وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس، قال مرة معبرا عن إشكالية المواجهة مع إيران في الخليج، «إن السعودية تريد قتال إيران حتى آخر جندي أمريكي»، مشيرا إلى واقع ضعف حلفاء واشنطن في الخليج، واعتمادهم فقط على الدعم الأمريكي، وهو ما يجعل أقدام الأمريكيين تغوص أكثر في رمال المنطقة، بدلا من سياسة الخروج من العراق والمنطقة التي كانت تخطط لها.
من المحتمل أن الأمريكيين سيضطرون للخروج في نهاية المطاف من العراق، وتركه مع دول الخليج، ليقوموا بحل مشاكلهم في الخليج مع طهران لوحدهم، لكن التصعيد الأمريكي الأخير خلال إدارة ترامب، وضع الكثير من المحللين في حالة حيرة من أهداف الإدارة الامريكية، التي يبدو أنها تهدف لتليين موقف الإيرانيين، وتأمين إسرائيل قبل المغادرة من المنطقة.
قتل سليماني، واستهداف الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران في العراق وسوريا، وتشديد العقوبات الاقتصادية التي تخنق إيران، جعل واشنطن في موقع المواجهة المباشرة، والإصرار على كبح الصعود الإيراني في المنطقة، لكن المشكلة أن هذه الضغوط مستمرة على إيران منذ عقود، العقوبات مفروضة وبصورة مقننة، منذ منتصف الثمانينيات، وفي العامين الأخيرين تم تشديد العقوبات بشكل أكثر من أي وقت مضى، وقتلت الولايات المتحدة رفع قائد عسكري إيراني، هو سليماني، إضافة لعشرات الضربات على الأذرع الايرانية في العراق وسوريا، لكن ماذا كانت النتيجة؟ النفوذ الإيراني ما زال يقبض على العراق وسوريا واليمن ولبنان، والهجمات ما زالت تتكرر على القواعد الأمريكية في العراق، وإن لم تصل لحد خطير لحد الآن، لكن هذا يعني أن استراتيجية الضغط الأمريكي غير مجدية، وقد لا تحقق أرباحا على المستوى المنظور، ببساطة لأن إيران ليس لديها ما تخسره!
ولعل أزمة كورونا الأخيرة، التي ضربت إيران بشدة، وهي التي تعاني أصلا من اقتصاد مهترئ، وقدرة حلفاء إيران في العراق للآن من رفض مرشح قريب للامريكيين، وآخرهم الزرفي، أظهرت كل هذه الأحداث كيف أن وجود الايرانيين في العراق راسخ، رغم الأزمات الكبيرة، وهو ببساطة غير مكلف! فلا يوجد جنود إيرانيون في العراق، ولا قواعد عسكرية تكلف المليارات سنويا، بل إن إيران هي من تستفيد من التسهيلات التجارية في العراق، من خلال حلفائها في السلطة، بينما البقاء الأمريكي مكلف ماديا ومكلف في أرواح الجنود، وغير مجدٍ، طالما حلفاء واشنطن في المحيط العراقي، إما ضعاف، وإما متنازعون (قطر والسعودية، تركيا والأكراد) بينما المحور الإيراني أكثر انسجاما، وما دام أنه غير مثمر، ولا انعكاسات له من خلال نفوذ أمريكي مقابل في الحكومة العراقية، فلم كل هذه التكاليف إذن؟
الضغط الأمريكي على إيران قد لا يأتي بنتيجة لأن إيران ليس لديها ما تخسره
هذه المواجهة المفتوحة مع إيران في العراق والخليج، دفعت عددا من كبار المحللين للتشكيك بمآلاتها، فكتب ستيفن كوك في «فورين بوليسي» مقالا بعنوان «لا أحد يستطيع مساعدة العراق أكثر من ذلك»، يقول فيه إن إدارة ترامب توصلت لنتيجة مفادها أن «الانخراط في السياسة العراقية مضيعة للجهد»، وأن الأمريكيين في طريقهم للخروج، وأن هذا الطريق سيزعج السنة في العراق، الذين يحاولون الاستقواء بأمريكا ضد إيران، لكن عليهم «قبول واقعهم الجديد»، كما يقول كوك. ويخلص ستيفن كوك إلى أنه وبسبب النفوذ الإيراني فإن مصطفى الكاظمي لن ينقذ العراق، «والأمريكيون مشتتون للغاية، وإيران تحب العراق، كما هو». ويذهب تريتا بارسي، مؤلف الكتاب الشهير عن طبيعة العلاقات الأمريكية الإيرانية «التحالف الغادر» إلى أن استراتيجية ترامب بالضغط على إيران تتناقض مع استراتيجيته التي أعلن عنها بالخروج من الشرق الأوسط، ومخالفة لما قاله بأن الدول الكبرى لا تخوض «حروبا لا نهاية لها»، ويضيف بارسي في مقال مهم له «الضغط الأقصى لم يجبر إيران على إنهاء تخصيب اليورانيوم، وبدلاً من ذلك، وسعت إيران أنشطتها النووية، ولم توقف إيران برنامجها للصواريخ الباليستية، بل واصلت طهران اختباراتها الصاروخية الباليستية وكثفتها مع مواصلة دعمها للجماعات المتحالفة معها في العراق وفلسطين ولبنان واليمن، كما أن اغتيال الجنرال قاسم سليماني، لم يردع إيران عن شن، أو دعم المزيد من الهجمات ضد قوات ومصالح الولايات المتحدة، ففي الأسابيع القليلة الماضية، شهدنا المزيد من الهجمات ضد القوات الأمريكية في العراق»، بارسي يرى أن الحرب الاقتصادية على إيران قد تؤدي إلى حرب عسكرية، من واقع ما تحدثنا عنه من أن إيران ليس لديها شيء لتخسره، أكثر من ذلك، كما أنه يبدي الحيرة من قرار الخروج من أفغانستان والمصالحة مع طالبان وبالمقابل، التصعيد مع طهران، وبالفعل ما يجب أن يفعله ترامب، هو إنهاء هذه الحيرة في السياسات، فهو إما أن يدخل الحرب مع إيران، أو أن يغادر المنطقة، أما كليهما فلا يمكن الحصول عليهما معا.
وائل عصام
القدس العربي