الكاظمي يتطلع إلى وساطة تخفف على بغداد أعباء الصراع بين طهران وواشنطن

الكاظمي يتطلع إلى وساطة تخفف على بغداد أعباء الصراع بين طهران وواشنطن

من شأن تهدئة الصراع بين الولايات المتحدة وإيران على النفوذ في العراق، ولو على سبيل الهدنة المؤقتة، أن تخلّص رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي من الضغوط والتوترات الداخلية التي يسبّبها ذلك الصراع بما يساعده على الانصراف إلى معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والأمنية بالغة التعقيد، ولذلك لا يستبعد أن يكون القيام بوساطة بين طهران وواشنطن من الملفات العاجلة الموضوعة على طاولة الكاظمي.

بغداد – تقول مصادر سياسية في العراق إن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بدأ استعداداته لبذل جهود للوساطة بين الولايات المتحدة وإيران، حيث ينوي إطلاق تلك الوساطة حالما يصبح الأمر متاحا، وذلك لمعرفته بأن نجاحه في مهمّته الصعبة في هذا الظرف الاستثنائي يتوقّف في جزء كبير منه على تبريد الصراع بين الطرفين على النفوذ في العراق، ولو ظرفيا، وترك البلد يلتفت إلى شؤونه وقضاياه الداخلية بالغة التعقيد.

وأقر فادي الشمري القيادي في تحالف الحكمة بزعامة عمار الحكيم بأن الكاظمي بدأ فعليا تحركاته لتهدئة أوضاع المنطقة من دون أن يشير إلى وساطة بالتحديد بين طهران وواشنطن، لكنه قال إن جهود رئيس الوزراء قد تتكلل بالنجاح نظرا لعلاقاته الإقليمية والدولية الواسعة.

وكان رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي تحدث عن وساطة يقوم بها بين واشنطن وطهران خلال ذروة التصعيد بين الطرفين، لكن المراقبين قالوا إن حكومته في وضع ضعيف لم يكن يؤهلها لهذا الدور. ويبدو أن الوضع اختلف مع رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي.

وتوضح مصادر على صلة بهذا الملف، أن الوساطة العراقية تضع في اعتبارها عاملين حاسمين، الأول يتعلق بضرورة عودة إيران إلى داخل حدودها، والثاني يتعلق بالتنسيق مع الدول العربية الكبيرة في المنطقة، وتحديدا السعودية، بشأن أي ترتيبات تتطلبها مرحلة ما بعد نجاح أي تفاهم أميركي إيراني.

وتشير التوقعات المتعلقة بالعامل الأول إلى أن إيران ستواصل خسارة نفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بالتزامن مع إصابة اقتصادها بالعجز عن الاستجابة لدعيات العقوبات الأميركية التي فرضت عليها بسبب برنامجها النووي.

ومع مقتل جنرالها البارز قاسم سليماني في غارة أميركية في العراق مطلع العام الجاري، خسرت إيران أبرز أدواتها للتأثير في الملفين العراقي والسوري. وأخيرا حلت جائحة كورونا محدثة إرباكا قد لا يتعافى منه نظام الجمهورية الإسلامية في أمد قريب.

ويقول مراقبون إن هذه التطورات مجتمعة ستقود إلى انكفاء إيران على المستوى المتوسط داخل حدودها بعد افتقادها قدرة التأثير في الملفات الخارجية كالمعتاد. وبالمقابل سيكون من الممكن التوصل إلى تسوية للوضع الإيراني تخرجه من حالة العداء الدائم لمعظم دول الإقليم والعالم.

ويعتقد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أن حالة المنطقة مناسبة لتدشين وساطة فعالة بين إيران والولايات المتحدة، على قاعدة هدنة طويلة الأمد.

ويقر زعماء الميليشيات العراقية الموالية لإيران بأن الأولويات تبدلت بسبب تزامن جائحة كورونا مع انهيار أسعار النفط، ما يسبب أضرارا مضاعفة جرّاء العقوبات الاقتصادية التي تطبقها واشنطن على طهران.

ويقول مراقبون إن الكاظمي قد يكون عراب مرحلة إعادة إيران إلى داخل حدودها، بعد سنوات من التأثير السلبي الخارجي.

وتؤكد مصادر دبلوماسية في بغداد أن رئيس الوزراء تواصل مع مسؤول عربي واحد على الأقل لمناقشة ظروف الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران.

ولا تستبعد المصادر أن تتحرك بغداد لتنظيم لقاءات ليست ثنائية يشارك فيها سفراء واشنطن وطهران والرياض.

لكن نجاح مساعي الكاظمي يرتبط بمدى استعداد دول الخليج والولايات المتحدة والغرب عموما لتعويض إيران عن مساحاتها التي كانت تشغلها خارجيا بحزمة مساعدات تعينها على الصمود داخليا.

وليس واضحا وضع الأرضية التي يقف عليها الكاظمي، وما إذا كان هناك أي تأييد دولي أو عربي لمساعيه.

ويبدو لمتابعين للشأن العراقي، أن طرح قضية وساطة بغداد بين واشنطن وطهران في الوقت الراهن يبعث على التساؤل ويبدو سابقا لأوانه، حيث لم يستكمل الكاظمي ترتيب أوضاع البيت الداخلي حتى أنّه لم يحسم بعد منصب وزير الخارجية الضروري لأي تحرّكات دبلوماسية فاعلة. وقد اضطر إلى أن يتسلمّ هو المنصب وكالة بسبب عدم توافق القوى السياسية على شخص من يتولى حمل هذه الحقيبة السيادية الهامّة.

وقال مراقب للشأن السياسي العراقي، إنه بغض النظر عما ينوي الكاظمي القيام به مستقبلا فإن الحديث عن وساطة بين إيران والولايات المتحدة يعتبر نوعا من المبالغة، ذلك لأن تلك المصالحة ليست من أولويات عمل حكومته التي اعتبر النجاح في تشكيلها نتيجة نوع من التسوية الأميركية الإيرانية غير المباشرة في ما يتعلق بالعراق وعلامة على بدء مرحلة استراحة أو هدنة مؤقتة بين الطرفين في صراعهما على النفوذ في البلد.

وأضاف أن مقتضيات التسوية ليست هيّنة لأنها تعني كف يد الميليشيات وامتناعها عن التدخل في عمل الحكومة إضافة إلى السماح لرئيس الوزراء الجديد بالحوار بطريقة جادة مع دول الجوار العربي.

وكما هو واضح من مواقف زعماء الميليشيات التابعة لإيران، فإن هامش الحوار مع الولايات المتحدة لم يعد ضيقا بل إنه اتسع بما يتخطى مسألة التفاوض على مستقبل القوات الأميركية في العراق. وهناك حاجة عراقية ماسة إلى أن تضع الولايات المتحدة لمساتها من أجل إخراج العراق من أزمة اقتصادية قد تؤدي إلى الإطاحة بالنظام برمته إذا ما استمرت أسعار النفط على ما هي عليه من انخفاض. وهو الأمر نفسه الذي جعل الإيرانيين يعيدون النظر في حساباتهم. فبالنسبة لهم يشكل ضبط الداخل الإيراني مسألة تفوق في الأهمية استمرار وجودهم في العراق ورعاية ميليشيات صار تمويلها يشكل عبئا على الميزانية الإيرانية.

بالنسبة للكاظمي، يشرح المراقب العراقي، فإن انسحاب إيران من المشهد السياسي العراقي سيكون فرصة له كي يربط العراق بشبكة علاقات خارجية أوسع وأكثر توازنا ستلعب دورا مهما في إخراج البلد نهائيا من دائرة السطوة الإيرانية وصولا إلى استعادة ما يمكن من استقلاله وحريته في اتخاذ قراراته.

وفي انتظار ما سيضعه الكاظمي من لمسات على السياسة الخارجية للعراق، فإنّ ما يأمله الكثيرون أن يسرع رئيس الوزراء الجديد في خطواته المستقلة التي يشكل البعد الاقتصادي محورها الأساس. وفي ذلك ما يمكن أن يضيق الخناق على صفقات الفساد المالي ويضع الاستثمارات في مكانها الحقيقي من خلال دخول أطراف دولية على خط الإعمار في العراق. وتلك مهمة ليست يسيرة غير أنها في الوقت نفسه ليست مستحيلة في ظل وجود أطراف عالمية كثيرة تفضل التعامل مع حكومة عراقية تبدي قدرا من النزاهة والشفافية.

العرب