الكاظمي يتحدى النفوذ الإيراني بتقويض هيمنة الميليشيات

الكاظمي يتحدى النفوذ الإيراني بتقويض هيمنة الميليشيات

بغداد – شددت مصادر سياسية عراقية على أن جدية رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في تحدي النفوذ الإيراني داخل العراق والمضي نحو سلسلة قرارات، على شاكلة إعادة الاعتبار للجنرال عبدالوهاب الساعدي وجعله قائدا لجهاز مكافحة الإرهاب، تستهدف تقويض نفوذ الميليشيات وتحرير مؤسسات الدولة من هيمنتها، هي المقياس الأهم للحكم على نجاح أو فشل الحكومة العراقية الجديدة في مهمتها، مع الأخذ بعين الاعتبار الضرورات التي تفرضها الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا، ما يتطلب القليل من صبر الجمهور.

وكان قرار إعادة الساعدي إلى الخدمة وترقيته ليتسلم قيادة أهم تشكيل عسكري نظامي ظهر في العراق بعد 2003، من بين الحزمة الأولى التي أطلقها الكاظمي عقب إنهائه الاجتماع الأول على رأس وزارته التي يبلغ عمرها يومين فحسب.

ولم يتوقف الكاظمي عند حد إعادة الاعتبار للساعدي، الذي وصفه بالصديق، بل أمر بالتحقيق في الاعتداءات التي تعرض لها متظاهرو أكتوبر وتعويض ذوي الضحايا منهم، وإطلاق سراح من احتجزتهم حكومة عادل عبدالمهدي تعسفا.

وفي بغداد، كانت هذه القرارات أكثر من أن يتوقع المتابعون صدورها بهذه السرعة، لذلك كانت الاستجابة الشعبية لها كبيرة، فيما اعتبرها مراقبون مؤشرا على ما تنوي حكومة الكاظمي أن تقوم به، للتعويض عن مرحلة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي التي سلم خلالها قرار بلاده إلى إيران على مستوى السياسة والأمن والاقتصاد، بل حتى على مستوى العلاقات الخارجية.

ونشر مدون عراقي صورة لثلاثة ضباط من جيش بلاده، تعود إلى حقبة الحرب على تنظيم داعش، وعلق عليها قائلا إن “رؤية هؤلاء تغيظ كثيرين”.

وكانت للصورة وتعليقها دلالة كبيرة، إذ أن أحد الضباط الثلاثة هو الجنرال البارز عبدالوهاب الساعدي، الذي كان إحدى العلامات البارزة لثورة أكتوبر 2019 في العراق، عندما دفع قرار تجميده عسكريا بفعل ضغوط إيرانية، الآلاف من الشبان إلى شوارع بغداد والمحافظات، مطالبين باستعادة وطنهم الذي اختطفته طهران.

واحتفل المدون الذي نشر الصورة، وتفاعل معه المئات من المتابعين، على طريقته بقرار رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي إعادة الجنرال الساعدي إلى الخدمة، بل وترقيته ليكون قائدا لجهاز مكافحة الإرهاب، الذي عمل من خلاله بين 2014 و2017 على قيادة معارك مظفرة ضد داعش، وظهر مرارا على خط المواجهة الأول، بين مفخخات التنظيم المتطرف وعبواته الناسفة.

وشكل الساعدي، الذي تحول سريعا إلى بطل شعبي في سني الحرب على داعش، خطرا كبيرا على مصالح القوى السياسية الموالية لإيران، وبدا أنه يهدم جهودها التي ركزت لسنوات على تخريب صورة المؤسسة العسكرية، وإظهارها بمظهر المنهزم المرتشي، لذلك التف الكثير من العراقيين حول جنرالهم المحبوب. وبدلا من أن يكافئه رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، كما كان يتوقع الجمهور، قام بعزله عن الخدمة، متهما إياه بالتآمر وزيارة سفارات أجنبية والتخطيط لانقلاب عسكري، استجابة لضغوط ميليشيات عراقية تأتمر بأمر الحرس الثوري الإيراني.

وعندما خرج العراقيون إلى الشوارع والساحات مطلع أكتوبر الماضي، كانت صور الساعدي الكبيرة حاضرة بقوة، إلى جانب العلم العراقي، مع شعار “نريد وطنا”.

ولكن العراقيين واقعيون في التعاطي مع أداء رئيس الحكومة الجديد خلال أيامه الأولى، لأن التحديات المنتظرة جسيمة للغاية، وستتطلب مواجهتها تضحيات شعبية قد تكون كبيرة.

ولم يترك عبدالمهدي لخليفته سوى خزانة حكومية خاوية، بعدما بدد نحو عشرين مليار دولار في الشهور الأربعة من عمر حكومته في استرضاء الأحزاب والميليشيات عبر تعيين جمهورها في مؤسسات الدولة المترهلة أساسا، بذريعة الاستجابة لمطالب متظاهري أكتوبر.

فضلا عن ذلك، يتسلم الكاظمي مهامه تحت ضغط جائحة كورونا، التي بدا أن وطأتها اشتدت على العراق خلال الأيام القليلة الماضية، من خلال زيادة مقلقة في عدد الإصابات المؤكدة بالفايروس. ويتزامن ذلك مع اضطراب كبير في أسعار النفط، الذي يشكل عصب الحياة لموازنة الإنفاق السنوية في العراق الريعي.

ولجميع هذه الأسباب، خفتت كثيرا الأصوات المعترضة على تولي الكاظمي مسؤولية إدارة الدولة في هذا التوقيت العصيب، فاحتمالات الفشل أكبر بكثير من فرص النجاح، إلا إذا صحت توقعات المراقبين التي تفيد بأن حكومة بهذه المواصفات ستتلقى دعما عربيا ودوليا كبيرا.

ومنذ تسلم الكاظمي مسؤولية إدارة السلطة التنفيذية، تلقى اتصالات التهنئة والتبريك من دول كبرى وأخرى كبيرة في المنطقة والعالم، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والصين والسعودية وتركيا، مع وعود صريحة بتقديم كل ما من شأنه مساعدة العراق على عبور أزماته المركبة.

وبدا النائب في البرلمان العراقي هشام السهيل واثقا من أن “علاقات الكاظمي الدولية والعربية الواسعة، ستوفر له فرصا كبيرة للنجاح”.

ويقول السهيل، إن أعضاء البرلمان العراقي نظروا إلى الكاظمي عندما منحوا كابينته الثقة، وهم واثقون من قدرته على صناعة تغيير ملموس في الواقع الراهن.

وحينما يضع المراقبون نص الحديث الذي وجهه الكاظمي لسفيري الولايات المتحدة وإيران في العراق، ينتهون إلى رؤية واضحة، تقوم على النظر إلى العلاقات مع واشنطن وطهران من زاوية مصالح بغداد.

وقال الكاظمي مخاطبًا السفير الإيراني، الذي زاره مهنئا، إن “العراق لن يكون ممرا أو مقرا للإرهاب أو منطلقا للاعتداء على أي دولة أو ساحة لتصفية الحسابات”، فيما أبلغ السفير الأميركي بأن “العراق لن يكون ساحة لتصفيات الحسابات والاعتداء على أي دولة جارة أو صديقة”.

العرب