تتغيّر الأوضاع في الشرق الأوسط بوتيرة لا سابق لها في ظل انشغال العالم بانتشار وباء كورونا… وفي ظلّ ما هو أسوأ من كورونا في المدى البعيد. ما هو أسوأ من كورونا، الذي سيغيّر العلاقات الاجتماعية وعادات العمل، يتمثّل في هبوط سعر برميل النفط الذي سيترك آثارا في بلدان عدّة إنْ على صعيد نمو الاقتصاد أو الاستعانة بالعمالة الأجنبية… أو على الصعيد الرياضي وكرة القدم وفرقها العريقة في أوروبا.
لم يوقف الوباء الاستعدادات للعاصفة المرشّحة لأن تهبّ في الأشهر القليلة المقبلة، أو ربّما قبل ذلك على الشرق الأوسط، في ظلّ رفض النظام الإيراني القبول بأنّ ليس أمامه سوى الاعتراف بهزيمة مشروعه التوسّعي والانكفاء في اتجاه الداخل. من المستبعد تراجع إيران التي لا تقبل الاقتناع بأن ليس لديها ما تصدّره إلى خارج حدودها غير النفط والسجّاد وما يعرف في منطقتنا بالفستق الحلبي!
الأكيد أنّ هناك من يرفض رؤية التغييرات التي تحدث في المنطقة بدءا بالعراق وانتهاء بلبنان، مرورا بسوريا في طبيعة الحال. لا يزال هناك من يعتقد أنّ في الإمكان إنقاذ النظام السوري وأنّ لهذا النظام مستقبلا ما، فيما تبدو روسيا نفسها عاجزة عن إيجاد استراتيجية لها في بلد أرسلت إليه قوات ومقاتلات وقاذفات وأقامت فيه قاعدتين عسكريتين وربّما أكثر. تكتشف روسيا في السنة 2020 أن مشاكلها الداخلية، بما في ذلك الانتشار السريع لوباء كورونا، ستكون في المدى البعيد أهمّ بكثير من البقاء في سوريا.
لعلّ الأهم من ذلك كلّه أنّها اكتشفت أن البضاعة السورية صارت كاسدة. لم تعد تجد من يشتريها، بما في ذلك من يشتري العائلة الحاكمة التي بدأت التجاذبات في داخلها تأخذ منحى جدّيا وخطيرا يعمل كبار العلويين على منع تفاقمه.
لا يقتصر التغيير على العلاقة بين النظام السوري من جهة وموسكو من جهة أخرى. هناك تغيير كبير يحصل في العراق. ستكون أمام العراق أسابيع حاسمة في ضوء تشكيل مصطفى الكاظمي حكومته. سيتبيّن هل سيكون هناك أمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه في العراق وبناء نظام جديد قابل للحياة على أنقاض النظام الذي قام بعد الاحتلال الأميركي في السنة 2003 والذي تبيّن أنّه أقرب إلى كارثة وطنية من أيّ شيء آخر.
لا شكّ في أن بارقة أمل عادت تظهر في العراق الذي انطلقت منه الاندفاعة الثانية للمشروع التوسّعي الإيراني بعدما سلّم الأميركيون البلد إلى إيران محقّقين لـ”الجمهورية الإسلامية” ما يشبه الحلم. إنّه حلم الانتقام من العراق الذي خاض حربا استمرت ثماني سنوات من أجل منع آية الله الخميني من تصدير ثورته إلى الخارج في العام 1979. تكمن بارقة الأمل العراقية في استعادة مؤسسات الدولة، خصوصا الجيش، في ظلّ التحديات ذات الطابع الاقتصادي أوّلا، وهي تحديات جاءت بعد تبديد كل هذه المليارات من الدولارات في السنوات القليلة الماضية.
سيكون السؤال المطروح عراقيا، بغض النظر عن التحديات الاقتصادية التي تواجه حكومة الكاظمي، هل سيتمكن العراق من استعادة مؤسساته الوطنية، في مقدّمها الجيش… أم يظل خاضعا لـ”الحشد الشعبي” الذي ليس في نهاية المطاف سوى تكتل لميليشيات مذهبية تابعة لأحزاب تابعة بدورها لإيران!
لا مكان في العراق لـ”الحشد الشعبي” في حال كان مطلوبا القيام بانقلاب حقيقي لإثبات أن لا سلاح شرعيا غير سلاح الجيش العراقي وأنّ المشروع الإيراني في العراق، وهو مشروع قائم على تكرار تجربة “الحرس الثوري” في “الجمهورية الإسلامية” لا مكان له في هذا البلد.
إذا وضعنا جانبا المأزق الروسي في سوريا والتغيير الكبير الذي يمكن أن يشهده العراق، لا بد من التوقّف عند حدث كبير يفترض عدم مروره مرور الكرام. في أساس هذا الحدث تشكيل حكومة “طوارئ” في إسرائيل. لو لم يكن هناك انطباع بأن المنطقة مقبلة على أحداث كبيرة، لما تشكلت مثل هذه الحكومة مع ما يعنيه ذلك من إعادة اعتبار لبنيامين نتانياهو المتهّم رسميا بالفساد. هناك جنرالان مهمان في وزارتي الدفاع والخارجية من حزب أزرق وأبيض الذي وافق على تعويم “بيبي” مجددا. الجنرالان هما بني غانتس وغابي اشكنازي. كان كلّ منهما رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي. الرجلان معروفان بشراستهما. هل سيشرفان على مشروع ضمّ جزء من الضفّة الغربية لإسرائيل، كما وعد “بيبي” أم يسعيان إلى التهدئة حيال تنفيذ مشروع الضمّ؟
الأكيد أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة لن تسعى إلى ضمّ جزء من الضفّة الغربية فحسب، بل ستسعى أيضا إلى ضم غور الأردن. ستعمل باختصار على خلق واقع جديد في المنطقة يشكّل إحراجا شديدا للمملكة الأردنية الهاشمية وللملك عبدالله الثاني الذي لم يتردد في التحذير من عواقب مثل هذا التوجه الإسرائيلي وانعكاساته على مستقبل العلاقات الأردنية – الإسرائيلية.
أكّد العاهل الأردني أخيرا أنّ كل الخيارات ستكون مطروحة مع إسرائيل. لم يعد في إسرائيل من يريد أن يأخذ في الاعتبار دقّة الموقف الأردني، على الرغم من وجود معاهدة سلام بين البلدين وقعت في تشرين الأوّل – أكتوبر من العام 1994.
تحولت إسرائيل بسبب المشروع التوسّعي الإيراني الذي يخيف العرب أكثر من أيّ شيء آخر، إلى اتباع سياسة أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها ذات طابع انتهازي. كرست احتلالها للجولان وتريد تكريس احتلالها لجزء من الضفّة الغربية وغور الأردن.
يحدث ذلك في وقت ينهار فيه كلّ شيء في سوريا وفي لبنان حيث لا وجود لقيادة سياسية تفهم شيئا عمّا يدور في المنطقة والعالم وكيف تكون هناك سياسة اقتصادية ناجحة. في سوريا رئيس لنظام لا يستوعب معنى الاستعانة بإيران وميليشياتها ولا يعي معنى أن تصبح تركيا أمرا واقعا في الشمال السوري وأن تصبح استعادة الجولان المحتل منذ العام 1967 ملفّا منسيا… وفي لبنان حكومة لا تستطيع فهم معنى انهيار النظام المصرفي اللبناني… وأبعاد غياب الجواب المطمئن والواضح عن سؤال في غاية البساطة من نوع: أين راحت أموال اللبنانيين والعرب والأجانب التي أودعت في المصارف؟
لم يسبق للشرق الأوسط أن مرّ بمرحلة شبيهة بالتي يمرّ فيها هذه الأيّام. تنذر كلّ المؤشرات بعاصفة عاتية، ربّما جاء مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي في زيارة خاطفة إلى إسرائيل في هذا التوقيت بالذات لتأجيلها لا أكثر…
خير الله خيرالله
العرب