بوادر تناغم بين السلطات العراقية بشأن إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب

بوادر تناغم بين السلطات العراقية بشأن إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب

الآمال المعقودة على العهد الجديد الذي بدأ في العراق مع تسلّم مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة تشمل إنهاء ظاهرة الإفلات من المحاسبة والعقاب السائدة في البلاد منذ سنوات بسبب ضعف مؤسسات الدولة وخضوعها لمراكز نفوذ لطالما حمت الفاسدين ومنعت تطبيق القانون على العديد من الشخصيات المتورّطة في قضايا متنوّعة.

بغداد – أقدم مجلس القضاء الأعلى في العراق، على خطوة مفاجئة بتوجيهه طلبا إلى رئاسة البرلمان لرفع الحصانة عن 18 نائبا متهمين بقضايا فساد والتأثير على سير الإجراءات القانونية وصرف صكوك من دون رصيد وسب وقذف وغيرها.

ولفت توقيت هذه الخطوة نظر المتابعين للشأن العراقي كونها جاءت مباشرة مع بداية فترة عمل حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يبدو طامحا لافتتاح عهد جديد من المحاسبة وإنهاء ظاهرة إفلات المسؤولين والسياسيين من العقاب السائدة في العراق بشكل كبير.

ويعتبر الكاظمي “محاربة الفساد والفاسدين مهمة وطنية”، وتعهّد في كلمته أمام البرلمان أثناء جلسة نيل الثقة لحكومته بـ”مواجهة الفساد بحزم وبكل الإمكانات القانونية”.

وشملت القائمة الموجهة من مجلس القضاء إلى البرلمان نوابا من السنّة والشيعة والأكراد ينتمون إلى قوى وكتل نيابية مختلفة، بينهم وزير الكهرباء السابق قاسم الفهداوي، الذي ينتمي إلى جبهة الإنقاذ بزعامة أسامة النجيفي، ووزير التربية السابق محمد إقبال الصيدلي، ومثنى السامرائي عن كتلة وطن، وكاظم الصيادي المقرب من زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وعبدالله الخربيط وأحمد الجبوري وفلاح الزيدان عن تحالف القوى بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وصادق السلطاني وعالية نصيف عن ائتلاف دولة القانون، وهريم كمال عن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، وندى جودت عن تحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، والنائب المستقل فائق الشيخ علي ونوابا آخرين.

صدق نوايا الكاظمي في الإصلاح لا يكفي دون تعاون القضاء والبرلمان في تفكيك مراكز النفوذ الحامية للفاسدين

ويقول مراقبون إنّه لا يمكن الفصل بين الانطلاقة القوية لحكومة مصطفى الكاظمي بعد تشكيلها وهذا الزخم القضائي الكبير، الذي ربما يجد في السلطة التنفيذية الجديدة شريكا قويا.

ويلفت هؤلاء إلى أنّ مقدّمات التناغم بين السلطتين التنفيذية والقضائية ظهرت مع الاستجابة السريعة من قبل مجلس القضاء الأعلى للدعوة التي وجهها رئيس الحكومة لإطلاق سراح جميع المعتقلين من المتظاهرين. فبعد ساعات فقط على تلك الدعوة أصدر المجلس بيانا قال فيه إنه انسجاما مع دعوة الكاظمي تم توجيه كافة المحاكم التي تعرض عليها قضايا خاصة بالمتظاهرين لإطلاق سراحهم.

ويركز طلب رفع الحصانة على ثلاث مواد في قانون العقوبات النافذ، هي المادة 340 التي تنص على أنْ “يعاقب مدة لا تزيد على سبع سنوات بالحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة أحدث عمدا ضررا بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل فيها أو يتصل بها بحكم وظيفته أو بأموال الأشخاص المعهود بها إليه”، والمادة 331 التي تنص على أن “يعاقب بالحبس وبالغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين: كل موظف أو مكلف بخدمة عامة ارتكب عمدا ما يخالف واجبات وظيفته أو امتنع عن أداء عمل من أعمالها بقصد الإضرار بمصلحة أحد الأفراد أو بقصد منفعة شخص على حساب آخر أو على حساب الدولة”، والمادة 433 الخاصة بالقذف والتشهير والسب العلني.

ووفقا للدستور العراقي، فإنه في حال توجيه الاتهام إلى النائب خلال مدة الفصل التشريعي يتوجّب موافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لأعضائه على رفع الحصانة عنه، أما في حال الاتهام خارج مدة الفصل التشريعي، فتتوجّب موافقة رئيس مجلس النواب على رفع الحصانة، وهذا يعني أنّ رفعها عن عضو مجلس النواب يكون من اختصاص المجلس نفسه عند وجود الفصل التشريعي ويكون من اختصاص رئيس المجلس فقط عند انتهاء الفصل التشريعي.

وبسبب الظروف الطارئة التي فرضتها إجراءات الإغلاق العام على خلفية تفشي فايروس كورونا، وتوقف جلسات البرلمان، ليس محسوما ما إذا كان الفصل التشريعي النيابي مستمرا الآن، أم أن هناك عطلة تشريعية.

وتضاربت تفسيرات القانونيين بشأن اعتبار جلسة منح الثقة لحكومة الكاظمي التي عقدت في السابع من مايو الجاري استثنائية وقعت داخل العطلة التشريعية أم اعتيادية وقعت ضمن الفصل التشريعي.

وفي حال جرى الإقرار بأن جلسة منح الثقة كانت استثنائية، سيتأكد أن البرلمان في عطلة تشريعية الآن، ما يعني أن قرار الموافقة على طلب الحصانة عن 18 نائبا هو في يد رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي فقط.

وتقول مصادر سياسية مطلعة إن الحلبوسي يفضل مواكبة الإجراءات القضائية لتعزيز الزخم النيابي الناجم عن تشكيل حكومة الكاظمي، لكنه ينتظر التفسير القانوني الخاص بمدة الفصل التشريعي السابق أو الحالي.

لكن المصادر نفسها تلفت إلى أنّ حاجة مواد في الدستور العراقي إلى التفسير كثيرا ما استخدمت لمصلحة جهات بعينها، مذكّرين بأشهر تفسير وأكثره تأثيرا في مسار العراق، والذي جاء سنة 2010 عندما فاز إياد علاّوي بالانتخابات التشريعية ما أهّله لتشكيل الحكومة لولا لجوء خصمه نوري المالكي إلى المحكمة الاتحادية لتحديد مفهوم الكتلة النيابية الأكبر، وقد أصدرت تفسيرا لمصلحته بأن اعتبرت صاحب الكتلة الأكبر هو من يعقد أكبر تحالف برلماني ممكن وليس من يمتلك أعلى عدد من المقاعد النيابية، وبذلك آلت رئاسة الحكومة إلى المالكي الذي شهدت فترة حكمه تراجعا كبيرا للدولة العراقية في مختلف المجالات وانتشارا واسعا للفساد في جميع مفاصلها، وانتهت سنة 2014 بكارثة سيطرة تنظيم داعش على ما يقارب ثلث مساحة البلاد.

ويتوقع نواب في البرلمان العراقي أن تستغرق البلاد نحو ثلاثة شهور قبل عودة الحياة إلى طبيعتها بسبب إجراءات احتواء كورونا بما في ذلك انعقاد جلسات اعتيادية للبرلمان.

ويقول مراقبون إن مؤشرات التعاضد بين السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، قد تتسبب في تغيير الأجواء القاتمة التي تخيّم على البلاد بسبب يأس السكان من إمكانية محاربة الفساد، والأزمة الاقتصادية الناجمة عن انهيار أسعار النفط وتفشي البطالة.

ويلمس عراقيون صدقا وجدية لدى رئيس الوزراء الجديد في نيته الإصلاح ومحاربة الفساد الذي يعدّ أول سبب للأزمات في البلد بمختلف أشكاله، لكنّ آخرين يقللون من سقف الآمال المعقودة عليه في هذا المجال نظرا لقلّة وسائله في مواجهة الفاسدين الذين يشكّلون لوبيات نافذة متغوّلة داخل أجهزة الدولة منذ قرابة السبع عشرة سنة.

العرب