بغداد – تسعى حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى إدامة الزخم الشعبي الذي رافق تشكيلها، من خلال التحرش بالملفين الأكثر تعقيدا في مؤسسات الدولة، وهما الفساد المالي وسوء الإدارة.
ويوم الأحد توجه الكاظمي شخصيا إلى دائرة التقاعد العامة في وسط بغداد، حيث يتكدس آلاف المراجعين من كبار السن والمقعدين والعجزة والمرضى يوميا بانتظار إنجاز معاملاتهم، التي تتحرك ببطء وسط نظام بيروقراطي ورقي، يتطلب تقديم العشرات من الوثائق واستحصال العديد من التوقيعات، ليشهد بنفسه الإجراءات التي يصل بعضها إلى حد إذلال المواطن.
وقبيل مغادرته منصبه، أصدر رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي قرارا غريبا بوقف رواتب المتقاعدين، بحجة عدم وجود سيولة كافية، متسببا بمشكلة قانونية كبيرة لحكومة الكاظمي، التي لم تستغرق سوى ساعات لإيجاد حلول عبر بعض المناقلات البنكية التي قام بها وزير المالية الجديد علي عبدالأمير علاوي.
وكان واضحا أن قرار حكومة عبدالمهدي بشأن المتقاعدين يستهدف توريط حكومة خليفته في مأزق مبكر، لكن الكاظمي حوّله إلى فرصة لصالحه، عندما ظهر واثقا وهو يتجول بين العشرات من الشيوخ، مسمعا إياهم كلمات التطمين ومتعهدا بحل مشاكلهم شخصيا.
وما إن غادر الكاظمي الموقع حتى بدأ آلاف المتقاعدين بتسلم رواتبهم، بعدما ذهب وزير المالية الجديد علي عبدالأمير علاوي إلى إجراءات عاجلة، تمت بموجبها مناقلة أموال لحساب دائرة التقاعد.
وبينما كان الكاظمي في الطريق إلى مكتبه عائدا من دائرة التقاعد، كان وزير الداخلية الجديد عثمان الغانمي يعقد اجتماعا بقادة الوزارة من ضباط وإداريين، محذرا من أنه سيقطع يد كل من يتورط في بيع أو شراء منصب أمني، وهو التقليد الذي درجت عليه هذه الوزارة منذ أعوام.
وخلال الأعوام الماضية كان بيع وشراء نقاط التفتيش أمرا شائعا في بعض مفاصل وزارة الداخلية، وعادة ما يحصل الضباط المقربون من الميليشيات الموالية لإيران على مناصب مهمة.
ويقول رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي محمد رضا آل حيدر إن عبدالمهدي وضع ضباطا يفتقرون إلى الكفاءة في مواقع حساسة بالدولة، بسبب علاقاتهم السياسية، مشيرا إلى أن بعض الساسة كانوا يتحكمون في تنقلات العديد من الضباط، فيما مضى.
وعمليا، لم تتسبب التحركات الأخيرة للكاظمي ووزرائه، إلا في معالجة نزر، قد لا يرى بالعين المجردة، من مشاكل البلاد المتفاقمة والمتراكمة منذ سنوات، لكنها ألهبت حماسة الجمهور بشأن ما يمكن أن يحدث في الشهور القادمة.
ويقر آل حيدر بأن القوى المتضررة من صعود الكاظمي ستعمل بقوة لإعاقة جهود حكومته، ملمحا إلى إمكانية أن تكون التظاهرات التي شهدتها مدن عراقية عدة خلال الأيام القليلة الماضية، مخترقة سياسيا.
ويقول مراقبون إن استكمال الكابينة المنقوصة، سيكون أحد عوامل قوة رئيس الوزراء، الذي شرع فعليا في مفاوضات ملء سبع حقائب شاغرة، من أصل 22 وزارة في كابينته.
وقال نائب رئيس البرلمان العراقي بشير حداد، إن الكاظمي سيقدم مرشحي الحقائب الوزارية السبعة قبل عطلة عيد الفطر، مشيرا إلى أن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي سيدعو مجلس النواب إلى الانعقاد حال وصول قائمة الأسماء من رئيس الوزراء. والحقائب الشاغرة في حكومة الكاظمي هي النفط والخارجية والزراعة والتجارة والثقافة والهجرة والعدل.
ووفقا لنتائج المفاوضات، فإن حقيبة النفط ستذهب إلى شخصية شيعية من مدينة البصرة، ووزارتيْ الخارجية والعدل ذهبتا إلى المكون الكردي، فيما يستمر النقاش بين القوى السنية والشيعية بشأن الوزارات الأخرى.
ولن يكون بمقدور أي حزب سياسي فرض مرشحه على الكاظمي، الذي بات يحتكر حق اقتراح أسماء الوزراء المرشحين، وللأحزاب أن تبدي رفضا مسبقا بشأن أي منها، ما يعزز فرص رئيس الوزراء في استقطاب شخصيات قوية أخرى إلى كابينته.
ويقول نائب رئيس البرلمان بشير حداد، إن “مهام الحكومة الجديدة في هذه المرحلة هي إرسال قانون الموازنة الاتحادية، وإطلاق رواتب المتقاعدين وتحسين الحالة المعيشية لمحدودي الدخل والعمال والكسبة، وإطلاق منحة شبكة الرعاية الاجتماعية، فضلا عن السيطرة على الوضع الأمني وإعادة هيبة الدولة والقوات الأمنية والشرطة، وكشف المتهمين بقتل المتظاهرين والمتهمين بملفات الفساد وتقديمهم للقضاء”.
وتلقى الكاظمي دفعة معنوية جديدة يوم الاثنين، من خلال إشادة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بخطواته الأولى، موضحا أنه وجده “جادا في عمله”. مع ذلك، منح الصدر مهلة مئة يوم للكاظمي كي يراقب أداء حكومته، دون أن يربطها بأي إشارة إلى التصعيد المحتمل، على غير العادة.
العرب