مع تفاقم التوتر بين الولايات المتحدة وإيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في مايو/أيار 2018، تصاعدت التوترات بين القوات الأميركية في العراق والمليشيات أيضا. وتضطلع المليشيات الشيعية بدور جديد في العراق منذ اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني مطلع يكانون الثاني/يناير الماضي. إذ تحاول أن تعيد رسم معالم دورها المستقبلي في العراق.
ورغم الرد الإيراني على اغتيال سليماني بوابل من الصواريخ التي استهدف القوات الأميركية في قواعد عسكرية بالعراق، ورد عراقي تمثل في قانون مجلس النواب العراقي يلزم الحكومة بمطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بسحب قواتها من البلاد؛ ما زالت المليشيات العراقية مستمرة في بث رسائل التهديد للتواجد الأميركي. ولكن هذه المرة عبر مليشيات حديثة النشأة. فالعراق أصبح بلد تتكاثر فبه المليشيات، كعصبة الثائرين، و “أصحاب الكهف”، و “قبصة المهدي”، وكُشف في العراق عن تشكيل الجيش الإسلامي للمقاومة “جسم”، الذي سيكون التنظيم الجامع للفصائل الشيعية المسلحة المدعومة من ايران، وبذلك تكون صناعة هذه الفصائل قد دخلت عهدا جديدا من التطور لمواكبة مرحلة بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني.
وكشفت مصادر لموقع “الحرة” تفاصيل عن كيان مسلح عراقي أسس مؤخرا وهو تنظيم مرتبط مباشرة بالحرس الثوري الإيراني ويفرض على أعضائه الانفصال عن الجهات التي ينتمون إليها.وقالت المصادر إن الكيان الجديد ويسمى الجيش الإسلامي للمقاومة (جسم) كان القائد الأسبق لـ”فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني قد اقترحه في ديسمبر الماضي، ثم تم إعلان تأسيسه في ذكرى مرور 100 يوم على مقتله.
ويرتبط الكيان الجديد تنظيميًا وإداريًا وماليًا بالحرس الثوري الإيراني ويفرض على كل أفراده الانفصال من كياناتهم الحزبية والسياسية والمسلحة وحتى الوظائف الحكومية العراقية.ويرأسه لواء في الحرس الثوري من أصل عربي أحوازي وقد حصل على الجنسية العراقية عام 2007.
ويمنع (جسم) أي فصيل عراقي من استخدام وصف “المقاومة الإسلامية” أو أن يتحدث عن قربه من الحرس الثوري.ويتألف الكيان الجديد من مقاتلين تم توزيعهم كالتالي: 500 من “بدر ” و500 من “كتائب حزب الله” و500 من “عصائب أهل الحق” و250 من “النجباء”، و250 من “كتائب سيد الشهداء” ومثلهم من ” جند الإمام” ومثلهم أيضا من “الأبدال”.
ويثير تأسيس التنظيم الجديد السؤال حول ما أسباب نشأته؟ لا سيما أنّ العراق به كثير من الميليشيات المسلحة التابعة إلى إيران، وهنا ربما تكون طهران تتبع تكتيكاً جديداً في المواجهة مع الولايات المتحدة يستهدف إرهاقها بمزيدٍ من الهجمات من عدة تنظيمات، وإحداث فوضى مرة أخرى على غرار الفوضى التي أحدثتها أعقاب سقوط العراق عام 2003.
كما تستهدف إيران من خلق ميليشيات جديدة أن تكون غير مرتبطة بفصيل معين، لذا يفرض التنظيم الجديد على أعضائه الانفصال عن أي كيانات سياسية أو مسلّحة أو حتى الوظائف الحكومية، وذلك حتى تبدو التنظيمات الجديدة تلك وكأنها غير مرتبطة بالعملية السياسية الرسمية في العراق أو الحشد الشعبي والتنظيمات التي يتألّف منها، باعتبار الحشد الشعبي يُصنّف قوةً رسميةً مرتبطة بالقوات المسلحة العراقية، ومن ثمّ لرفع الحرج عن الحكومة العراقية، بالتالي عدم تحمّل مسؤولية أفعالها.
إلا أنّ عدم تبعية أيّ من التنظيمات المسلحة إلى الحشد الشعبي، ومن ثمّ عدم التبعية إلى الحكومة العراقية لا يعني أنّ الأخيرة لا تواجه مأزق وجود أطراف داخل الدولة لديها سلاح وتمارس القوة، ومن ثمّ ليست الدولة هي المحتكر الوحيد للسلاح، بالتالي سيكون اختبار قوة لأي حكومة عراقية في مواجهة تلك التنظيمات.
من جانبٍ آخر، يطرح تأسيس ميليشيات جديدة تناقضات الوضع الإيراني، فالنظام الذي يواجه ضغوطاً وأزمة تهدد حياة المواطنين بفعل تفشي وباء كورونا وصعوبة الوضع الاقتصادي ما دفع الحكومة إلى طلب قرض من صندوق النقد الدولي، وطلب رفع العقوبات الأميركية حتى تتمكّن من مواجهة الوباء، لديه فائض مالي لا يخصصه لمساعدة النظام الصحي في مجابهة الجائحة، بل يوفّره لتأسيس ميليشيات مسلحة، يمدّها بالدعم المالي والعسكري واللوجيستي.
الواضح، أنّ إيران تستهدف الآن الوجود الأميركي بالعراق بشكل أساسي لإخراجه منه، بعدما ظل طيلة 18 عاماً مساحة نزاع بين الطرفين، لكن مستقبلاً ستكون المعضلة أمام طهران في ما يخص قضايا إعادة الأعمار وتوفير الأمن والاستقرار للعراق، وهو أمر مؤكد لن توفره طهران لبغداد.
الحديث عن دور المليشيات المسلحة في العراق، يثير حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية بصورة كبيرة بعد أن وضعت الحرب على تنظيم داعش الإرهابي أوزارها، وكانت حريصة بشكل كبير من خلال ضغطها المستمر على الحكومة العراقية بحل أو دمج هذه المليشيات، إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى معالجة حقيقية لهذه الإشكالية.
اليوم تواجه الولايات المتحدة الأمريكية التحدي ذاته، خصوصًا أنها تدرك جيدًا عدم قدرة الحكومة العراقية على ضبط إيقاع هذه المليشيات إذا اندلعت مواجهة مسلحة مع إيران، أضف لذلك أن أغلب المليشيات المسلحة في العراق، وتحديدًا الرئيسية منها، كحركة النجباء وحزب الله العراقي وعصائب أهل الحق وكتائب الإمام علي، تدين بالولاية العامة لمرجعية المرشد الأعلى علي خامنئي، وهي بذلك تربط نفسها عقائديًا وأمنيًا بإيران، ما يعني تحولها إلى آلة حرب مدمرة بيد إيران في العراق. خلاصة القول أن المليشيات تشكل تحدى حقيقي وجودي لحاضر ومستقبل الدولة العراقية.