نهاية المشروع التوسعي الإيراني

نهاية المشروع التوسعي الإيراني

إيران اليوم هي في أسوأ أحوالها. لا ينفي ذلك قيامها بإطلاق قمر صناعي أو تطوير صواريخها الباليستية. فهي لا تفعل شيئا سوى ذلك. دولة حرب أوقعها نظامها السياسي في شبكة معقدة من الأوهام التي خلقت من خلالها أعداء وهميين، لا لشيء إلا من أجل أن يتخلى ذلك النظام عن مسؤولياته إزاء الاحتياجات الإنسانية للشعوب الإيرانية التي ابتليت به.

لقد تعرضت إيران خلال السنوات الأخيرة إلى نكسات اقتصادية كبيرة. ومن السذاجة الادعاء أن تلك النكسات لم تؤثر على مشروعها التوسعي في المنطقة القائم، أصلا، على إدارة ميليشيات تابعة لها والإنفاق عليها من خلال مدها بالسلاح والأموال. فمهما بُولغَ في حجم الرصيد المالي المضمون فإن ذلك الرصيد قد تعرض للاندثار بفعل العقوبات الأميركية التي أدت إلى انخفاض صادرات النفط الإيراني إلى أقل من النصف، ناهيك عن انهيار أسعار النفط وتداعيات فايروس كورونا.

وإذا ما عرفنا أن الحرس الثوري يسيطر على جزء كبير من نشاط السوق التجارية (غير النفطية)، ويستعمل أرباحها في تمويل نشاطاته واستمرار مشاريعه العسكرية، يمكننا أن نتوقع انخفاض قدرة إيران على الاستمرار في رعاية مشروعها الخارجي بالكفاءة نفسها مقارنة بما كانت عليه في الماضي. ذلك ما انعكس سلبا على ميليشياتها في العراق ولبنان وسوريا واليمن.

هناك معطيات كثيرة يمكنها أن تكون أساسا لواقع جديد، سيكون على إيران أن تخضع له في المستقبل القريب مضطرة. وهو ما يعني أن ما كانت إيران تعتبره مستحيلا سيكون ممكنا من غير أن تأمل في أن يتغير الموقف الأميركي في ما يتعلق بالعقوبات الأميركية. بمعنى أن ما كانت إيران ترفض التفاوض عليه في مقابل أن تنال بعض الامتيازات ستتخلى عنه من غير أن تحصل في مقابله على شيء يُذكر.

في سوريا بدا الانقلاب الروسي واضحا في ظل تمدد أميركي على الأراضي التي كانت قد اعتبرت من حصة الميليشيات الإيرانية. ناهيك عن أن الضربات الإسرائيلية لمواقع تلك الميليشيات لم تتوقف من غير أن تكون هناك إمكانية على الرد.

في العراق استسلمت الأحزاب التابعة لإيران والمهيمنة على الدولة لخيار تسليم السلطة التنفيذية لرجل ليس من صنعها، ولم يُعرف بولائه لإيران وليس له أي ارتباط بالكتل السياسية المهيمنة على العملية السياسية.

أما في لبنان فقد انسحب حزب الله عن خطوط المواجهة الأولى في ما يتعلق بالأزمة المالية بعد أن صار واضحا أنه لا يستطيع أن يجنب نفسه فشلا ذريعا في ظل عقوبات اقتصادية فُرضت عليه من جهات دولية عديدة.

وبالنسبة للحوثيين فإن غموض أحوالهم لن يستمر طويلا. ستكون عودتهم إلى طلب التفاوض قريبة بعد أن توقف الإمداد الإيراني.

وإذا ما بقي الحال على ما هو عليه فإن أزمات المنطقة كلها ستحل بطريقة هادئة. ذلك لأن إيران هي المشكلة. وإذا ما تم استبعاد الطرف الإيراني من المعادلة، فإن كل شيء سيجري في اتجاه نهايات سعيدة.

كل ذلك مرتبط باستمرار العقوبات الأميركية وتفهم المجتمع الدولي لقيمة تلك العقوبات على مستوى الحفاظ على الأمن والسلم العالميين.

ليس المطلوب الإضرار بإيران أو إلحاق الأذى بشعبها، ولكن المطلوب أن يتراجع النظام الإيراني عن مشروعه التوسعي العدواني الذي لم تعد شعوب المنطقة في ظله قادرة على التحكم بمصائرها.

لقد صار جليا أن لا مستقبل للأمن والسلم في المنطقة في ظل استمرار التهديد الإيراني الذي لا يمكن التعامل معه إلا عن طريق زيادة التسلح. وهو سلوك عبثي إن استمر إلى ما لا نهاية كما يريده الإيرانيون.

لذلك يمكن القول إن عجز إيران الاقتصادي سيحمل بشرى متفائلة للمنطقة.

العرب