الحكومة العراقية الجديدة في مواجهة إرث ثقيل

الحكومة العراقية الجديدة في مواجهة إرث ثقيل

بغداد – بعد خمسة أشهر من الشغور، صادق البرلمان العراقي على حكومة جديدة تقف أمام تحديات كبيرة، فهل ينجح رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي في إنعاش الوضع الاقتصادي المأزوم واحتواء الشارع العراقي المنتفض.

كما يعد تجنيب العراق أن يكون ساحة صراع وتصفية حسابات بين طهران وواشنطن، التحدي الأبرز لحكومة الكاظمي وضرورة وضع حد لسطوة الميليشيات الشيعية، حيث تراهن الإدارة الأميركية عليه كرجل المرحلة لتحجيم النفوذ الإيراني وكبح وكلاء طهران في المنطقة.

وبعد وقت قصير على تصويت البرلمان، رحّب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بتشكيل الحكومة، ومدّد مهلة الإعفاء الممنوح لبغداد من العقوبات المفروضة على طهران والذي يتيح لها الاستمرار في استيراد الغاز والكهرباء من إيران، لمدة 120 يوما.

وقال بيان لوزارة الخارجية الأميركية أنّ بومبيو أوضح لرئيس الوزراء العراقي الجديد أنّ هذه البادرة هدفها “إظهار رغبتنا في المساعدة في توفير الظروف الملائمة لنجاح” الحكومة.

وبدأ مشوار الكاظمي المثقل بالتحديات والمعروف بعلاقاته مع واشنطن كما طهران، بتأديته اليمين الدستورية مع وزرائه. ووافق النواب على 15 وزيرا من 22، وبالتالي، لا تزال أمام الكاظمي مهمة تبديل سبعة وزراء.

ويتعيّن على الحكومة الجديدة العمل اعتبارا من الخميس على طمأنة العراقيين الذين يرزحون تحت وطأة البطالة المتفاقمة نتيجة الحجر الصحي وإجراءات الحظر الكامل للوقاية من فايروس كورونا، وتداعيات انخفاض أسعار إيرادات النفط خمسة أضعاف خلال عام واحد.

وسيكون عليها البحث في اقتراح طباعة كميات من الأوراق النقدية، ما يثير مخاوف من أن تفقد العملة قيمتها، كما ستسعى إلى إعادة التواصل مع مكونات الطبقة السياسية الأكثر انقساماً في عراق ما بعد صدام حسين.

ومن خلال تغيير الحكومة قبل انتهاء ولايتها، للمرة الأولى منذ الغزو الأميركي في العام 2003، تريد بغداد طي صفحة عهد عادل عبدالمهدي التي استمرت لعام ونصف العام.

وكان يفترض أن يكون عبد المهدي (77 عاماً) المستقل الذي لا يملك قاعدة حزبية أو شعبية، رجل الإجماع الذي يتفرغ إلى إعادة اعمار البلاد التي دمرتها الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية بين عامي 2014 و2017.

لكنه أصبح في ديسمبر 2019، أول رئيس حكومة يترك منصبه قبل نهاية ولايته منذ 2003، وقد استقال تحت ضغط المتظاهرين المناهضين لحكومته وبعد مقتل أكثر من 400 منهم في مواجهات في الشارع خلال شهرين.

وكان الكاظمي ثالث محاولة لاستبدال عادل عبدالمهدي وإخراج البلاد من مرحلة ركود سياسي عمقتها بوادر أزمة اقتصادية في ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة أوبك، بعد محاولتين فاشلتين مع محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي. والكاظمي ليس شخصية جديدة مطروحة على الساحة السياسية العراقية.

فقد كان اسم رئيس جهاز المخابرات العراقي واردا منذ استقالة حكومة عبد المهدي في ديسمبر الماضي، وحتى قبل ذلك بديلاً لرئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي في 2018. لكن عوامل عدة حالت حينها دون نيله التوافق، خصوصاً مع وصفه من بعض الأطراف الشيعية على أنه “رجل الولايات المتحدة” في العراق.

ويملك الكاظمي ثلاث ركائز قوة في العراق أولها علاقة متينة مع الولايات المتحدة عززها في التعاون خلال مرحلة قتال تنظيم الدولة الإسلامية وصولاً إلى القضاء على زعيمه أبو بكر البغدادي.

أما الركيزة الثانية فهي بث الروح وتجديد خط التواصل مع إيران التي استثمرت ذلك بوضع ثقتها في الكاظمي كشخصية قادرة على نزع فتيل الأزمة في البلاد.

والركيزة الثالثة هي علاقة أكثر من جيدة مع الجارة السعودية، خصوصاً أن هناك علاقة صداقة تربط الكاظمي بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بحسب مصادر سياسية.

لكن ذلك لا يعني أن التحديات التي واجهت أسلافه لن تكون موجودة . وسيواجه الكاظمي عقبة المطالبة بالانسحاب الأميركي الكامل من البلاد، وأزمة وباء كوفيد-19 التي أودت بحياة أكثر من مئة شخص، إضافة إلى التحديات الأخرى.

وسيتعين عليه إعادة التفاوض بشأن الإعفاءات الأميركية التي تسمح للعراق بشراء الطاقة الإيرانية مع تجنب عقوبات واشنطن والتي أعلن بومبيو تمديدها مدة 120 يوما.

ويدفع العراق الذي يحظى بدعم حليفين عدوين بين بعضهما، الولايات المتحدة وإيران، غالبا ثمن هذا الصراع، لا سيما منذ يناير الماضي، عندما قامت الولايات المتحدة بتصفية الجنرال الإيراني قاسم سليماني على أبواب مطار بغداد. وقتل معه نائب قائد قوات الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس.

وسيرث الكاظمي ميزانية للعام 2020 لم يتم التصويت عليها إطلاقا. ومع الانهيار الكبير للنفط، مصدر الدخل الوحيد في البلاد، ستكون الحكومة الجديدة، حكومة تقشف.

مع ازدياد التوقعات المالية سوءاً يوماً بعد يوم، ينظر العراق في إمكانية الاقتطاع من الرواتب العامة الضخمة، في خطوة ستلقى رفضاً شعبياً وقد تجدد موجة الاحتجاجات التي طالبت بتغيير شامل للنظام والسياسيين.

ويتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للعراق بنسبة 9,7 في المئة العام الحالي، وقد تتضاعف أيضاً معدلات الفقر، بحسب توقعات البنك الدولي، ما يجعل ذلك أسوأ أداء سنوي للبلاد منذ الإطاحة بصدام حسين في العام 2003.

وليس العراق بمنأى بعد عن خطر تنظيم الدولة الإسلامية الذي يحتفظ بخلايا في عدد المناطق لا تزال تنفذ ضربات هنا وهناك.

العرب