يشير مصطلح “البجعة السوداء” إلى نظرية تستخدم في السياسة والاقتصاد والإدارة، عندما يحدث شيء لم يكن ممكناً التنبؤ به، وتؤدي تداعياته إلى انقلاب الأمور رأساً على عقب بعيداً عن المسار الطبيعي. ويرى مراقبون أن جائحة كورونا مثّلت “بجعة سوداء” أطلت برأسها على صناعة الغاز الناشئة في شرق البحر المتوسط، والتي كانت واعدة قبل ظهور الفيروس الذي تسبّب في هزة غير مسبوقة لمجمل قطاع الطاقة العالمي.
وفي ظل جائحة كورونا وتداعياتها على سوق الطاقة في العالم، أصبحت منطقة شرق البحر المتوسط، التي أجمع الخبراء على التنبؤ بمستقبل مزدهر لها في ظل اكتشاف احتياطيات الغاز الضخمة وبدء إنتاج بعضها بالفعل، وتواجه الآن شبح تلاشي هذا الحلم، أو في الأقل، إرجائه إلى أجل غير مسمى، وذلك بعدما استثمرت بلدان المنطقة وشركات عالمية خلال السنوات الماضية في تحويلها إلى مركز إقليمي لتداول الغاز، لتتوج تلك الجهود بتحالفات عبر المتوسط بضفتيه الأوروبية والشرق أوسطية، كان أبرزها تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط العام الماضي، بالإضافة إلى مبادرات عديدة لمد خطوط الأنابيب وغيرها من المشروعات الطموحة للتكامل الاقتصادي.
تأجيل التنقيب… لكن إلى متى؟
أدى انكماش الطلب العالمي على الطاقة الناجم عن آثار فيروس كورونا إلى وضع عوائق كبيرة أمام الاستمرار في مشروعات الغاز البحرية في جميع أنحاء العالم، لكن مشروعات شرق المتوسط التي كان بعضها موضع شك بالفعل، تعرضت لضربة مضاعفة، مع توقع الخبراء حدوث تأجيل كبير لمعظم العمليات الراهنة، كانت بدايته مع إعلان عملاق النفط والغاز الأميركي، إكسون موبيل، عن تعليق خططها للتنقيب قبالة سواحل قبرص، لتتبعها شركات أخرى عاملة في المنطقة، كإيني الإيطالية وتوتال الفرنسية وغيرهم، نتيجة للصعوبات المالية والتشغيلية، وارتفاع تكاليف الاستكشاف والإنتاج وسط انهيار الطلب الذي بدأ في التراجع مع زيادة المعروض من الغاز الطبيعي المسال بالفعل قبل ظهور الجائحة.
ويرى المتخصص في قطاع الطاقة، سيريل ويديرشوفين، أن أقرب سقف زمني متوقع لتأجيل مشاريع التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط يصل إلى نهاية عام 2021، ومرشح لمزيد من التأجيل إذا لم تتعافَ الأسواق من الوضع الحالي، مؤكداً أن المشروعات الجديدة حالياً في قبرص ولبنان سيتم تأجيلها لفترة أطول، حتى بافتراض تعافي السوق، حيث سيتم غمرها بالنفط والغاز بالفعل قبل استئناف العمل في تلك المشروعات.
وأكد “ويديرشوفين” لـ”اندبندنت عربية”، أن ارتفاع تكاليف الاستكشاف والإنتاج، ونقص الطلب على الغاز في الوقت الحاضر، لا يوفران الالتزامات طويلة الأجل اللازمة للتوسع في ازدهار صناعة الغاز كما كان متوقعاً في شرق المتوسط، علاوة على القدرة على توفير التمويل لخط أنابيب بحري ضخم كان مخططاً له، واستمرار حالة عدم اليقين وعدم الوضوح بشأن مستوى التأثيرات الاقتصادية لجائحة كورونا، مضيفاً “إذا حدث انتعاش، وهو لن يكون مفاجئاً، فكل الشركات العالمية ستركز على امتيازاتها الحيوية اللازمة لبقائها، وهذه الامتيازات ليست بالضرورة في شرق المتوسط حالياً، ولذلك فدول شرق المتوسط عليها أن تسارع برسم استراتيجيتها للتعامل مع الموقف المعقد”.
وأعلنت شركة إيني الإيطالية انخفاض إنتاجها من الغاز في مصر، وقالت في بيان إن إنتاجها للغاز الطبيعي في القاهرة وصل إلى 1.217 مليار قدم مكعب يومياً خلال الربع الأول من عام 2020، بانخفاض عن 1.434 مليار قدم مكعب في اليوم في الربع الأول من عام 2019، وأرجعت خفض الإنتاج لانخفاض الطلب حالياً. وأوضحت أنه نتيجة للأزمة الاقتصادية المستمرة، قررت خفض نفقاتها الرأسمالية بنحو 2.3 مليار يورو لعام 2020، أي أقل بنسبة 30 في المئة من الميزانية الأولية، بينما تتوقع أيضاً إجراء المزيد من التخفيضات بقيمة 2.5- 3 مليار يورو في عام 2021. ويأتي ذلك بعد أيام من إعلان إنهاء الاتفاقية الموقعة بين إيني والشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي (إيجاس) لتشغيل مصنع دمياط لتسييل الغاز الطبيعي، نتيجة عدم القدرة على تنفيذ بعض شروط هذه الاتفاقية الموقعة في فبراير (شباط) الماضي “في ظل تفشي فيروس كورونا”، بحسب بيان مشترك.
في غضون ذلك، لا تقتصر التداعيات السلبية لجائحة كورونا على تأجيل الأنشطة الاستكشافية أو تقليل الإنتاج فقط، بل شملت عرقلة محاولات الخروج من السوق أيضاً. على سبيل المثال، تواجه شركة دانة غاز الإماراتية مشكلات في محاولة بيع أصولها في مصر، بعدما أعلنت أنها تلقت عروضاً من بعض الشركات بخصوص بيع محتمل لأصولها هناك.
وذكرت وكالة “رويترز”، في تقرير الخميس الماضي، أن بيع أصول التنقيب والإنتاج التابعة لدانة غاز بمصر، أصبح معقداً بفعل تراجع أسعار النفط في الآونة الأخيرة، وهبوط العقود الآجلة للخام الأميركي دون صفر دولار الأسبوع الماضي للمرة الأولى، ونقلت عن مصادر مقربة من الشركة قولها إنها أجلت القرار بشأن ما إذا كانت ستبيع أصولها المصرية بسبب أزمة فيروس كورونا، على الرغم من تأكيدها في البيان أنه “في حال إتمام بيع أصولنا في مصر، فستستخدم عائدات البيع لسداد صكوك الشركة” التي ستُستحّق، بحسب “رويترز”، خلال الشهور القليلة المقبلة.
وتوقع التقرير الأخير لشركة “ريستاد إنرجي” الاستشارية النرويجية، إلغاء أكثر من نصف دورات الترخيص لعام 2020، فضلاً عن إحجام المستثمرين عن المشروعات ذات الإنفاق الضخم، وأبرزها مد خطوط الأنابيب العملاقة التي تم الإعلان عنها أخيراً، مثل مشروع مد أنبوب “إيست ميد” بين إسرائيل وقبرص واليونان الموقع في يناير (كانون الثاني) الماضي. وبخلاف الاتجاه لخفض إنتاجها، من المرجح أن تكون المشروعات القائمة هي الأقل تأثراً بطبيعة الحال، مثل حقل “ظهر” المصري، و”ليفيثان” الإسرائيلي، و”أفروديت” القبرصي.
أي مستقبل لمنتدى غاز المتوسط؟
ويأتي تأجيل عمليات الحفر كصدمة غير متوقعة للشركات العالمية التي تسابقت خلال السنوات الأخيرة للفوز بعقود وحصص في أنشطة الاستكشاف والإنتاج في تلك المنطقة الواعدة، بخاصة مع تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط في يناير (كانون الثاني) 2019، والذي يضمّ مصر واليونان وقبرص وإسرائيل والأردن وفلسطين وإيطاليا، بالإضافة إلى عضوية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا كمراقبين، وذلك أملاً في تصدير الغاز إلى أوروبا عقب إبرام اتفاقيات لمد أنابيب الغاز بين مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وصولاً إلى أوروبا.
وترى الكاتبة اليونانية، يوريديس برسي، في دراسة حديثة منشورة أخيراً بمجلة “ذي نيشن” الأميركية، أن شركات النفط الأوروبية تسابقت على أنشطة الغاز في دول شرق المتوسط وجنوبه في ضوء القيود البيئية المفروضة عليها في بلدانها الأصلية، مثل فرنسا وكرواتيا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها من الدول المتوسطية، موضحةً أن الإدارة الأميركية تشجع تلك المشروعات وتدعم عمليات شركاتها هناك أيضا رغبة في تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، لكن كل تلك العوامل المُشجعة على دفع تحالفات الطاقة في شرق المتوسط، لم تعد كافية للوقوف بوجه الآثار المُدمرة لجائحة كورونا، وهو ما يدفع إلى التساؤل حول مستقبل “منتدى غاز المتوسط”.
190516-1697476487.jpg
إحدى منصات استخراج الغاز في شرق المتوسط (أ.ف.ب)
وقال ويديرشوفين إن الأزمة التي يتعرّض لها غاز شرق المتوسط ربما تزيد من أهمية مبادرة منتدى شرق المتوسط للغاز الذي تم الإعلان عنها في القاهرة العام الماضي بمشاركة معظم دول المنطقة باستثناء تركيا، ولكن “الآن يجب أن تصبح هذه المبادرة أكثر عقلانية، بالتركيز على تكامل السوق من دون التركيز على مشروع خط الأنابيب البحري في المنطقة… المطلوب حالياً هو تطوير السوق، وتطوير الاستخدام المحلي المحتمل للغاز أيضاً. الاندماج الكامل بين خط أنابيب إيست ميد المرتقب وبنية الغار الطبيعي المسال المصرية القائمة لا يزال هو الخيار الحقيقي الوحيد، إذا كانت الأسواق التركية لا تزال خارج المعادلة. ومن شأن انفتاح المنتدى على تركيا أن يغيّر شكل السوق بشكل كبير، لكن الأبعاد السياسية وبعض القضايا الشخصية لا تزال تعوق ذلك”.
ويرى المختص في شؤون الطاقة أن هناك ضوءاً في نهاية النفق المظلم الذي تمرّ به صناعة الغاز في شرق المتوسط حالياً، يتمثل في أن “مصر ودول شرق المتوسط لديها بالفعل سوق محلية ضخمة أو متنامية، لكن هناك حاجة إلى زيادة استغلال الغاز في صناعة البتروكيماويات، بخاصة القاهرة التي لديها بالفعل البنية التحتية اللازمة. أما السبب الثالث فهو النقص والتراجع المستمر في الاستثمار في القطاع النفطي بشكل كلي، فمن المرجح أن ينمو الطلب بعد 2021 بصورة أسرع، فلا يوجد استثمارات الآن، يضاف إلى ذلك تراجعها خلال الفترة من 2015-2020 على المستوى العالمي، وهذا سيمثل ضغطاً على العرض، وإذا كان العرض منخفضاً ستقفز الأسعار عالياً”.
وتوقع تقرير لـ”مركز الإصلاح الأوروبي” الأسبوع الماضي، أن يتأخر مشروع بناء خط أنابيب شرق المتوسط بين قبرص واليونان وإسرائيل في ظل انتشار كورونا بعد أن كان من المتوقع الانتهاء منه في 2025، مشيراً إلى أنه قبل تفشي الوباء “كانت الجدوى الاقتصادية للمشروع مشكوكاً فيها، وسيؤدي الفيروس إلى مزيد من الصعوبات في تحقيق هذا المشروع الضخم.. كما أن ما يمكن أن يوفره الاتحاد الأوروبي من دعم تمويلي لخط الأنابيب أصبح أمراً بعيد المنال، وسيتم اللجوء إلى أساليب تصدير بديلة للغاز عبر تصديره إلى مصر لتحويله عبر محطات الغاز المسال، ثم نقله مجدداً إلى أوروبا”.
“التنقيب” في الماء العكر
وأثار اتجاه تركيا لتسريع عمليات التنقيب عن الغاز في المنطقة، تساؤلات المراقبين في ظل الاتجاه الانكماشي للأنشطة الاستكشافية والإنتاجية في شرق المتوسط حالياً، إثر تراجع الطلب العالمي والأوروبي على النفط والغاز بسبب كورونا، فيما اعتبر خبراء أن أنقرة ترى في تأجيل أنشطة الشركات العالمية المنافسة في شرق المتوسط “فرصة لن تتكرر”، وتسعى لاستغلالها بكل الطرق الممكنة. وبعيداً عن أسباب التوترات التركية-القبرصية، فإن تصاعدها يمثل سبباً رئيساً في إحجام الشركات الأجنبية عن مواصلة الاستكشاف أو البدء في بناء خطوط أنابيب شرق المتوسط.
وجاء استئناف أنشطة التنقيب التركية في توقيت أعلنت فيه شركات دولية عاملة في المنطقة عن تأجيل خططها الاستكشافية وأنشطتها الإنتاجية بسبب الآثار الاقتصادية للوباء، حيث أبلغت شركة إكسون موبيل الأميركية الحكومة القبرصية تأجيل عمليات الحفر في بلوك 10 من المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص حتى سبتمبر (أيلول) 2021، فيما أعلن وزير الطاقة القبرصي، يورجوس لاكوتريبس، أن الشركات الأخرى من الممكن أن تحذو حذوها. وبالفعل أعلنت شركة إيني الإيطالية أنها تراجع أنشطتها المخططة في عامي 2020 و2021، وكذلك مشروعاتها كافة في الشرق الأوسط، من أجل تخفيض النفقات الرأسمالية.
وبدوره، يرى تشارلز إليناس، مختص الغاز في مركز الطاقة العالمي التابع لمجلس الأطلسي، في تصريح خاص، أن التأثير الهائل لانخفاض الطلب العالمي على النفط والغاز بسبب جائحة كورونا كان السبب الرئيس لإعلان معظم الشركات العاملة في منطقة شرق المتوسط عن تخفيضات وتأجيلات كبيرة في أنشطتها المخطط لها في عامي 2020 و2021، لكن ما يبدو من محاولات تركيا للاستفادة من هذا الموقف، يفسره رغبتها في إبقاء مزاعمها ومطالبها حول الغاز في دائرة الضوء، بل وتسريع برنامجها الاستكشافي الذي أعلنته نهاية العام الماضي بهدف تعويض ما فاتها في هذا السباق المحموم.
ويقول جمال القليوبي، أستاذ الطاقة بالجامعة الأميركية بالقاهرة، إن تحركات تركيا في شرق المتوسط حالياً عبر شركة النفط الوطنية المملوكة للدولة التي تتوّسع في أنشطة التنقيب، تنبع من دوافع سياسية واضحة، وليس من حسابات الجدوى الاقتصادية البحتة لأنشطة الحفر “غير القانونية” التي تقوم بها في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، في ظل انكماش أنشطة الشركات العالمية في تلك المنطقة، موضحاً أن تراجع عمليات الشركات العالمية كافة يرتبط بانخفاض الطلب العالمي على النفط وتراجع سعر البرميل، وهذا الانكماش يشمل عمليات الشركات الكبرى في قارات العالم أجمع، وليس فقط في منطقة شرق المتوسط.
وتستحوذ الشركات الأميركية والأوروبية على حصة الأسد من أنشطة الاستكشاف والحفر حول الجزيرة القبرصية، وتشمل قائمة تلك الشركة إكسون موبيل ونوبل إنيرجي الأميركيتين وبريتش غاز البريطانية وإيني الإيطالية وتوتال الفرنسية، وشل الهولندية.
وقال مصدر دبلوماسي قبرصي إن أنشطة الحفر التابعة لشركتي إيني وتوتال كان من المفترض أن تبدأ أواخر الشهر الحالي مع انتهاء منصة الحفر التي تعمل حالياً في المياه اللبنانية من عملها خلال الأسبوعين المقبلين، لكن حتى شركتي إيني وتوتال ستقومان بتأجيل عمليات الحفر، معتبراً أن تركيا لجأت إلى استئناف عمليات التنقيب “غير الشرعية” في المياه القبرصية لتعطي رسالة بأنها أقوى من الشركات العالمية وقادرة على مواصلة عملها في الوقت الذي توقفت فيه الشركات العالمية عن العمل لفترة تزيد على العام، وذلك في حين أن السفن التركية لم تعثر على أي اكتشافات حتى الآن، لا في المياه التركية ولا من خلال نشاطها “الاستفزازي” في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، مضيفاً “أردوغان سيستفيد من الخطوة داخلياً في ظل ما تواجهه حكومته من انتقادات على خلفية تفشي كورونا وسوء إدارة الأزمة، فضلاً عن مخاطبته لمشاعر القبارصة الأتراك في ظل ما يبدو من خلاف مع زعيمهم مصطفى أكينجي الذي انتقد سياسات أردوغان أخيراً، كما تريد تسخين الأجواء لاستغلال الغاز كورقة ضغط جديدة على الاتحاد الأوروبي الذي يتفاوض معها من جديد حول ملف الهجرة، وتحاول أن تضغط أيضاً على الناتو من خلال التصعيد العسكري في شرق المتوسط والمناورات الاستفزازية التي تجريها لكي يتوسط الناتو بين أنقرة وأثينا في خلافهما في بحر أيجة، بعدما فشلت محاولة ابتزاز اليونان والاتحاد الأوروبي بخطوة فتح الحدود لآلاف اللاجئين نحو الحدود اليونانية”.
download.jpg
سفينة التنقيب التركية يافوز برفقة فرقاطة تابعة للبحرية التركية في شرق البحر المتوسط قبالة ساحل قبرص (رويترز)
لكن في الوقت الذي أكدت فيه تركيا رغبتها في التفاوض حول ملف الغاز، يرى مصدر دبلوماسي يوناني أن تركيا ستكون رابحة في أي مفاوضات يفرضها الغرب على الجانبين التركي واليوناني، لأنها لا تستند إلى أي حقوق قانونية سليمة في المناطق التي تحاول أن تظهرها كمناطق متنازع عليها، وبالتالي حال الوصول إلى حلول وسط سيعني تنازلنا عن حقوقنا لصالح تركيا بالتراضي، فهي تتبنى تفسيراً خاصاً للقانون الدولي لا يمنح الجزر اليونانية والقبرصية أي جرف قاري، وبالتالي تتجاهل وجودها عند ترسيم الحدود، بدليل ما فعلته في اتفاق ترسيم الحدود المثير للجدل مع ليبيا، فهذا الاتفاق يتجاهل وجود جزيرة كريت اليونانية الواقعة بين سواحل الطرفين، وكأنها حُذفت من الخريطة.
واعتبر المصدر الدبلوماسي، الذي تحدث إلينا شريطة عدم ذكر اسمه، أن تصعيد تركيا للأجواء حالياً في شرق المتوسط هدفه استغلال ورقة الغاز في إعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاق الهجرة من جانب، ودفع الاتحاد الأوروبي والناتو للضغط على اليونان للوصول إلى حل وسط في هذا السياق، مضيفاً “لا نستبعد قيام تركيا بعمل عسكري استفزازي في ضوء الحشود العسكرية ومناورات استعراض القوة في المتوسط خلال الأيام الماضية، فالناتو لن يتدخل لفرض التفاوض بين الجانبين إلا حينما تصل حالة التصعيد إلى حافة الهاوية”.
أنقرة ترد
ورفضت أنقرة مراراً على لسان أردوغان وكبار المسؤولين الاتهامات الأوروبية والقبرصية، مؤكدة أنها تدافع عن حقوق القبارصة الأتراك، ودعا الرئيس التركي الاتحاد الأوروبي إلى زيادة تعاونه في ضوء دعم بلاده لعدد من الدول الأوروبية الأعضاء بالاتحاد خلال جائحة كورونا. وقال “أرجو أن يتفهم الاتحاد الأوروبي الآن أننا جميعا في قارب واحد”، وذلك بعد أسبوع من تعهّده “مواصلة إفساد المؤامرات في البحر المتوسط، بالقوة المستمدة من القانون الدولي والموقف الحازم في حماية مصالحنا”.
وذكرت وكالة “الأناضول” التركية الرسمية أن تركيا كثّفت أنشطة التنقيب عن المواد الهيدروكربونية في شرق البحر المتوسط رغم جائحة كورونا التي أدت إلى جانب انخفاض أسعار النفط إلى توقف مؤقت لبرامج الشركات العاملة في شرق المتوسط، موضحة أنه “رغم التأثيرات السلبية للوباء على خطط الحفر في المنطقة، فإن تركيا توسع عملياتها. وتقوم بأنشطة استكشافية في شرق البحر المتوسط بسفينتي حفر الفاتح ويافوز، إلى جانب سفينتي المسح الزلزالي أوروتش ريس وخير الدين بربروس باشا”.
وتؤكد تركيا أن “موقفها تم تجاهله” عندما قام القبارصة اليونانيون بالتنقيب واستغلال الموارد في شرق المتوسط من جانب واحد من دون التوصل إلى اتفاق على توزيع عادل للإيرادات مع القبارصة الأتراك الذين يعيشون في جمهورية مُعلنة من طرف واحد في الشطر الشمالي للجزيرة.
وفي ظل الحرب الكلامية بين تركيا وقبرص أواخر الشهر الماضي عقب استئناف أنقرة عمليات التنقيب في ظل الجائحة، ذكر بيان للخارجية التركية أن “القبارصة الأتراك يتمتعون بحقوق متساوية كمالك مشارك للجزيرة والموارد الواقعة حولها”. وقال متحدث باسم الخارجية إن “التهديد الفعلي للسلام والاستقرار في شرق المتوسط هو الموقف المتطرف والمتصلب للثنائي اليوناني والقبرصي اليوناني”. وأكد “سنواصل بحزم حماية بلادنا وحقوق القبارصة الأتراك في شرق المتوسط”.
وندّد وزراء خارجية مصر وقبرص واليونان، اليوم الاثنين، في بيان مشترك بالتحركات التركية “غير القانونية الجارية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية قبرص ومياهها الإقليمية، بما تمثله من انتهاك صريح للقانون الدولي وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وهي المحاولة السادسة من تركيا، في أقل من عام، لإجراء عمليات تنقيب غير شرعية داخل المناطق البحرية لقبرص”.
بهاء الدين عياد
اندبندت عربي