الباحثة شذى خليل*
حولت الحرب العراقية-الإيرانية 1980 العراق من دولة دائنة لديها أكثر من 35 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية إلى دولة مدينة عليها ديون تصل إلى 80 مليار دولار.
اتبع العراق سياسة صعبة خلال الحرب العراقية-الإيرانية ، في الوقت الذي حافظ فيه على الانفاق في القطاع العام والشروع في التنمية الاقتصادية الوطنية، وقد مول ذلك من خلال احتياطيات البلاد الأجنبية ومساعدة مالية من قبل دول مجلس التعاون الخليجي تقدر بنحو 5مليارات دولار. حيث تسبب تدمير محطات التصدير بانخفاض صادرات النفط بنسبة 60 ٪ في عام1981وأدى الانخفاض اللاحق في صادرات النفط عام 1982 الذي رافقه إغلاق خط أنابيب النفط السوري إلى استنزاف احتياطيات العراق الأجنبية.
وعلى إثره تدخلت دول مجلس التعاون الخليجي في تقديم الدعم المالي ودعم المبيعات النفطية لصالح العراق؛ لكن في نهاية المطاف طالبت دول مجلس التعاون الخليجي بالدعم المالي واعتبرته قرضا على العراق والذي بلغ 49 مليار دولار، في حين قال العراق انها مساعدات في حربه مع إيران وليس قروضا، بسبب انهيار أسعار النفط في منتصف الثمانينيات ، لم تعد دول مجلس التعاون الخليجي قادرة على مواصلة دعمها ؛ مما جعل العراق يطلب الدعم من دائنين دوليين مثل الدول الغربية والاتحاد السوفيتي آنذاك، ودول الكتلة الشرقية السابقة ، وجهات دائنة دولية خاصة مثل البنوك وديون مصرفية.
اخذت هذه الديون شكل قروض حكومية وضمانات ائتمانية للتصدير وتوزعت تلك القروض بين نادي باريس حيث بلغت 40 مليار دولار، وكانت نسبة الفوائد 21مليار دولار ، في عام 2003 وغيرها من الديون من الدول غير الاعضاء في نادي باريس بلغت 16مليار، والديون القادمة من بنوك القطاع التجاري / كحصة من القروض بقيمة15 مليار دولار متضمنه نسب الفوائد في 2003 .لقد بلغت ديون العراق عام 2003 نحو 120 مليار دولار توزعت على ثلاث مجموعات أساسية:
- الاولى تقدر بـ 40 مليار دولار للدائنين من نادي باريس ، إذ توزعت 21 مليار دولار على شكل ديون أصلية؛ و19 مليار دولار كفوائد مستحقة. تم تخفيضها على 3 مراحل بنسبة 90٪ وبلغت 6 مليارات دولار في نهاية عام 2017.
- أما المجموعة الثانية فتقدر بـ 60 مليار دولار للدائنين غير الاعضاء في نادي باريس ، وكانت بذلت جهود كبيرة لدفع جزء من هذا المبلغ لدول مجلس التعاون الخليجي البالغ 49 مليار دولار. وقد بذلت جهود كبيرة لجعلها على غرار ديون نادي باريس، لكن بعض الامور اعاقت هذه الجهود شريطة تحقيق المصلحة الوطنية في العراق .هذا بالإضافة الى العلاقات غير الجيدة ربما التي كانت بين الحكومات المتعاقبة في العراق مع دول المجلس، في حين كانت الديون المتبقية 16مليار مع الفوائد ، للصين وتركيا والدول الاوروبية الشيوعية السابقة فقد بلغت الديون 41 مليار دولار بعد أن اسقطت الصين حقها من الديون البالغة8.5 مليار دولار في عام 2007 ، والامارات أسقطت حقها من الديون البالغة 7 مليارات دولار في عام 2008.
- وتقدر قيمة الديون للمجموعة الثالثة 15 مليار دولار وهي للدائنين من القطاع التجاري/الخاص (التجار والشركات والبنوك) ولقد أصبح معروفا بفريق التنسيق لنادي لندن واتبع نفس الاسلوب الذي اتبعه نادي باريس وقد اعيدت هيكلة جزء كبير من الديون في عملية مبادلة الديون بالديون عن طريق سندات حكومة عراقية كسند بقيمة 2.7 مليار دولار صدر عام 2006 وهو مستحق عام 2028 بمعدل فائدة 5.8 %.
اما تعويضات الحرب :
أُنشئت لجنة الأمم المتحدة للتعويضات UNCC في عام 1991 لتجهيز المطالبودفع التعويض عند اللزوم عن الخسائر الناجمة عن غزو العراق للكويت من عام 1990-1991 وقدم ما يقارب 2.7 مليون طلب بتعويضات بقيمة 350 مليار دولار ،لكن لم تقبل جميع هذه المطالب ، اذ قبل حوالي 1.5 مليون طلب او 56% من اجمالي المطالب ، وهو ما يمثل تعويضا بقيمة 52 مليار دولار او 15 % من المبالغ المطالب بها .
وقد بدأ العراق بدفع ديونه إلى لجنة الأمم المتحدة للتعويضات بعد انطلاق برنامج النفط مقابل الغذاء، إذ سدد في عام 2003 حوالي 24 مليار دولار، وفي عام 2017 سدد مجموعة 48 مليار دولار، ومن المتوقع أن يقوم العراق بسداد آخر جزء من ديونه البالغة 4.6 مليار دولار . الى لجنة الأمم المتحدة في العام 2019 ، على الرغم من ان تلك التعويضات لم تندرج ضمن الحصيلة الاجمالية لديون العراق لكنها تؤثر على التصنيف الائتماني للبلد اذ تمثل التزامات جوهرية .
تذبذب أسعار النفط العالمية وتأثيرها على الميزانية العراقية :
شهدت أسعار النفط العالمية تذبذب بالأسعار، نتيجة أزمات عالمية او الحروب والتوترات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، فإن الانخفاضات المفاجئة كانت في كثير من الأحيان تؤثر على الميزانية العراقية وخاصة انها تشكل نسبة اكثر من 95 % منها .
ففي عام 1973 وبعد الحظر النفطي الذي فرضته السعودية والدول المصدرة للنفط وما سببه من صدمة نفطية رفعت سعر الخام من نحو 3.6 دولارات للبرميل عام 1973 إلى نحو 10 دولارات عام 1974 ثم 29 دولارا عام 1979 مع قيام الثورة في إيران ثم نحو 39 دولارا في عام 1981 وبعد عام واحد على اندلاع حرب الخليج الأولى (الحرب العراقية الإيرانية).
الرسم البياني الاول من 1980 -1986 ( اهم سنوات الانخفاض )
وتستمر الارتفاعات تأثرا بالأحداث المتأججة أبرزها حرب الخليج الثانية (حرب استعادة الكويت) عام 1991 لتدور بين 1991 و1997 حول العشرين دولارا، ثم ترتفع مع حرب الخليج الثالثة (احتلال العراق 2003) ثم إعصار كاترينا في خليج المكسيك عام 2005 حتى وصل سعر البرميل في أوائل عام 2008 إلى نحو 147 دولارا للبرميل، قبل أن يهبط مرة أخرى بسبب الأزمة المالية العالمية.
وارتفع النفط مرة أخرى مع ثورات الربيع العربي والأحداث المرتبطة به في المنطقة بين عامي 2011 و2014 حتى تخطى سعر البرميل 115 دولارا قبل أن يبدأ رحلة الهبوط مرة أخرى بداية من نهايات 2014 وبدايات 2015 مع محاولات تصحيحية من المنتجين منذ اتفاق أوبك والمنتجين من خارجها في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 والذي بدأ تطبيقه في يناير/كانون الثاني 2017 مع تطوراته المختلفة، حتى انهيار الاتفاق يوم الجمعة 6 مارس/آذار ثم الانهيار الكبير في سعر النفط .
الرسم البياني الثاني من 2004 – 2016
انخفاض أسعار النفط وتأثيراتها على ميزانية الدولة العراقية وكيفية اتمام عمليات البيع :
واصلت أسعار النفط سقوطها الحاد (20 أبريل/ نيسان 2020)، إلى أقل من دولار للبرميل (يساوي 159 لتر) وهو مستوى انخفاض تاريخي، مع نضوب الطلب الفعلي على النفط بسبب أزمة فيروس كورونا المستجد ظهرت تخمة عالمية في المعروض وشلت حركة الطيران والصناعات الناشئة شبه متوقفة ولا يزال مليارات الأشخاص حول العالم يلزمون منازلهم لإبطاء انتشار الفيروس.
الرسم البياني الثالث انخفاض الاسعار من 2019-2020
لكن هنا اذا تكلمنا في الوضع الطبيعي عن كيفية اتمام عمليات بيع النفط ، يقول الخبير الاقتصادي العراقي باسم جميل أنطوان إن «مبيعات النفط يتم تصديرها عن طريق شركة سومو التابعة إلى وزارة النفط، حيث يتم تحويل الأموال المتأتية من مبيعات النفط إلى وزارة المالية التي تقوم بدورها بشراء بالدينار العراقي من البنك المركزي مقابل الدولار من أجل تمشية رواتب الموظفين وسواها من الكلف التشغيلية التي تستهلك الجزء الأكبر من الموازنة. ويضيف أنطوان أن البنك المركزي بدوره يبيع الدولار إلى شركات الصيرفة بسعر معين حتى يبقى سعر صرف الدينار مقابل الدولار متوازنا لكن المشكلة أن الدولة تنفق أكثر من 98 % من مبيعات النفط دون أن تكون لها انعكاسات على وضع المواطن من حيث الخدمات والبنى التحتية لأن ما نسبته منها 70 في المائة كلف تشغيلية وهي من أكبر بوابات الفساد المالي. ويؤكد الخبراء ان هذه الأرقام كبيرة ويمكن أن تحدث ثورة تنموية كبيرة إضافة إلى ذلك ان هذا الرقم يتعلق بالإيرادات الأجنبية بمعنى أنه لا يأخذ بنظر الحسبان المبالغ المستحصلة من الضرائب والجباية والجمارك وأسعار بيع الوقود محليا وهي أرقام ليست قليلة.
ولتركيز حجم الاستيرادات في العراق وكمية ما يغطيه البنك المركز لتلك الاستيرادات من حوالات واعتمادات وما تغطيه المصادر الأخرى لتلك الاستيرادات ، لتبين لنا حجم الموارد المهدورة لقطاع من المفترض ان يغطي بالكامل قيمة الاستيراد ويرفد خزينة الدولة ، وهنا نشير الى نقطة مهمة جدا يوضحها الرسم البياني هو كيف تصرف الأموال وحجم ما يغطيه البنك المركزي العراقي على جانب الاستيراد هذا الرسم البياني يوضح حجم الاستيرادات ، وكمية ما يغطيه البنك المركزي.
حيث يمثل اللون الازرق حجم الاسترادات
اللون البرتقالي التغطية من قبل البنك المركزي العراقي لتلك الاستيرادات
اللون الرمادي فاتح التغطية من مصادر اخرى
حيث يتضح حجم التغطية للبنك المركزي العراقي بشكل كبير جدا لقمية التغطية من مصادر اخرى وهنا يشير الرسم الى ان هناك خلل واضح في الاعتماد على البنك المركزي وغياب التخطيط والتوازن في عمليات الاستراد وحجمها للبلد .
ختاما ومع جميع تلك الظروف الصعبة التي مرت على الاقتصاد العراقي وعلى إدارة ثرواته ومشكلات مالية وتحديات خطرة التي ما تزال في تزايد مستمر، ومع تشكيل الحكومي الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي ،هذا يعني ان حكومته يجب ان تواجه تلك المخاطر لإعادة استقرار العراق وليبدأ صفحة جديدة من العمل والتمية والرخاء .
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية