما يجعل وسائل الإعلام تُروِّج مُتَعَمِّدة لفكرة بعينها (كورونا الصيني أو الفيروس الصيني، كما وصفه دونالد ترامب) في مسعى لإقناع الرأي العام المحلي الأميركي بمنشأ فيروس كورونا وأصله (المختبرات البيولوجية الصينية) والسيطرة على الخطاب العام على مستوى الرؤية السياسية واتجاهات الجمهور التي تحدد جزئيًّا ردَّ الفعل في ظروف محددة أو تكوين اتجاهات مؤيدة لقضيتها. وبالموازاة مع ذلك، تخوض هذه الوسائل حملة منظمة تلتقي في أهدافها مع الحرب النفسية التي تستهدف التأثير في آراء وعواطف واتجاهات وسلوك الرأي العام الصيني بطريقة تساعد على تحقيق سياسة وأهداف الجهة التي ترتبط بها من أجل احتواء الجمهور وإكراهه على الاستسلام للرواية التي أنتجتها.
وتبرز السردية الرسمية التي تشكَّلت في سياق هذه الحرب ضمن تصريحات المشرعين الأميركيين الموالين للرئيس دونالد ترامب، مثل السيناتور الجمهوري عن ولاية أركنساس، توم كوتون (Tom Cotton)، وهو الدور الذي أريد للمؤسسة التشريعية أن تلعبه في تواصلها مع الرأي العام الأميركي المحلي (الشؤون/العلاقات العامة)؛ إذ لم يستبعد كوتون في حديثه لقناة فوكس نيوز وتغريداته على تويتر، إمكانية تطوير الصين لفيروس كورونا داخل مختبر بيولوجي(25)، ونفى أن يكون الفيروس نشأ في سوق للمأكولات البحرية بمدينة ووهان؛ إذ يوجد بالقرب من هذا السوق مختبر للأبحاث في الأوبئة والأمراض المعدية، معتبرًا الضرر الناتج عن الفيروس أسوأ من حادثة تشيرنوبل، ثم لم يلبث السيناتور، توم، أن تراجع عن أطروحته بعدما تعرض لانتقادات حادة من قبل سياسيين وإعلاميين اعتبرته أكثر الأشخاص غير المسؤولين وخطورة في الإدارة الفيدرالية(26)؛ حيث اعتبر أن هناك أربع نظريات أخرى تفسر ظهور الفيروس.
كما تبنَّى النائب الجمهوري السابق عن ولاية فيرجينا، وعميد كلية إدارة الأعمال بجامعة ليبرتي، ديفيد برات (David Brat)، الرواية نفسها؛ إذ اعتبر أن منشأ الفيروس هو المختبرات الصينية في مدينة ووهان؛ حيث لم تبذل الصين الجهود المطلوبة لاحتواء الوباء وتسترت على انتشاره. وحمَّل الأكاديمي، برات، الصين مسؤولية انتشار الوباء في أميركا والدول الأوروبية؛ معللًا ذلك بوصول المواطنين الصينين إلى هذه الدول بعدما لقي آلاف المصابين في ووهان وغيرها حتفهم بسبب الفيروس(27).
أما نشاط الدبلوماسية العامة الذي تمثِّله وزارة الخارجية الأميركية، فكان جزءًا بارزًا من حرب الأفكار أو الحرب النفسية التي تشنها الإدارة الأميركية ضد الصين، وقد تصدَّر هذا النشاط وزير الخارجية، مايك بومبيو، الذي أكد في مناسبات مختلفة، أن مصدر الفيروس هو مدينة ووهان، مستخدمًا عبارة “فيروس ووهان” (Wuhan Virus)(28)، في الوقت الذي استخدم فيه الرئيس، دونالد ترامب، عبارة “الفيروس الصيني” (China Virus)، سواء في المؤتمرات الصحفية اليومية أو عبر تغريداته، بينما كان يعتبره في البداية “فيروسًا أجنبيًّا” في تلميح إلى الصين. وكما يبدو، فقد تحولت العبارتان (الفيروس الصيني وفيروس ووهان) إلى مصطلحين مسكوكين لعملة واحدة؛ يُراد لهما أن يَدْمَغا الصين بعلامة مميزة لها عن غيرها من الدول التي تفشى فيها الوباء، باعتبار الفيروس إنتاجًا محليًّا صينيًّا، أي صُنِع في الصين؛ حيث كلما ذُكرت، سواء في المحافل الدولية أو في وسائل الإعلام، يقترن اسمها بشكل لا واع بهذا الوباء، مما يجعل تخلصها من هذا التصنيف (الفيروس الصيني) صعبًا، خاصة أن المسؤولين الأميركيين يربطان ذلك بمسؤولية الصين عن تهديد النظام الصحي وأسلوب العيش في الغرب. وقد ظهر ذلك بوضوح في تصريحات بومبيو، على هامش اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة السبع في نهاية شهر مارس/آذار الماضي (2020)، لِوَسْم الصين بالتضليل والتعتيم على الحقائق التي تتعلق بفيروس كورونا وانتشاره في المدن الصينية. وهنا، تبرز دلالة وَسْم كورونا بـ”فيروس ووهان” أو “الفيروس الصيني” لربط السلوك السياسي للصين بعدم المسؤولية واللاشرعية، وهو ما يقتضي المحاسبة والمعاقبة كما يطالب بذلك المسؤولون الأميركيون، بينما تبدو أميركا مسؤولة ويتميز سلوكها بالشرعية والأمان.
إذن، تتضح محددات نشاط الدبلوماسية الأميركية في الاتصال الاستراتيجي الواسع عبر الحملة الشاملة التي تستخدم فيها كل الأجهزة (وسائل الإعلام المختلفة) والأدوات المتاحة (المؤتمرات الصحفية والملتقيات الدولية) للتأثير في عقول ومشاعر الرأي العام الصيني وآرائه واتجاهاته وإحلال الرواية الأميركية محلَّ الرواية الصينية بما يؤدي إلى سلوك يتفق مع مصالحها وسياسة وأهداف الإدارة الأميركية، وهو ما يجعل هذه الحرب “قتالًا نفسيًّا”(29) لا يهدف إلى الإقناع وإنما التشكيك في سلوك الخصم وسياساته وإدارته لأزمة انتشار الوباء التي تسببت في خسائر بشرية واقتصادية عالمية، والعمل على تحطيم الإرادة الفردية، وأيضًا تحطيم الثقة في الذات القومية واحتوائها كليًّا بما يعنيه ذلك من فرض التبعية أو السيطرة على رؤيتها وخلخلة أطرها الفكرية والسياسية ودفعها للاعتقاد بمسؤولية الصين عن تخليق الفيروس وتصنيعه في مختبراتها العسكرية ومحاولة الإضرار بالعالم وتقويض السلم والأمن الدوليين.
ويبدو من خلال هذا النشاط الدبلوماسي المحكوم بقواعد الحرب النفسية الاستراتيجية، التي تستهدف التأثير في الآراء ووجهات النظر والاتجاهات والسلوك، أنه يتعامل مع موقف صيني يتميز بالصلابة في الترويج لرواية ظهور الفيروس في سوق للأسماك والمأكولات البحرية في مقاطعة ووهان قبل اتهام الجيش الأميركي بنقله إلى الصين. وهنا، تسعى هذه الحرب النفسية الاستراتيجية إلى خرق هذه الصلابة “وإحالة الجسد بهذا المعنى إلى الرخاوة” والنيل منه(30) وإضعافه وتقويض روحه المعنوية لمساعدة الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها عبر ترسيخ دعائم تعامل معين مع الصين يجعلها مشتبهًا بسلوكها بشكل دائم من حيث نتائجه وتثبيت هذه النتائج التي تؤدي إلى نزع الشرعية عن نظامها ومحاصرته استراتيجيًّا.
السردية الصينية: الدفاع عن النفس والخروج للعالم
أمام القصف المعلوماتي والحرب النفسية التي تعرضت لها الصين عبر قنوات مختلفة (البيت الأبيض، وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، وسائل الإعلام) لِوَسْمِها بعدم المسؤولية في التعامل مع الوباء وانتشاره في العالم، وتجريدها من الشرعية التي تجعلها نظامًا ملائمًا داخليًّا ويحظى بالقبول دوليًّا، جنَّدت الحكومة الصينية طاقاتها للرد على الرواية الأميركية والتشكيك في صدقيتها، وهو ما ظهر في تغريدات المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو ليجيان، عندما لفت إلى احتمال أن يكون الجيش الأميركي هو الذي نقل فيروس كورونا إلى مدينة ووهان، متسائلًا: “متى ظهر المريض الأول في أميركا؟ كم عدد الأشخاص الذين أُصيبوا بالفيروس؟ ما أسماء المستشفيات؟ يمكن أن يكون الجيش الأميركي هو مَنْ جاء بالوباء إلى ووهان. كونوا شفافين! أعلنوا بياناتكم للعموم! الولايات المتحدة تدين لنا بتفسير”. وتوالت سلسلة تغريدات ليجيان وآرائه التي أشار فيها إلى اختراع الفيروس وتطويره من قبل علماء أميركيين تمكنوا من الحصول على نوع جديد من فيروس كورونا، عام 2015، له تأثير خطير على الإنسان(31)، ثم ما لبث أن استقرت السردية الصينية وتشكَّلت أبعادها بإقرار المَنْشَأ الطبيعي للفيروس الذي تسبب في الوباء، وهو ما أكدته أيضًا منظمة الصحة العالمية بعد ذلك؛ إذ اعتبرت أن “مصدر الفيروس طبيعي وليس مصنوعًا أو مفتعلًا”.
وقد شكَّلت تصريحات المسؤول الصيني بوزارة الخارجية نواة السردية الصينية التي أُرِيد لها مجابهة وصدَّ الحرب النفسية التي تنال من شرعية الدولة ومؤسساتها في إدارة الأزمة التي أثارها انتشار وباء كورونا في البلاد وباقي دول العالم باعتبار ما يراه خصومها تهاونًا في التعامل مع الجائحة وتسترًا على المعلومات والمعطيات المرتبطة بتفشي الفيروس. وقد حاولت الصين من خلال تعبئة طاقات وموارد جهازها الدبلوماسي عبر العالم أن تكثف عملياتها المعلوماتية في ثلاثة اتجاهات:
أولًا: بناء صورة ذهنية (معرفية ونفسية) للولايات المتحدة أمام الرأي العام العالمي باعتبارها مصدرًا للأخطار والكوارث التي تحدق بالعالم، وتهدد السلم والأمن العالميين بنشرها للأمراض والأوبئة عبر مختبراتها البيولوجية العسكرية المنتشرة في أرجاء العالم، ويظهر ذلك من خلال تطوير الفيروسات كما هو الشأن مع كوفيد-19.
ثانيًا: إبراز مسؤولية الصين في التعامل بشفافية مع المعطيات والبيانات الخاصة بطبيعة الفيروس وحالات الإصابة بالمرض وحجم انتشاره ومشاركة تلك المعلومات مع الجهات المعنية (منظمة الصحة العالمية وغيرها)، وذلك في محاولة لنفي الاتهامات التي وُجِّهت للصين بشأن تضليل العالم والتعتيم على ما يجري داخل البلاد بشأن الفيروس.
ثالثًا: الترويج للنموذج الصيني في احتواء الوباء وتطويق انتشاره بالمدن الصينية؛ الأمر الذي تعتبره بيجين نجاحًا باهرًا في التعامل مع فيروس كورونا، وصورة لنجاعة نظامها السياسي وصلابته وفاعليته في مواجهة الأزمات، كما اهتم هذا الاتجاه عبر ما يمكن تسميته باستراتيجية “الخروج للعالم” بإبراز صورة الصين التي تقدم المساعدات والاحتياجات الطبية للدول التي تفشى فيها المرض.
وتبدو العمليات المعلوماتية لجهاز الدبلوماسية الصينية في موقف رد الفعل الذي يحاول صد القصف الأميركي في سياق الحرب النفسية بينهما، وهو ما يبدو واضحًا أيضًا في بعض وسائل الإعلام المحلية التي سعت إلى الترويج للرواية الصينية في سياق المجالات الثلاث التي ذُكِرت آنفًا، مثل المقالات التي نشرتها وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) الرسمية، وصحيفة الشعب. فقد ذكرت إحدى مقالات الرأي التي نشرتها (شينخوا) أن الصين تبنَّت “الإجراءات الوقائية الأكثر شمولًا والأكثر صرامة ووقائية” لمكافحة الوباء. وبنبرة البهجة الوطنية، لوَّحت صحيفة الشعب اليومية بأن بإمكان الصين أن “تجمع بين الخيال والشجاعة اللازميْن للتعامل مع الفيروس، بينما تتعثر الولايات المتحدة في ذلك”. كما استغل المسؤولون الصينيون الضغوط التي خلَّفها انتشار الوباء على الأوروبيين والأميركيين لتذكير الجمهور العالمي بشكل مطرد بتفوق الجهود الصينية وانتقاد “عدم المسؤولية وعدم الكفاءة” لـدى من تسمى “النخبة السياسية في واشنطن”، كما جاء في افتتاحية نشرتها وكالة أنباء شينخوا الرسمية(32).
وهنا، يبدو هدف العمليات المعلوماتية، التي تندرج في سياق الاتصال الاستراتيجي للدولة، هو تبديد ضغط الحرب النفسية التي تشنها أميركا عبر مؤسساتها المختلفة ضد الصين والتقليل من خسائرها التي تستهدف بناء رأي عام دولي ومحلي يشكك في قيادته السياسية ويحملها المسؤولية عن الأزمة التي أثارها كورونا من خلال تبني الرواية الأميركية. لذلك، اتخذت هذه العمليات طابع “الحرب النفسية المضادة”(33) التي هدفت أيضًا إلى إيقاف “فيضان” العمليات المعلوماتية التي ركزت على منشأ الفيروس في الصين (الفيروس الصيني/فيروس ووهان)، وتعتيم السلطات على الوضع الوبائي في البلاد وعدم تعاونها مع المنظمات المعنية…إلخ؛ إذ اعتبرت الاتهامات التي توجه للصين غير مسؤولة وأن وضع انتشار الوباء يتطلب تكاتف الجهود الدولية لاحتوائه، ثم انتقلت الحرب النفسية المضادة من الدفاع عن الذات وتبرئتها مما توسم به إلى الهجوم من خلال إبراز مسؤولية أميركا عن تفشي الفيروس في الصين نفسها…إلخ.
روايات أخرى: التوظيف السياسي لأزمة كورونا
في إطار الحرب النفسية الاستراتيجية والمضادة بين أميركا والصين وتصاعد الصراع الرمزي بينهما، برزت أيضًا روايات أخرى لأطراف دولية وإقليمية لكنها لم تأخذ مداها في هذا الصراع ضمن سياق الاتصال الاستراتيجي لتلك الدول، بل سرعان ما انكفأ صدى هذه السرديات وانحسر تأثيرها مثل الرواية الإيرانية والروسية. فقد وجدت إيران الفرصة مناسبة لإنشاء رواية خاصة بها حول حقيقة فيروس كورونا وإِنْ ظهرت متأخرة قياسًا إلى السردية الصينية؛ إذ بدأ تتشكَّل أبعاد الرواية الإيرانية بعد استفحال الوضع الصحي العام وانتشار الوباء بسرعة في معظم المدن والمحافظات؛ حيث أصبحت البلاد بؤرة للفيروس في المنطقة.
وكانت معظم المؤسسات الرسمية (مؤسسة المرشد الأعلى، هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، وزارة الخارجية)، فضلًا عن وسائل الإعلام، تردد الرواية التي تعتبر الفيروس مُنْتَجًا أميركيًّا في مختبراتها البيولوجية، وتربط تفشي الفيروس في البلاد باحتمال أن يكون هجومًا بيولوجيًّا على إيران، وهو ما يفسر دعوة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله خامنئي، للقوات المسلحة بضرورة تعزيز الحرب ضد المرض في البلاد. وفي مرسوم بعث به إلى رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، الجنرال محمد باقري، قال خامنئي: “نظرًا لوجود أدلة تشير إلى احتمال أن يكون هذا الحدث هجومًا بيولوجيًّا، فإن هذا الأمر يمكن أن يشكِّل أيضًا تمرينًا لقواتنا في مجال الدفاع البيولوجي”(34). وهو الكلام الذي جاء على لسان قائد الحرس الثوري، اللواء حسين سلامي، عندما اعتبر أن كورونا قد يكون هجومًا بيولوجيًّا أميركيًّا.
وحاولت وزارة الخارجية أن تعطي للصراع الرمزي -بشأن مَنْشَأ الفيروس وأصله- بعدًا دوليًّا من خلال إظهار مسؤولية الولايات المتحدة في نشر فيروس كورونا بمدينة ووهان الصينية لتوجيه أنظار العالم نحو دور أميركا في خلق الأزمات والمشاكل التي تتسبب في الإضرار باستقرار الدول وتهديد السلم والأمن الدوليين. لكن يبدو أن هذه الرواية كانت تفتقد لعنصر الاتصال الاستراتيجي الذي يجعلها محور السياسة الإيرانية وتُعَبَّأ من أجلها موارد وطاقات الدولة للتأثير في الرأي العام الدولي والأميركي بشكل خاص. كما لم تستطع بناء عمليات معلوماتية تقهر خصمها السياسي، وإنما كانت تردد ما تتداوله وسائل الإعلام وبعض المجلات التي تشكك في إنتاج أميركا للفيروس ونشره في الصين، وهو ما أفقدها قوة الدفع الاستراتيجية أو حتى الدفاع عن الذات وصرف الانتباه عن المشاكل الداخلية التي أثارها انتشار الوباء. لذلك، كانت الرواية الإيرانية، في نظر البعض، استجابة لحاجة داخلية؛ إذ بعد أن أخفى النظام الإيراني حقيقة انتشار الفيروس في البداية وأصر على تنظيم الانتخابات التشريعية ولم يوقف التجمعات ويغلق المزارات ولم يعزل المدن حينها بدأ فقط يتحدث عن حرب بيولوجية أميركية وعن استهداف أميركي لإيران بهدف إبعاد المسؤولية عنه(35).
من السرديات التي ظهرت في سياق هذا الصراع وافتقدت للبعد الاتصالي الاستراتيجي للدولة، نجد الرواية الروسية التي بلورتها بعض المؤسسات والجهات السياسية الروسية، وروَّجت لها أساسًا بعض وسائل الإعلام المحلية وشبكات التواصل الاجتماعي، وتركز على نقطة واحدة بشكل متكرر، وهي أن النخب السياسية الغربية، لاسيما الأميركية، تقف وراء انتشار هذا الوباء في أرجاء العالم. وهنا، يبرز موقف زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، فلاديمير جيرينوفسكي، الذي حمَّل الولايات المتحدة مسؤولية تفشي الفيروس، متسائلًا -في لقاء مع طلاب وأساتذة معهد الحضارات العالمية بموسكو-: “هل هو بالفعل نوع جديد من مرض الإنفلونزا؟ كلا، فالحديث يدور عن أزمة مصطنعة تقف وراءها الولايات المتحدة التي تتصرف بدوافع اقتصادية؛ إذ يخشى الأميركيون من الفشل في مسابقة الصينيين أو اللحاق بهم على الأقل”(36). واعتبر أن فيروس كورونا ليس الحالة الأولى التي تثير أزمة عالمية؛ إذ سبقه انتشار أمراض أخرى مثل إنفلونزا الطيور.
وتحاول الرواية الروسية أن تأخذ طابعًا علميًّا بمشاركة بعض الخبراء والمختصين في الأسلحة البيولوجية في تشكيل أبعادها؛ ويظهر ذلك في آراء بعض من تحملوا مسؤوليات وشاركوا في لجان دولية، مثل الدكتور إيغور نيكولين، الخبير في البيولوجيا والعضو السابق في اللجنة الدولية الخاصة بالسلاح البيولوجي والكيمياوي، الذي اعتبر أن تفشي جائحة كورونا في الصين ليس صدفة، فهو رابع وباء ينتشر في البلاد، مشيرًا إلى وجود 25 مختبرًا بيولوجيًّا أميركيًّا حول حدود الصين في كازاخستان وقرغيزستان وأفغانستان وباكستان وجمهورية لاوس وفيتنام وتايوان وكوريا الجنوبية والفليبين… “في كل هذه البلدان هناك مختبرات أميركية بيولوجية، أي في كل البلدان المحيطة بالصين”(37). ويعتقد نيكولين أن الفيروس تم اختياره بعناية ليصل إلى البلدان التي تعتبر خصومًا للولايات المتحدة الأميركية، لاسيما الصين وإيران وبعض بلدان الاتحاد الأوروبي بما في ذلك إيطاليا.
وتحاول بعض وسائل الإعلام المحلية أن ترسخ أبعاد هذه الرواية، مثل القناة الحكومية الأولى التي خصصت فقرة ثابتة لتناول “المؤامرة الغربية” بشأن فيروس كورونا، في برنامج الأخبار المسائي “الوقت”(38)، وتسعى هذه الجهود إلى تأكيد مسؤولية أميركا في تخليق الفيروس في مختبراتها البيولوجية العسكرية لإعاقة التنمية الاقتصادية المتسارعة في الصين.
وقد حاولت السلطة الروسية النأي بنفسها عن هذه الرواية في مناسبات كثيرة خاصة لما وجَّهت إليها واشنطن انتقادات بشأن وقوفها وراء حسابات تروِّج لمسؤولية أميركا عن إنتاج فيروس كورونا، ويبدو أن روسيا أوكلت هذه المهمة في إنتاج روايتها لأطراف مختلفة دون أن تكون محورًا للاتصال الاستراتيجي للدولة ومن ثم الاشتباك الرمزي واسع النطاق كما رأينا مع الرواية الأميركية نفسها أو الصينية.
خلاصة
أظهر الصراع الرمزي وحرب الأفكار التي أثارها انتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد-19)، لاسيما بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، طبيعة المواجهة وحقيقة الاشتباك بين الطرفين الذي يتجاوز ما سُمِّي بـ”الحرب الكلامية” أو “تبادل الاتهامات”؛ باعتبار أن الصراع يندرج في إطار الاتصال الاستراتيجي للدولة مُتَسَلِّحًا بالعمليات المعلوماتية أو الحرب النفسية التي يُراد لها عبر “القصف” الفكري/المعلوماتي استهداف الخصم السياسي و”مقاتلته نفسيًّا” بضخ الأفكار والمعلومات التي تنزع عنه الشرعية. وتعتمد حرب الأفكار/الحرب النفسية -كما لاحظنا- على إنشاء سردية تتوخى إحداث تغيير في الأفكار (التأثير المعرفي) والعواطف (التأثير النفسي) والسلوك العام (التأثير السلوكي) للأفراد والمجموعات والمنظمات والدول بطريقة تتناسب وأهداف مستخدمها.
ويكشف سياق الصراع الرمزي أثناء أزمة وباء كورونا، والمؤطَّر بالحرب النفسية الاستراتيجية والدفاعية، عن أهداف الأطراف المتصارعة التي تحاول كسب حرب الأفكار باعتبارها حربًا حقيقية لتحطيم الخصم معنويًّا وقهره سياسيًّا؛ لأن القتال النفسي الذي تخوضه الولايات المتحدة الأميركية ضد الصين يستهدف -كما ذكرنا- التأثير في الفكر والعواطف والسلوك وتترتب عليه نتائج سياسية في مراحل أخرى خاصة بعدما يتشكل رأي عام دولي ومحلي؛ حيث يتم بناء صورة عن الصين بأبعاد وقيم مختلفة تجعل سلوكها السياسي محل النقد والرفض باعتبارها دولة غير مسؤولة نشرت مُتَعَمِّدَة وباء كورونا في أرجاء العالم بعدما أنتجته في مختبر بيولوجي بمدينة ووهان (الفيروس الصيني كما يسميه ترامب أو فيروس ووهان كما ينعته بومبيو)، وتستهتر بالشرعية الدولية لعدم تعاونها مع الجهات المعنية وتعتيمها على ما يجري في المدن الصينية بشأن الحالات المرضية وطبيعة الفيروس…إلخ؛ وهو ما ينزع عنها الشرعية كنظام سياسي غير ملائم داخليًّا ولا يحظى بالقبول دوليًّا، ويكون ذلك العلامة التي تجهد واشنطن في دَمْغ ووَسْم الصين بها لمحاصرة نفوذها المتزايد وتحجيم دورها في مناطق النفوذ التقليدية لأميركا.
بينما تسعى الصين من خلال استراتيجيتها الدفاعية لصد الحرب النفسية الأميركية إلى حماية نفسها من الضربات والقصف الذي نال أولًا من سمعتها، وتخشى ثانيًا من تأثيراته على الجمهور المحلي. لذلك، كانت الرواية الصينية معنية بنفي أطروحات السردية الأميركية بدءًا بمنشأ فيروس كورونا الذي تعتبره إنتاجًا أميركيًّا نقله الجنود الأميركيون إلى ووهان، وهو ما يعطي للصراع بُعده الاستراتيجي (وليس تبادلًا للاتهامات أو حربًا كلامية) كما تنفي هذه الرواية المزاعم بشأن تهاون الصين في مكافحة الوباء والتعتيم على الحالات المرضية وطبيعة الفيروس وعدم التعاون مع المجتمع الدولي. وفي مرحلة لاحقة اهتمت الحرب النفسية الدفاعية بما يمكن تسميته باستراتيجية “الخروج للعالم” من أجل المساعدة في مكافحة انتشار الوباء وتقديم المساعدات والاستشارات الطبية للدول التي استفحل فيها الفيروس؛ وذلك أولًا: لفك “الحصار” الفكري الذي حاولت السردية الأميركية أن تضربه حول الصين، وثانيًا: لتقديم صورة نموذجية عن الذات الصينية في مكافحة الوباء؛ حيث أثبتت الإجراءات والسياسيات فاعليتها في الحد من انتشاره، وهو ما يمثل قصة النجاح الصينية في التعامل مع الأزمات، وثالثًا: تقديم صورة عن كفاءة النظام السياسي والحزب الشيوعي الحاكم و”صلاحيته” لإدارة الدولة، ردًّا على محاولة نزع الشرعية التي هدفت إليها السردية الأميركية.
محمد الراجي
مركز الجزيرة للدراسات
مراجع
(1) Michael Waller, Fighting the War of Ideas Like a Real War: Messages to Defeat the Terrorists (Washington: the Institute of World Politics Press, 2007).
(2) نبيل عبد الفتاح، “ثورة 1919: الصراع على السرديات التاريخية التأسيسية”، تايمز أوف إيجيبت، 31 مارس/آذار 2019، (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2wfjFGl.
(3) مارثن بيكرز وآخرون، الحياة في العصور الوسطى، (كامبريدج ستانفورد، د.ت): https://bit.ly/2V7cIzL.
(4) “كورونا والإيدز والطاعون: أمراض نظريات المؤامرة!”، DW، 11 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/39LF4Vc.
(5) بيكرز وآخرون، الحياة في العصور الوسطى، مرجع سابق.
(6) ديفيد روبسون، “لماذا تسببت الإنفلونزا الإسبانية في وفاة ملايين البشر؟”، بي بي سي، 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2020): https://bbc.in/2yvz5He.
(7) محمد عوض تاج الدين، “وباء الإنلفونزا الإسبانية تفوق على الطاعون: أصاب خمس العالم وقتل خمسين مليونًا”، الوطن، 25 يناير/كانون الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/3aL0uDb.
(8) Dave Emory, “Biological Warfare: Did the Germans Cause the 1918 Flu Epidemic?,” spitfirelist, September 8, 2012, “accessed April 5, 2020”. https://bit.ly/39Ptmci.
(9) إسماعيل عزام، “السيدا..فيروس صنعته أميركا لتقليص عدد البشر”، هسبريس، 27 يوليو/تموز 2013، (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2Xdb0zw.
(10) “كورونا والإيدز والطاعون”، مرجع سابق.
(11) “الإيبولا: حرب بيولوجية ضد إفريقيا؟”، القدس العربي، 16 سبتمبر/أيلول 2014، (تاريخ الدخول: 6 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2UIvyy2.
(12) “Why is Ebola Only in Africa?,” eyegambia, October 22, 2029, “accessed April 6, 2020”. https://bit.ly/2Rfysbp.
(13) Paul Craig Roberts, “Is The US Government The Master Criminal Of Our Time?,” paulcraigroberts, October 14, 2014, “accessed 6, April 2020”. https://bit.ly/39NPZxV.
(14) Waller, Fighting the War of Ideas Like a Real War, 14-15.
(15) Ibid, 14.
(16) فارس محمد أحمد، “الدبلوماسية العامة والقوة الناعمة الصينية”، (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة الموصل، د.ت)، ص 5.
(17) نقلًا عن إدموند غولين، في “الدبلوماسية العامة والقوة الناعمة الصينية”، مرجع سابق، ص 6.
(18) Waller, Fighting the War of Ideas Like a Real War, 15.
(19) ريا قحطان الحمداني، الإسلاموفوبيا: جماعات الضغط الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية، ط 1 (القاهرة، العربي للنشر والتوزيع، 2011)، ص 111-112.
(20) Waller, Fighting the War of Ideas Like a Real War, 15.
(21) Bill Gertz, “Coronavirus may have originated in lab linked to China’s biowarfare program,” The Washington Times, January 26, 2020”. https://bit.ly/2yT9IiW.
(22) محمد الأمين موسى، “محددات تغطية الفضائيات الإخبارية لجائحة كورونا في عصر الرقمنة”، مركز الجزيرة للدراسات، 9 أبريل/نيسان 2020، (تاريخ الدخول: 9 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2RwLAcf.
(23) Walter Russell Mead, “China Is the Real Sick Man of Asia,” The Wall Street Journal, February 3, 2020, “accessed April 1, 2020”. https://on.wsj.com/3c7NOqq.
(24) محمد الشرقاوي، “التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية-(جزء 1)”، مركز الجزيرة للدراسات، (تاريخ الدخول: 15 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/3bcdZME.
(25) David Choi, “Republican senator: It’s time to hold China ‘accountable’ for the coronavirus,” businessinsider, “accessed April 1, 2020”. https://bit.ly/2z41PqY.
(26) Timothy P. Carney, “On coronavirus origins, a lot of people owe Tom Cotton an apology,” washingtonexaminer, April 3, 2020, “accessed April 15, 2020”. https://washex.am/3abIBfV.
(27) “الداعم الأكبر ينسحب من حرب كورونا: ماذا بعد تعليق ترامب تمويله لمنظمة الصحة العالمية؟”، برنامج سيناريوهات، قناة الجزيرة، 16 أبريل/نيسان 2020، (تاريخ الدخول: 17 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2Kgou5L.
(28) John Hudson, Souad Mekhennet, “G-7 failed to agree on statement after U.S. insisted on calling coronavirus outbreak ‘Wuhan virus’,” washingtonpost, March 25, 2020, “accessed April 17, 2020”. https://wapo.st/2xv9kHa.
(29) حميدة سميسم، الحرب النفسية، (بغداد، الدار الثقافية للنشر، 2004)، ص 14.
(30) المرجع السابق، ص 16.
(31) “متحدث خارجية الصين ينشر تفاصيل جديدة عن ضلوع أميركا في نشر كورونا بووهان”، أخبارك، 17 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 16 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/3evk6xA.
(32) محمد الشرقاوي، “التحولات الجيوسياسية لفيروس كورونا وتآكل النيوليبرالية (ج 2)”، مركز الجزيرة للدراسات، 30 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 17 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2wQDUdM.
33) سميسم، الحرب النفسية، مرجع سابق، ص 27.
(34) علي أكبر داريني، “فيروس كورونا يعمق الشرخ بين إيران وأميركا (منظور إيراني)”، مركز الجزيرة للدراسات، 29 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2Kpu19X.
(35) “كورونا شاغل العالم…مؤامرة أم حقيقة واقعة؟”، الخليج أونلاين، 21 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2zbnWM1.
(36) “سياسي روسي: الولايات المتحدة وراء تفشي فيروس كورونا!”، RT، 25 يناير/كانون الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/34YkksQ.
(37) “كورونا تتسلط على العالم”، قناة RT، يوتيوب، 27 فبراير/شباط 2020، (تاريخ الدخول: 1 أبريل/نيسان 2020): shorturl.at/FJKRV.
(38) “فيروس كورونا: الإعلام الروسي يشير إلى المؤامرة الأميركية”، بي بي سي، 9 فبراير/شباط 2020، (تاريخ الدخول: 1 أبريل/نيسان 2020): shorturl.at/fgrDI.