تشهد الليرة التركية موجة من النزيف الصعب مقابل الدولار الأميركي لتتصدر عملات الأسواق الناشئة التي فقدت الكثير من قيمتها منذ بداية عام 2018 وحتى الآن. والليرة التركية هي عملة معدلة، حيث تم حذف 6 أصفار منها بعد أن كانت المليون ليرة تركية تعادل دولاراً أميركياً واحداً، فأصبحت الليرة الواحدة تعادل دولاراً واحداً أيضاً، وذلك خلال عام 2005.
وفي إطار سعيها لوقف موجة النزيف الأخيرة، حيث كانت السلطات المسؤولة عن النقد في البلاد تستهدف وقف انهيار العملة إلى أعلى من 7 ليرات لكل دولار، فقد حظرت تركيا تداول الليرة على “بي.ان.بي باريبا” و”سيتي بنك” و”يو.بي.إس”، وذلك بعد تسجيل العملة مستوى قياسياً منخفضاً جديداً مقابل الدولار، وسط قلق المستثمرين من عدم كفاية الاحتياطيات لحماية الاقتصاد من تداعيات فيروس كورونا.
وفي تعاملاتها الأخيرة، تراجعت العملة التركية إلى 7.27 ليرة للدولار متخطية قاعها السابق الذي بلغته خلال أزمة عملة في 2018 لتواصل خسائرها للجلسة الخامسة على التوالي، بينما تعمل تركيا على احتواء عواقب تفشي الفيروس الذي أودى بحياة 3584 شخصا. لكن العملة تعافت لاحقاً بعد أن أعلنت الهيئة المشرفة على عمل البنوك حظر تداولات الليرة للبنوك الثلاثة، قائلة إنها عجزت عن أداء التزامات العملة في مواعيدها.
وسجّلت الليرة في وقت سابق مستوى يتجاوز 7.2690 مقابل الدولار الأميركي. وتجاوزت خسائرها منذ بداية العام الحالي نحو 19 في المئة، مع اقترابها من أدنى مستوى على الإطلاق عند مستوى 7.24 ليرة لكل دولار والمسجل في عام 2018. وتفاقمت مخاوف السوق بفعل تصريحات من مسؤول بمجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي، فهمها المتعاملون على أنها تستبعد استحداث خط مبادلة لتدعيم احتياطيات أنقرة المستنزفة. وفي وقت سابق من الشهر الماضي، قرّر البنك المركزي في تركيا خفض معدل الفائدة من مستوى 9.75 إلى 8.75 في المئة، لدعم الاقتصاد المتضرر من تفشي الفيروس القاتل.
السندات التركية تواصل الهبوط
في السياق ذاته، هبطت سندات الحكومية التركية المقومة بالدولار، موسعة أعمق انخفاضات لها في أكثر من 3 أسابيع وتراجع بعضها بما يصل إلى 1.8 سنت، على الرغم من محاولة وزير المالية التركي طمأنة المستثمرين، من دون جدوى. وتراجعت احتياطيات تركيا من العملات الأجنبية منذ بداية عام 2020. وانخفض إجمالي الاحتياطيات، بما في ذلك الذهب، أكثر من 17 مليار دولار هذا العام، ليصل إلى أقل من مستوى 88 مليار دولار.
وأغلقت تركيا مراكز التسوق والمدارس والمطاعم والمقاهي للحدّ من زيادة حالات الإصابة بمرض (كوفيد-19). ومع ذلك لا تزال بعض أماكن العمل مفتوحة، وفرضت أوامر جزئية بالبقاء في المنزل، وأغلقت الحدود إلى حد كبير وبطّأت حركة التنقل الداخلية.
وارتبكت حركة التجارة والإنفاق والتصنيع وثقة المستهلكين، التي وصلت مستوى قياسياً منخفضاً هذا الشهر، حيث دفعت إجراءات احتواء الفيروس الاقتصاد التركي نحو الانحسار الثاني له خلال أقل من سنتين.
ووفقاً لوكالة “رويترز”، قال حسين التاس، مسؤول في مجلس مراكز التسوق، إن إعادة الفتح المرحلي المخطط لها من 11 مايو (أيار) الحالي، قد تستبعد في البداية دور السينما والملاعب والمطاعم، حيث سيكون من الصعب التزام قواعد التباعد الاجتماعي، إلى أن توافق الحكومة، مشيراً إلى أن المدن الأكثر تضرراً، مثل إسطنبول، أسوأ منطقة من حيث تفشي الفيروس في تركيا، قد تبقى على الأرجح مغلقة لفترة أطول، موضحاً أن كل مراكز التسوق في أنحاء البلاد قد يُعاد فتحها بحلول يونيو (حزيران).
وخلال مؤتمر حديث، قال وزير المالية التركي، براءت البيرق، للمستثمرين، إن الاحتياطيات لدى البنك المركزي أكثر من كافية، ونفى تلميحات بأن السلطات قد تفرض قيوداً على رؤوس الأموال، مؤكداً أن تركيا لم تنحرف أبداً عن ممارسات السوق الحرة وأن أي إجراءات تتعلق بالسياسات في المستقبل ستلتزم هذا المبدأ.
ضربة جديدة للاقتصاد التركي مع تفاقم الوباء
وفي وقت سابق من الشهر الماضي، ووفقاً لوكالة “بلومبيرغ”، فقد تلقى الاقتصاد التركي إعلانا لوكالة التصنيف الائتماني اليابانية بخفض تصنيفها الائتماني إلى مستوى BB+ مدفوعة بالتقلبات السياسية الخارجية لأنقرة، واستمرار التسارع في تفشي فيروس كورونا. وقالت وكالة التصنيف الائتماني اليابانية، في بيان، إنه في حال أصبحت التوترات في سوريا وآثار وباء كورونا خطيرة وطويلة الأجل “فإنه من المرجح أن يؤدي الضغط النزولي على الليرة، إلى مزيد من الانخفاض في احتياطيات النقد الأجنبي”.
وخلال شهر مارس (آذار) الماضي وحتى مطلع أبريل (نيسان) الماضيين، تراجعت الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها منذ أغسطس (آب) من عام 2018، عند متوسط 6.95 ليرة/ دولار. وذكرت وكالة التصنيف الائتماني اليابانية أن التدخلات التركية واستمرار تسارع تفشي الفيروس في المجتمع المحلي سيقود إلى مزيد من الضغط على التمويل الخارجي عن طريق القطاع الخاص”.
وتتوقع وكالة التصنيف أن “تقوم الحكومة بوضع حزم مالية أكثر قوة، بما في ذلك تدابير متعلقة بالميزانية في المستقبل القريب، للتعامل مع التباطؤ السريع للاقتصاد، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تدهور إضافي للوضع المالي للحكومة”.
والشهر الماضي، أعلنت وكالة “ستاندرد آند بورز” العالمية للتصنيف الائتماني أن تركيا تواجه ضغوطاً على تصنيفها الائتماني بسبب فيروس كورونا. وقال فرانك جيل، مدير التصنيفات الائتمانية لأوروبا والشرق الأوسط في “ستاندرد آند بورز”، إننا “نتابع تركيا بشكل وثيق بعد تراجع عملتها المحلية، ما يرفع تكلفة سداد الديون المقترضة بعملات رئيسة، مثل الدولار”. وأضاف “حينما تتعرض الليرة للضغوط فإن ذلك يؤثر سلباً على الجدارة الائتمانية للقطاع الخاص”، إذ تصنف ستاندرد آند بورز اقتصاد تركيا حالياً عند درجة B+ مع نظرة مستقبلية مستقرة.
خالد المنشاوي
اندبدنت عربي