تواجه روسيا في سورية أزمةً مركبةً ومتعدّدة الأوجه، فمن جهةٍ وضع النظام المهلهل، والمثقل بالتناقضات، لا يساعدها في تحقيق أهداف تدخلها العسكري. ومن جهة أخرى، هناك موقف دولي قاطع بعدم التعاون معها في سورية، مادامت تتمسّك بالنظام كما هو، ولا تقوم بخطواتٍ جادّة باتجاه الحل السياسي على أساس قرارات الأمم المتحدة. وفوق هذا وذاك، جاءت مفاجأة فيروس كورونا التي لم تكن في حسبان أحد، وجرّت معها أسعار النفط إلى مستوياتٍ متدنيةٍ لا سابق لها، الأمر الذي تأثرت منه موسكو على نحو كبير.
وإزاء ما تعيشه روسيا من تحدّيات في سورية، ظهرت، في الأسبوعين الأخيرين، وجهات نظر من أوساط روسية دبلوماسية وأكاديمية، تشرّح الوضع في سورية، وتحكم عليه بأنه شبه ميؤوس منه في ظل وجود النظام الحالي. واستخلصت دراسةٌ قام بها المجلس الروسي للشؤون الدولية أنه بات يشكل عبئا كبيرا على روسيا. والمجلس يديره أندريه كورتونوف، وهذا سفير سابق يقدم استشارات للقيادة الروسية. وتنصح الدراسة التي جرى تداولها على نطاق واسع في وسائل الإعلام الدولية بضرورة اتخاذ خطوات جادّة للخروج من الطريق المسدود الذي وصلت إليه روسيا في سورية. وترافق نشر الدراسة مع سلسلة من المقالات في الصحف الروسية، ومنها “برافدا” الرسمية، والتي تنبه إلى أن الاستثمار الروسي في سورية مهدّد بالخطر، ويتوجب تدارك الأمر قبل فوات الأوان.
ووسط عاصفة الانتقادات الروسية القاسية للرئيس السوري، بشار الأسد، حصلت المواجهة بينه وبين ابن خاله رامي مخلوف. وجاء ذلك ليخرج إلى العلن جانبا من الحروب الداخلية التي يعيشها النظام، وسببها الصراع على أموال البلد المنهوبة، وهذا مؤشّر على سقوط التفاهمات السابقة بين المافيات التي تخصصت بنهب موارد سورية منذ عدة عقود. ويبدو من الأسلوب الذي ظهرت به القضية إلى العلن أننا نشهد نهاية آخر ما تبقى من الدولة السورية. وكانت الأوساط الدولية، حتى وقتٍ قريب، تشدد على ضرورة المحافظة على الدولة بأي ثمن، ولكن المعارك التي تسارعت في الآونة الأخيرة بين أطراف عائلة الحكم تؤكد أن الوقت فات. الأمر الذي يضع روسيا في وضعٍ حرجٍ جدا، ويحمّلها مسؤولياتٍ وأعباء سياسية واقتصادية فوق طاقتها.
ومن هنا، تكتسب وجهات النظر التي تدعو القيادة الروسية إلى مراجعة الموقف من النظام في سورية أهمية، كونها تتحدّث انطلاقا من تقييم التطورات على الأرض ودراستها، وهي ترى أن هناك عدة عوامل يجب أخذها بعين الاعتبار. الأول أن الحرب في سورية تقترب من النهايات، وليس هناك أي معارك كبيرة في المدى المنظور. والثاني أن التفاهمات الروسية التركية أثمرت عن نتائج ملموسة على صعيد احترام وقف إطلاق النار في إدلب، وأعطت نوعا من الطمأنينة للمهجّرين الذين بدأوا بالعودة إلى ديارهم. والثالث أن روسيا لا تستطيع أن تسترد بعض ما صرفته في سورية، إن لم تتفاهم مع الولايات المتحدة وأوروبا، وهذا لا يمكن أن يتم من دون حل سياسي، ومن يمتلك قرار إطلاق عملية سياسية هي روسيا. ومن يستطيع مساعدتها على انتشال الوضع من القاع هما الولايات المتحدة وأوروبا.
وصار واضحا أن واشنطن لا تعمل من أجل خروج روسيا من سورية، وتريدها أن تبقى هناك. وصدر هذا الموقف على لسان المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري، في حوار صحافي الأسبوع الماضي، قال فيه “نطالب بانسحاب جميع القوات الأجنبية من سورية باستثناء القوات الروسية”. ومؤكّد أن جيفري لا يعبر عن رأيه الشخصي، بل ينقل عرضا صريحا بالمساعدة من الإدارة الأميركية التي تدرك أن الحل في سورية مسؤولية روسية قبل أي طرفٍ آخر.
بشير بكر
العربي الجديد