تلقت أسواق النفط دعماً إيجابياً خلال الأيام القليلة الماضية على صعيد تقليص المعروض النفطي، وسط جهود سعودية لدعم الأسعار المنخفضة، لكن المخاوف من موجة ثانية لتفشي فيروس كورونا قلصت الارتفاع المحدود. ورغم ذلك يرى متخصصون أن عودة التوازن للسوق باتت مرهونة بتعاون كبار المنتجين، رغم تحديات عزوف المستهلكين، وتداعيات كورونا، ووجود الفائض في المخزون العالمي، الدي بات “كابوساً” لأي تعاف مقبل. في الوقت ذاته جاء اعلان الاتفاق السعودي – الروسي، على استقرار السوق عاملا مساعدا لدعم الأسعار حيث أجرى وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، ونظيره الروسي ألكسندر نوفاك محادثات هاتفية، أكدا فيها الالتزام بالعمل لتحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية (واس)، عن بيان مشترك صدر عن الجانبين يؤكد فيه “التزامهما ببلوغ الهدف المتمثل في تحقيق استقرار الأسواق البترولية العالمية وتسريع إعادة التوازن إليها”. موضحاً “نحن على ثقة تامة بأن شركاءنا في اتفاق (أوبك+) توافقوا تماماً مع هذه الأهداف، وأنهم سيواصلون التزامهم بالاتفاق”.
وأشاد الوزيران “بشكل خاص، بالجهود التي يبذلها المنتجون من أنحاء العالم، الذين بادروا، بشكل طوعي، إلى تعديل كميات إنتاجهم، انطلاقاً من إحساسهم بالمسؤولية المشتركة”. كما أعربا عن الارتياح “لبوادر التحسن التي ظهرت، أخيراً، على المؤشرات الاقتصادية ومؤشرات السوق، خصوصاً ما يتعلق منها بنمو الطلب على البترول، وتراجع حدة القلق بشأن قيود التخزين، في الوقت الذي بدأت العديد من الدول، حول العالم، في تخفيف إجراءات الإغلاق الصارمة فيها”.
“أوبك” تقلص توقعاتها للطلب العالمي
على صعيد متصل جددت منظمة “أوبك” توقعاتها للطلب العالمي على النفط للعام الحالي، مع تسبب فيروس كورونا في الركود العالمي، لكنها أكدت أن التخفيضات غير المسبوقة في الإمداد التي تنفذها المنظمة ومنتجون آخرون تساعد بالفعل في إعادة التوازن للسوق. وأوضحت “أوبك” في تقريرها الشهري، أنها تتوقع انكماشاً في الطلب العالمي بنحو 9.07 مليون برميل يومياً، أي بما يعادل 9.1 في المئة في 2020. وفي الشهر الماضي، توقعت المنظمة انكماشاً بمقدار 6.85 مليون برميل يومياً.
وبدأت منظمة أوبك وحلفاء، في إطار ما يعرف بمجموعة “أوبك+”، في أول مايو (أيار) تخفيضات إنتاج لم يسبق لها مثيل لمواجهة تخمة في المعروض، وقال منتجون آخرون، من بينهم الولايات المتحدة، إنهم سيضخون كميات أقل، في حين قالت “أوبك” إن التخفيضات تؤتي ثمارها.
كل شيء سيكون رهناً بـ”كورونا”
وفي هذا الصدد، توقع المتخصص في شؤون النفط والطاقة، أنس الحجي، تحسن الأسعار بسبب زيادة الطلب وانخفاض المعروض، رغم أن كل شيء سيكون رهناً بـ”كورونا”، مضيفاً “هناك أدلة كثيرة على إصابة الناس بملل وضجر شديدين من البقاء في البيوت، وأن الناس ستلجأ إلى المواصلات الخاصة على حساب وسائل النقل العامة”.
وأضاف الحجي “الحزم التحفيزية التي قدمتها الحكومات والبنوك المركزية ستؤدي في النهاية إلى زيادة الطلب على النفط، كما أن زيادة نسبة تشغيل المصافي في الصين مع زيادة مبيعات السيارات تدل على انتعاش ما بعد كورونا، ولا يُستغرَب أن يتكرر الأمر نفسه في دول أخرى”.
الخفض الطوعي الإضافي
من جانب آخر، قال المتخصص في شؤون النفط والطاقة في لندن، مصطفى البازركان، إنه رغم الخفض الطوعي الإضافي للمعروض النفطي عادت الأسعار أمس للتراجع بتأثير توقعات انتشار ثانٍ لفيروس كورونا، بمعنى استمرار تراجع الطلب في ظل خفض المعروض النفطي والطاقة التخزينية.
وأكد أن العوامل الثلاثة الرئيسة التي لا تزال مؤثرة بدرجات مختلفة باختلاف التوقعات المتاحة هي (المعروض، والطلب، والطاقة التخزينية في مدياتها القصوى).
وأفاد بأن “التوقعات تخطيء وتصيب كما لمسنا ذلك خلال الأسابيع الماضية، حيث تصل الأسعار إلى مستوى متدن ثم ترتفع لتعاود الانخفاض، فكورونا أزمة صحية بتداعيات اقتصادية واسعة، وكل التصريحات المتعلقة بتوقع انتشار ثان الفيروس أو ضعف احتمال إيجاد مصل أو علاج تنعكس على الأسعار بجانب تراجع إنتاج النفط الأميركي الذي يدخل كعامل مؤثر في خفض المعروض إجبارياً وليس طوعياً”.
الأجواء تتبدل نحو الإيجابية
ويرى محللون أن تبدل الأجواء نحو الإيجابية هو نتيجة تحول دول كثيرة إلى فتح اقتصاداتها والتسريع في عودة الحياة والنشاط إلى طبيعته مع المحافظة على شروط التباعد الاجتماعي، رغم قرارات تعطّل المشروعات الصناعية وتوقفها، التي أدت لاتجاه الاقتصاد للركود. وذكروا أن هناك إجماعاً على أن استهلاك وقود الطائرات وحركة الطيران، قد تظل متأثرة لوقت أطول، وهذا ما ظهرت تأثيراته بشكل سلبي على الأسواق والأسعار.
وأكدوا أن “بدء تفعيل اتفاق (أوبك+) عزز مصداقية الخفض بعد قيام بعض المنتجين وفي مقدمتهم الكويت والسعودية بإعلان الخفض في أبريل (نيسان) الماضي، وتم إخطار الزبائن بخفض في برنامج التحميل الشهري بمقدار 23 في المئة لشهري مايو ويونيو (حزيران)، ما أسهم بشكل مباشر في دعم الأسعار”.
وأشاروا إلى أن السعودية والكويت والإمارات أعلنت خفضاً إضافياً فوق الإنتاج المقرر لـ”أوبك+”، خصوصاً الرياض التي رفعت إجمالي الخفض لنحو 4.8 مليون برميل يومياً.
ولفتوا إلى أن تسعير “أرامكو” لنفوطها لشهر يونيو، ساعد في إعطاء مؤشر إيجابي من خلال تقليص الفروقات، وقد سجلت مبيعات النفط الخام السعودي إلى الصين والهند مستويات عالية نسبياً واكتسبت حصة إضافية في هذه الأسواق.
تعافي الأسعار لن يكون قبل الربع الأخير
وبحسب المختصين في شؤون سوق النفط، فإن تعافي الأسعار لن يكون قبل الربع الأخير من هذا العام، لذا فإن أسعار خام برنت ستكون بين 35-40 دولاراً للبرميل في أحسن الأحوال، لأنه مرتبط بأمور أبرزها نسب الالتزام باتفاق “أوبك+” لخفض الإنتاج، وكذلك الخفض من خارج “أوبك”، خصوصاً في الولايات المتحدة وكندا وغيرها. وشدد المحللون على أن الورقة الأهم هي النجاح في السيطرة على جائحة كورونا وتعافي الطلب من جديد، الذي سيكون تدريجياً أو ارتفاعاً مباشراً.
السعودية تحث دول “أوبك+” على خفض أكبر
من جانبها حثت الرياض دول “أوبك+” على خفض معدلات إنتاج النفط بشكل أكبر للإسهام في إعادة التوازن المنشود إلى أسواق الخام العالمية، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الرسمية في البلد الخليجي، اليوم.
وقال بيان الحكومة “مجلس الوزراء أكد سعي السعودية لدعم استقرار الأسواق البترولية العالمية، كما تستهدف من هذه المبادرات حث الدول المشاركة في اتفاق (أوبك+) والدول المنتجة الأخرى على الالتزام بنسب الخفض المحددة لها، وتقديم المزيد من الخفض في الإنتاج، للإسهام في إعادة التوازن المنشود لأسواق البترول العالمية”.
الكويت تتفاعل
وفي تطور متصل، أبلغت مؤسسة البترول الكويتية، عملاءها أنهم سيحملون كميات أقل من النفط الخام في يونيو المقبل، إذ إنها حددت نسبة السماح التشغيلي عند ناقص 5 في المئة لجميع درجات الخام، وفقاً لما نقلته وكالة “رويترز” عن مصادر.
وهذا التعديل أحدث إجراء من جانب مؤسسة البترول الكويتية للوفاء بتعهدات البلاد بخفض الإنتاج في إطار اتفاق منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاء من بينهم روسيا فيما يعرف بمجموعة “أوبك+”.
والسماح التشغيلي بند بعقود النفط طويلة الأمد يعطي البائع خيار تعديل طفيف في أحجام التحميل لأسباب لوجيستية أو متعلقة بالطلب. وحددت المؤسسة نسبة سماح بزائد أو ناقص 5 في المئة.
ويأتي ذلك عقب إعلان الكويت خفضاً جديداً لإنتاج النفط بواقع 800 ألف برميل يومياً يُنفذ في يونيو، فضلاً عن التخفيضات التي جرى الاتفاق عليها بالفعل بموجب اتفاق “أوبك+”.
غالب درويش
اندبندت عربي